كاد الكلام عن الرقابة يطغى على بعض أجواء معرض الكويت الخامس والعشرين للكتاب. لكنّه ظلّ مجرّد كلام يتبادله بعض الكتّاب والمثقفين والصحافيين في جلساتهم التي يعقدونها في المقاهي أو "الديوانيات" الأدبيّة. لم تصدر بيانات تحدّد رقماً نهائياً للكتب الممنوعة ولم تتولّ جهات الرقابة المتعدّدة إصدار جدول بما منع من كتب سواء عشية المعرض أم طوال الأشهر التي سبقته. واللافت أن أجهزة الرقابة لم تردّ على بعض المصادر الصحافية التي أصرّت على أن عدد الكتب الممنوعة قارب الثلاثمئة. وهذا رقم غير نهائي بل هو عرضة للازدياد تبعاً لما حُجز من كتب لم يتسنّ للرقابة مراجعتها. فالرقابة تمارس دورها قبل المعرض وخلاله وبعده. ولعلّ اللافت أيضاً أن المصادر الحقيقية التي يمكن الاستناد إليها في شأن الكتب الممنوعة هي دور النشر نفسها. وهذه قد تبالغ في أحيان أو قد تجعل من الرقابة ذريعة للشكوى أو الاحتجاج والتأفّف. لكنّ ما يلجأ إليه الناشرون لا يخفف أبداً من وطأة الرقابة أو من حجمها. أمّا ما يؤكّد مضيّها في "حرفتها" فهو ذاك الصمت الاعلامي الذي تحيط نفسها به فلا تؤكّد رقماً ولا تنقض رقماً. ولعلّ ما يزيد من التباس الرقابة توزّعها على أجهزة ثلاثة: وزارة الاعلام، وزارة الأوقاف ولجنة الرقابة. والعلاقة بين هذه الأجهزة تشهد ما يشبه حال "المدّ والجزر" حتى ليصعب في أحيان تحديد الجهة المانعة تماماً مثلما يصعب تحديد حوافز المنع أو أسبابه بوضوح ودقّة. علماً أن المعايير أو المقاييس التي تعتمدها الرقابة باتت معروفة وثابتة وشبه عامة: المساس بالدين والمذاهب الدينية، المساس بالآداب العامّة، المساس بالثوابت السياسية... إلا أن الكلام عن الرقابة الذي شغل أهل الصحافة والثقافة والأدب لم ينعكس سلباً على معرض الكتاب بل هو ربّما جعل منه مناسبة لاثارة شؤون الرقابة العربية عموماً. وهذا ما عبّرت عنه آراء بعض الناشرين العرب الذين تحدّثوا عن "رقاباتهم" المحلّية سواء في الجلسات الجانبية أم في الحوارات الصحافية. أمّا السجال الذي كان لافتاً فهو ذاك الذي جرى بين النائب الكويتي الدكتور وليد الطبطبائي والدكتور محمد الرميحي الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب حول كتاب "فجر العلم الحديث" الذي صدرت طبعة ثانية منه في سلسلة "عالم المعرفة" التي يشرف عليها المجلس الوطني. واعتبر الطبطبائي أن الكتاب يتضمّن "اساءات للاسلام وتحقيراً للحضارة الاسلامية في قرونها الأولى". وانتقد النائب الكويتي، في سؤال وجهه إلى وزير الاعلام، اختيار هذا الكتاب وترجمته ونشره في الكويت. وتساءل: "هل تضمّن الكتاب ردوداً من المترجم الدكتور محمد عصفور على مغالطات المؤلف الأجنبي في حق المسلمين؟". أما الكتاب الذي - على ما بدا - لم يقرأه النائب الكويتي، فهو من تأليف الباحث الأكاديمي الأميركي توبي.