عند كل اعتداء من الصهاينة، كما هو الحال هذه الأيام من مجازر تقترفها آلات الموت الاسرائيلية، بحق إخواننا الفلسطينيين، وما يتولد عنه من وقوف ومساندة الشارع العربي الاسلامي الى جانب إخوانه العزل في فلسطين للمطالبة بحمايته من مجازر منهجية، وعند كل حدث من هذا القبيل يطلع علينا "خبراء استراتيجيين" على شاشاتنا يرددون على مسامعنا نظريتهم التي تجعل من السلام "خيار استراتيجي أبدي"! ويشرحون "للحالمين" غير الواقعيين أمثالنا أن هذا الخيار الواعي الرصين يرتكز على دراسة واقعية تعتبر الوضع الراهن من اختلال في موازن القوى لمصلحة اسرائيل طبعاً! يحتم علينا عدم الانجرار وراء "الدهماء الغوغائيين" الذين يجوبون شوارع عواصمنا العربية. "الواقعية المتبصرة" تفرض علينا ضبط النفس، والشارع معه، وان تطلب ذلك استعمال القوة في ردعه! ومن ثم قبول السلام كخيار أوحد حتى وإن كان بشروط اسرائيلية!. هذا المنطق "الواقعي" لدى خبرائنا في المعاهد الاستراتيجية العربية يطرح أكثر من سؤال. أولاً: هل من الاستراتيجية في شيء تحديد بل رهن مصير شعب وقضية عمرها عقود طوال مضرجة بالدماء، من منطلق وضع آني يتسم بالوهن واختلال التوازن هذا إذا سلمنا انه حقاً الأمة العربية الإسلامية ضعيفة الى حد قبول استسلام يسمى افتراء سلماً؟ ثانياً: هل من الاستراتيجية والحنكة، بل والواقعية التي يتمسحون بها، اسقاط خيار المقاومة المشروعة والعض بالنواجذ على خيار واحد أوحد، لم يكن في يوم خيار الشعوب، ولا هو خيار سيادي بل هو رضوخ وإملاء قديم يذكرنا به الأسياد كلما بدا لهم أننا فترنا في تطبيقه، فتأتي رسائل فريدمانية تفعل فعلتها فينبثق عنها شرم شيخ آخر؟... نحمد الله ان لا المجاهدين في الجزائر، ولا الفيتناميين، ولا إخواننا في لبنان لم يلتفتوا الى الدجالين "الخبراء". ونسأل الله أن لا يسمع إخواننا الفلسطينيون اليهم... هل حقق خيار السلام اطلاق سراح الأسرى، على رغم تضمينهم في القرارات التي انبثقت عن عملية السلام؟ لا يزالون الى يومنا هذا يرزحون في سجون الاحتلال، وتخلت عنهم السلطة الفلسطينية بعد تكبيلها بالاستراتيجية الواقعية. وها هي الآن "غوغائية" المقاومة اللبنانية تهم للافراج عنهم معززين مكرمين. ألم يكن وضعنا المزري المشين، المفرط في الضعف والوهن، إلا نتيجة الأخذ بنصيحة هؤلاء الخبراء العرب؟ أليس هذا الذي يصفه خبراؤنا الواقعيون بالتهور والغثائية يقصدون غليان الشارع العربي دعماً لإخوانهم كأضعف الإيمان الا أحد عناصر - بل أقواها - قوة الدول العربية، تستطيع استثماره بدل إهداره وتسفيهه؟ هل من يحتقر شعبه وعواطفه يبقى أهلا ليتحدث باسمه؟ فهو في حقيقة الأمر لا يمثله بتاتاً، فهو دون مستواه. ان هؤلاء المفرطين في أخطر القضايا غير قادرين على اتخاذ المواقف الحاسمة ويعلم العالم أنهم مهزومون ولا يفهمون التاريخ إلا من خلال مصالحهم الخاصة الضيقة، وهو ما يجعلهم يتشبثون بما سمّوه "السلم الاستراتيجي".إذا أسقط خيار المقاومة المسلحة، نتساءل: لماذا إذاً هذا التكديس للسلاح بملايين الدولارات على حساب رفاهية ورغيف المواطنين؟ لمن إذاً يجمع هذا السلاح ان لم يكن للدفاع عن الشعوب وحقوقها ومصالحها ومقدساتها في وجه غطرسة اسرائيل وداعميها؟ أم هي بحسب إخواننا الواقعيين من أجل تأديب المتهورين في الشارع العربي، ومنعهم من خلط استراتيجيتهم المتنورة، كما يحدث هذا الأيام من قمع لطلاب الجامعات؟ هل بقي من قناع؟ أم سقط والى الأبد كما يقول الشاعر محمود درويش؟ الرباط - عكاشة أبو لقما