اخذت قضية التجسس التي كشفتها السلطات المصرية اول من امس ابعاداً جديدة، بعدما تبين أن الوكيل الاول لوزارة الزراعة كان مصدراً مهماً للمعلومات التي حصل عليها المتهم الاول المصري الجنسية والذي يواجه عقوبة الاشغال الشاقة المؤبدة. أفادت مصادر مصرية مطلعة أن محكمة امن الدولة العليا ستبدأ في كانون الثاني يناير المقبل النظر في قضية "التجسس لحساب اسرائيل" المتهم فيها المصري شريف فوزي الفيلالي والروسي غريغوري جيفنيس، مشيرة الى ان رئيس محكمة استئناف القاهرة المستشار وحيد محمود تسلم امس من النيابة ملف القضية. وينتظر ان يصدر في غضون ساعات قرار بتحديد احدى دوائر محكمة امن الدولة ليمثل المتهمان امامها. واكدت المصادر ان وقائع القضية "ستكشف اسراراً عدة عن محاولات اسرائيل الإضرار بالمصالح المصرية في العالم والتخابر على حال الامن داخل البلاد عن طريق مراكز بحثية وندوات ومؤتمرات عقدت تحت لافتة مناقشة امور عامة، وبغطاء من جهات اخرى تمد جهاز الاستخبارات الاسرائيلي موساد". وكان النائب العام المستشار ماهر عبدالوهاب فاجأ الجميع باعلانه اول من امس لاحالة القضية على المحكمة من دون ان تكون هناك أي معلومات سابقة عنها لتكون القضية الثانية التي ينظر فيها القضاء المصري خلال اربع سنوات وتتعلق بالتجسس لحساب اسرائيل. وكانت السلطات المصرية كشفت العام 1996 قضية تجسس مماثلة اتهم فيها المصري عماد اسماعيل والاسرائيلي عزام عزام، واحيل الاثنان في العام التالي على محكمة امن الدولة التي قضت بالاشغال الشاقة المؤبدة في حق الاول والاشغال الشاقة لمدة 15 سنة في حق الثاني. كما قضت بإدانة فتاتين اسرائيليتين حوكمتا غيابياً. واكدت المصادر ان كشف القضية الجديدة تم بعد انتهاء نيابة امن الدولة من التحقيق فيها بغض النظر عن الظروف السياسية والازمة التي تمر بها العلاقات المصرية - الاسرائيلية في ضوء قرار الرئيس حسني مبارك استدعاء السفير المصري في تل ابيب احتجاجاً على المجازر الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني. واتهمت النيابة المتهم المصري ب "التخابر مع دولة اجنبية هي اسرائيل بهدف الإضرار بالأمن القومي للبلاد والتأثير على مصالح مصر في الخارج وتلقي رشوة دولية للإضرار بمكانة مصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية". وهي تهم تصل فيها العقوبة إلى حد الاشغال الشاقة المؤبدة، في حين اتهمت النيابة المتهم الروسي ب "الاشتراك بطريق الاتفاق مع المتهم الاول في ارتكاب جريمة التخابر وتقديم الرشوة الدولية له بغرض ارتكاب عمل ضار للمصالح القومية للبلاد". وكان جهاز الاستخبارات المصري طلب من النيابة في 27 ايلول سبتمبر الماضي القبض على الفيلالي وتفتيش منزله حيث عثر على معدات تستخدم في التخابر والتجسس وتبين أنه سافر الى المانيا العام 1990 لاستكمال دراسته. وهناك تعرف على سيدة المانية تدعى "ارينا" عرّفته لاحقا على عميل في "موساد" وانتقل المتهم بعد 6 سنوات الى اسبانيا حيث تم تجنيده بصورة فعلية هناك بعدما تعرف على المتهم الثاني. وعلمت "الحياة" ان المتهم اعترف في التحقيقات أمام النيابة أن غالبية المعلومات التي وصلته حول النشاط الزراعي في مصر، خصوصا تلك التي تتعلق بمشروع توشكى حصل عليها من عمه، وهو وكيل أول وزارة الزراعة والاستصلاح الاراضي التي يتولى حقيبتها الامين العام للحزب الوطني الحاكم السيد يوسف والي، مشيراً إلى أنه كان يوهم عمه بأنه يجمع معلومات عن الانجازات الاقتصادية في مصر لعمل ابحاث ودراسات تستخدم في الدعاية لمصر في الخارج. واستدعت النيابة الموظف الكبير وواجهته بأقوال المتهم، فأكد أنه كان يرد على اسئلة واستفسارات ابن شقيقه بحسن نية ولم يكن يعلم أنه يستخدم ما يحصل عليه من معلومات في التخابر مع اسرائيل. وذكر الشاهد أنه سلم المتهم بعض الأوراق عن مشروع توشكى بعدما ألح للحصول عليها زاعماً أنه سيستخدمها في دحض آراء المشككين في جدوى المشروع. ورفض المتهم المصري أثناء الفترة التي استغرقها التحقيق توكيل محام ليتولى الدفاع عنه وحضور الجلسات أمام النيابة وطلب عدم ابلاغ احد من اسرته بالقبض عليه لكون التهم الموجهة إليه مسيئة. وأثناء معاينة رئيس النيابة للشقة التي ضبطت فيها أجهزة التجسس كومبيوتر وديسكات سأل اسرة المتهم عن مدى علمهم بنشاط الابن فقررت الأسرة بأن ابنهم أوهمهم بأنه يجمع معلومات ثقافية وعلمية في حاجة إليها لدراساته العليا التي يتلقاها في اسبانيا. ولم يشك لحظة واحدة في اهدافه، خصوصاً انه مقيم خارج مصر منذ عشر سنوات، كان يترددخلالها الى مصر من دون مواعيد مسبقة أو منتظمة. وفي كل مرة يدعي جمع المادة العلمية لدراسته. واعترف المتهم ايضا بأنه تقابل مع بعض المسؤولين عن السياحة في الغردقة وسيناء ومدن البحر الأحمر وجمع معلومات تفصيلية عن حجم هذه المشاريع وخصوصاً المزمع انشاؤها. كما حاول اقامة علاقات صداقة مع بعض العسكريين داخل مصر لجمع معلومات عنها، لكنه فشل. وابدى المتهم ندمه على فعلته والقى بالمسؤولية على شريكه الروسي الهارب خارج مصر والذي اغراه بالجنس والسهرات الحمراء واغدق عليه آلاف الدولارات وأوهمه بأن هذه المعلومات لمصلحة بعض الشركات الاستثمارية العالمية، لكنه تيقظ لخطورة ذلك عندما طلب منه معلومات عسكرية وفشل في الحصول عليها، فأدرك الفخ الذي سقط فيه لكن بعد فوات الأوان حيث كانت الاستخبارات المصرية ترصد كل تحركاته.