أ. هفّ المتخصص في سوسيولوجيا العلم والانتربولوجيا. والترجمة الجديدة الى العربية قام بها الناقد الأردني الدكتور محمد عصفور عميد كلّية الآداب في الجامعة الأردنية. وقد حملت هوامش الترجمة ردوداً على المؤلف الأميركي وبعض الايضاحات. وحوت الطبعة الثانية من الكتاب مقدّمة جديدة وقّعتها هيئة التحرير وأوضحت فيها أبعاد الكتاب وأهمّيته العلمية والأكاديمية. ورأت هيئة التحرير أن القضية التي حاول المؤلف أن يثبتها في هذا الكتاب الضخم هي أن العلم العربي هو الذي كان مؤهلاً لكي يستهلّ النهضة العلمية التي شهدها العصر الحديث قبل العلم الأوروبي نفسه. وتعترف الهيئة - وفق تعبير المؤلف - بأن ثمّة معوقات كامنة في بنية المجتمع العربي ومؤسساته حالت دون تحقق هذا الانجاز الكبير. ولعلّ القراءة هذه حملت المؤلف على توجيه بعض النقد الى المجتمع العربي ومؤسساته في الفترة التي يتناولها الكتاب. ويسعى الكتاب عبر تتبعه تاريخ العلم الى الاجابة عن سؤال شغل الباحثين طويلاً في الشرق والغرب وهو: "لماذا اخففت الحضارتان الاسلامية والصينية في إنجاب العلم الحديث فيما تمكّنت أوروبا من ذلك على رغم تأخرها مسافة شاسعة عن هاتين الحضارتين اللتين كانتا قطعتا شوطاً بعيداً في طريق التقدم العلمي؟". إلا أن الدكتور محمد الرميحي سرعان ما ردّ على الطبطبائي من مدينة الرياض التي سافر اليها ليشارك في الاجتماع التمهيدي لمؤتمر وزراء الثقافة العرب. وأكّد الرميحي في ردّه "أن المجلس حريص كلّ الحرص على عدم المساس بالدين الاسلامي الحنيف في جميع أنشطة المجلس الثقافية والفكرية". وأكّد "أن المجلس سينظر في اساس الموضوع للوقوف على حقيقة مضمون ما نشر". وأشار بعض المثقفين الذين قرأوا الكتاب في ترجمته الأولى أنجزها الدكتور احمد صبحي وترجمته الثانية إلى أن الكتاب لا يمسّ الحضارة الاسلامية أبداً ولا يحطّ من قدرها بل هو ينتقد بعض الظواهر العربية السلبية نقداً علمياً وتحليلياً. وهي الظواهر التي ينتقدها المسلمون والعرب أنفسهم. ولعلّ إقدام الدكتور محمد عصفور على إعادة ترجمة الكتاب يؤكّد علميّة هذه القراءة النقدية وعدم الاساءة الى الحضارة الاسلاميّة. المعرض، اليوبيل والعاصمة الحدث الذي يمثله معرض الكتاب في الكويت هذا العام لا يكمن فقط في دخوله العام الخامس والعشرين أي اليوبيل الفضي بل أيضاً في تمهيده للسنة الثقافية التي تحتفي بها الكويت عاصمة ثقافية 2001. وبدت الكويت مدينة ومعرضاً مأخوذة بهذه "التسمية" التي ارتأتها منظمة الاونسكو العالمية بل متحمّسة جداً لهذا الدور الذي ستؤدّيه خلال سنة كاملة بدءاً من الأوّل من كانون الثاني يناير المقبل. وبدا المجلس الوطني للثقافة أشبه بخلية نحل تعجّ عجّاً بالمشاريع والنشاطات والبرامج. فالسنة لن تكون سنة الكويت وحدها بل سنة الثقافة العربية في الكويت أيضاً. وخصّص المجلس أسابيع ثقافية عدّة لبعض الدول العربية والاجنبية ترسيخاً لهذا الطابع العربي وربّما العالمي وتخطّياً للطابع المحلّي الصرف. على أن هذه السنة ستشهد انطلاق مشروع مكتبة الكويت الوطنية ومشروع المجمّع الثقافي ومشروع القناة الفضائية الاعلامية... علاوة على النشاطات التي لا تُحصى. وقد اعتمد المجلس الوطني ما سمّاه "بنية تحتية" لهذه السنة وهيكلية واضحة ودقيقة ترسّخ النشاطات والمشاريع بحسب أنواعها والمراحل الزمنية. ويقول الدكتور الرميحي: "يقبل علينا معرض الكتاب هذا العام ضمن إطار أكثر من مناسبة. ففي