عندما لمحت عنوان المقالة: "الشعر أولاً وأخيراً" الحياة 4 كانون الأول / ديسمبر 2000، لست أدري لماذا تبادر الى ذهني شعار "الإسلام... هو الحل" و"لا صوت يعلو فوق صوت المعركة". شعارات مصقولة توهم بالتصديق هناك بالفعل من يصدقها، لكنها موجهة - بالأساس - لتشتيت الانتباه عن واقع معين عيني الى واقع آخر مخترع. وذلك - بالتحديد، للأسف - هدف المقالة الأخيرة، الواضح منذ سطرها الأول بلا ورقة توت. فالمقالة عريضة: اتهام ودفاع في آن، اتهام شمولي لمترجم كتاب "لغة التمزق" - كاتب هذه السطور، ودفاع عن المجلس الأعلى للثقافة في مصر. فمترجم الكتاب متهم - منذ صدور المقالة - بالتسرع في "إطلاق التهم جزافاً على المجلس أولاً وعلى الروائي إدوار الخراط"، على رغم أن رد المجلس الرسمي، الذي نشر بالصحف، لم ينكرها أو ينفها حاول - فحسب - تبريرها!، سواء بالنسبة اليه أو الى الخراط. والطريف ان يعتبر عبده وازن - الشاعر والناقد - احتجاجي على نشر الكتاب من وراء ظهري، وتغيير عنوانه الى عنوان مقدمة إدوار الخراط، التي تم دسها في الكتاب من دون استشارتي، وترجمة مقدمتي في الكتاب ذاته الى الانكليزية بصورة سيئة من دون علمي، ثم عقد ندوة له من دون إخطاري أو حتى دعوتي... الطريف ان يعتبر وازن هذه الحقائق - التي لم ينفها رد المجلس - مجرد "تهم جزافية" ناجمة عن "التسرع"! فهل يلغي اتهامي بالتسرع الحقائق؟ والمشكلة أن رد الدكتور جابر عصفور أمين عام المجلس - الذي يستميت عبده وازن في الدفاع عنه - لا يحتاج الى كثير ذكاء، لاكتشاف فانتازيته. ولا أدري كيف فات الشاعر والمترجم الصديق ان الرد قام - في جوهره - على آلية واحدة: ان المؤلف/ السفير الكرواتي قد "قال" لهم - نعم "قال" لهم - انه دفع الى المترجم "حقوقه المالية"، و"قال" كذا، وكذا، وكذا راجع الرد المنشور بجريدة "أخبار الأدب". وبناء على هذه "الأقوال" - من دون سؤال المترجم "غير المجهول" عن صحة هذه الأقوال من عدمها - أطيحت حقوق المترجم جميعاً، دفعة واحدة، بلا نقض أو إبرام، وأبسطها - انسانياً، حتى - معرفته بأن كتابه إنما يطبع في هذا المكان أو ذاك، فأي "قول" هذا، ذلك الذي يمتلك كل هذا السلطان الشمولي، غير المسبوق، فيلغي حقوقاً، ويؤسس حقوقاً، بلا مراجعة؟ والأخطر، ان جابر عصفور قام بتوثيق هذه "الأقوال" - قانونياً - في شكل عقد بينه كناشر وبين المؤلف السفير السابق يلغي به جميع حقوقي - كمترجم - تجاه المجلس الناشر، ويريد فرض الالتزام به عليّ، أي الالتزام بما لم أوقع عليه ويهدر كل حقوقي فهل أصبح العقد شريعة "غير المتعاقدين"؟، فضلاً عن انه قام - في الرد - بتحميل "المؤلف" الغائب مسؤولية الاخراج الفني للكتاب، وبقية التفاصيل المتعلقة بالمقدمة والعشوائية في بيانات القسم العربي المترجم التي تتضارب مع بيانات القسم الانكليزي. فما الذي تبقى لي، كمترجم للكتاب، سوى اسمي الموجود على الغلاف؟ ولماذا لم يستبدلوه، هو الآخر؟ وضع فانتازي برمته، غير مسبوق في مجال النشر. فكيف يمكن إلغاء حقوق المترجم بناء على "أقوال" بلا سند؟ وماذا لو تم تعميم هذا المبدأ على المترجمين والمؤلفين؟ وكيف يمكن اعتبار "الحقوق المالية" هي "كل" الحقوق، التي -إذا ما زعم أحد ان المترجم قد حصل عليها - تصبح مبرراً لاستباحة كتابه، من وراء ظهره؟ أم هل الترجمة - وفقاً لعبده وازن وجابر عصفور معاً - هي فعل "مالي"، لا غير؟ أما الندوة التعيسة التي أقيمت احتفالاً بصدور الكتاب، فيستحق رد جابر عصفور - بشأنها - التأمل على رغم اعجاب عبده وازن به: "فقد أخبرنا المؤلف باشتراككم فيها أولاً، وعاد بعد ذلك وأخبرنا باعتذاركم"، أي أن المؤلف "قال" لهم... ثم عاد و"قال" لهم. فما هي الصفة التي تليق بهذا الأسلوب؟ هل نجرؤ على تسميته التسمية اللائقة؟ لا بأس! وكان يمكن رأي عبده وازن عن "التوافق" بين مقدمة ادوار الخراط ومقدمتي الواردتين في الكتاب المنشور ان يكون صحيحاً، لو ان احد الكاتبين ادوار الخراط لم يكن قد اطلع على المقدمة الأخرى، قبل كتابته مقدمته. اما وان اطلاعه عليها - قبل كتابته ما كتب - مؤكد، بحكم ورودها في صدر المخطوط نفسه الذي وقع في يده ليكتب له المقدمة، فلا بد من أن يثير التساؤل - على الأقل - "وقوع الحافر على الحافر" الى هذا الحد الفاضح. وفي الأصل، ما مبرر ان تكتب مقدمة لمخطوط ديوان مترجم يضم - بالفعل - مقدمة من المترجم؟ لماذا؟ ولماذا يتم ذلك من وراء ظهر المترجم؟ ما كل هذه الاستباحات، والمترجم موجود في القاهرة سكناً وعملاً، ويتم الاتصال به - من جانب المجلس/ الناشر - لأسباب أهون من ذلك مليون مرة؟ لماذا؟ وما الذي يدافع عنه عبده وازن، بالتحديد؟ والحق، انها الحال الشاذة الوحيدة التي وقعت لي على مدى ربع قرن وعشرين كتاباً مؤلفاً ومترجماً، منشورة في دور نشر مختلفة في مصر ولبنان والامارات. حال شاذة ينبغي مواجهتها حتى لا تصبح قانوناً عاماً يطبق على المؤلفين والمترجمين بغطرسة بيروقراطية فجة، ثم تجد من يدافع عنها ويبررها من الشعراء والمترجمين أنفسهم. ولعبده وازن -الشاعر والمترجم - أن يعتبر الدفاع عن حقي في كتابي "مجرد شؤون عابرة سرعان ما تزول". لا بأس... لكنها تلك الشؤون العابرة "الجوهرية" التي من دونها لن يكون هناك شعر ولا ترجمة.