هذا العام نحتفل باليوبيل الفضي لهذا المعرض الذي يشتد عوده عاماً بعد آخر. وأعتقد ان هذا العام هو سن النضج الذي يجب ان يمثل علامة فارقة بالنسبة الى هذا المعرض. وهو يأتي أيضاً والكويت تستعد لاستقبال فاعليات الكويت 2001 عاصمة للثقافة العربية. وغني عن القول ان الكتاب يمثل حجر الزاوية في اي نشاط ثقافي، فهو سجل التجارب البشرية وخلاصة فكرها. وهو الرحيق الباقي بعد ان ترحل كل الفراشات. وقد احدث الكتاب طفرة في التاريخ البشري ووضع الانسان على طريق الحضارة، وعادة ما يقال إن الانسان هو حيوان ضاحك أو حيوان اجتماعي، ولكنني أرى أن الانسان هو حيوان يملك كتاباً، اي يملك سلاحاً من الخبرة المتوارثة تجعله لا يقع في الفخ نفسه الذي يقع فيه الحيوان نفسه عشرات المرات. ولعل أرقام الكتب المعروضة على ارفف هذا المعرض والتي بلغت 61228 عنواناً تؤكد لنا ان هناك حالاً من التجديد الفكري لم تخمد بعد. ولعل سبباً آخر يجعل هذا المعرض مهماً في نظري هو إحساسي أنه ربما كان من أواخر المعارض التي نشاهد فيها سيادة الكتاب المصنوع من الورق. فالبشرية تفتح آفاقها على عالم جديد من التقنية المتطورة، عالم من النقاط المضيئة على شاشات الكومبيوتر وصفحات الانترنت. وقد اصبحت دار النشر تهددنا بأنها لن تنتج من الكتاب المطبوع الا اقل القليل، وانك اذا اردت ان تبحث عن ذلك الخل الوفي فعليك ان تخوض وسط غابة من البرامج الالكترونية المعقدة. لذلك لا اخفي انني اتطلع باعتزاز الى ارفف هذا المعرض، من دون ان تغادر انفي روائح الحبر والورق، شاعراً بالاسى على فرقة هؤلاء الاصدقاء الأعزاء. فالكتاب لن يسكن بعد ذلك الا في تلافيف الاقراص المدمجة، او ضمن برامج النشر الالكتروني ولن يأتي الا حين تستدعيه وهيهات بين لقاء ولقاء. ولكن ماذا نفعل؟ فهذا هو التطور الذي تقودنا اليه ثورة المعلوماتية. وقد اصبحت المعرفة تتضاعف كل خمس سنوات بعدما كانت تتضاعف كل خمسين سنة. ولو وضعنا كل انواع هذه المعارف على ارفف المكتبة لاحتجنا الى رف يدور حول الكرة الارضية ثلاث مرات، من هنا كانت الحاجة الى تقنية جديدة تجعل صديقنا القديم الكتاب يأخذ رغماً عنه وعنا شكلاً جديداً". ولئن غاب الكثيرون من الشعراء العرب الرّواد والكبار، فإن بعض الشعراء الذين أحيوا الامسيات من الكويت والعالم العربي استطاعوا ان يجذبوا جمهوراً وأن يصنعوا حالاً شعرية على هامش المهرجان في تلك "الخيمة" الثقافية المنصوبة قرب المعرض. والخيمة نفسها اتّسعت للندوات الفكرية الأخرى واللقاءات والمحاضرات التي صنعت مع الامسيات الشعرية برنامج المعرض. أما الحديث الآخر الذي تجاذبه الادباء والمثقفون الكويتيون والعرب فدار حول سحب الجائزة الادبية من الكاتبة الكويتية ليلى العثمان بعدما فازت بها عن كتابها الذي كان ممنوعاً وعنوانه "يحدث كلّ ليلة". ولم تكد العثمان تنعم بهذه الجائزة التي توّجت قضيّتها حتى فوجئت بقرار وزارة الاعلام سحب الجائزة. والجائزة هذه تمنحها لجنة منبثقة عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. ولم يكن في وسع رابطة الأدباء في الكويت إلا ان تستنكر هذا القرار في بيان جريء جداً.