يقيس المسؤولون السوريون بمقياس دقيق، كل خطوة يتخذونها في اطار العلاقات مع العراق، التي تشهد تطويراً يوماً بعد يوم، كي لا تكون على حساب علاقة دمشق مع الحلفاء الدوليين والاقليميين. لذلك تبقي دمشق على حوارها مع المعارضين العراقيين، اذ استقبلت الاسبوع الماضي رئىس الحزب الديموقراطي الكردستاني مسعود بارزاني الذي يريد "حلاً سلمياً" مع النظام العراقي، بعد استقبال الرئيس بشار الاسد لنائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقي عزت ابراهيم، ومحادثات نائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز في دمشق. كما تريد ان "تطمئن" الكويت الى تطوير علاقتها مع بغداد، على اساس ان "مصلحة العرب تكمن في اعادة العراق الى الدائرة العربية". وتذكّر اوساط مطلعة بأن الرئيس الراحل حافظ الاسد كان "أول من طرح" عام 1996 حضور العراق القمة العربية التي عقدت في العام ذاته، ولكن اقتُرح "التريث لأن الظروف لا تناسب ذلك"... الأمر الذي لم يساهم في استضافة دمشق قمة عربية اخرى كما اتفق آنذاك، الى ان حضر العراق القمة الاخيرة في القاهرة. ولا يريد المسؤولون السوريون ان تكون العلاقة مع بغداد ضد قرارات مجلس الامن التي فرضت الحصار على العراق بعد غزوه الكويت. وهم يعملون على "توجيه رسالة الى الاميركيين ولكن ليس الى درجة اغضابهم نهائياً". وكانت سورية في مقدم الدول التي سمحت للطائرات الروسية والفرنسية بعبور اجوائها من دون ان تحصل على اذن من لجنة العقوبات. ولم تكن الاولى في ارسال طائرة مدنية الى "مطار صدام الدولي"، لكن "مطار دمشق الدولي" كان محطة اول طائرة ل"الخطوط الجوية العراقية" تقلع من بغداد منذ عشر سنين. ولعل الموضوع الاكثر اشكالية في الوقت الراهن، او الأكثر اظهاراً لميزان قياس العلاقات بين بغدادودمشق، هو اعادة تشغيل انبوب النفط المغلق منذ 1982. اذ ان الخارجية الاميركية "مهتمة جدياً" بمعرفة ما يحصل في هذا الاطار لأنه يؤثر في "سياسة الحصار" على العراق، وفي اسعار النفط في السوق الدولية، بعد ظهور تقارير عن تشغيل الانبوب اثر عملية ترميم استمرت ثلاث سنوات. وفيما رفض اي مسؤول سوري او عراقي الاقرار رسمياً بضخ النفط من الانبوب، واضح ان البلدين في صدد تشغيله استناداً الى الأسباب الآتية: - لا علاقة للانبوب بقرارات الحظر على العراق، اذ اغلق في 1982، بالتالي يتعلق تشغيله بالقرار السيادي للدولتين وليس لأي طرف آخر. - لا نيّة لبغدادودمشق تحديداً في خرق مبادئ القانون الدولي. وعندما يرى الطرفان الوقت مناسباً سيبلغان الاممالمتحدة وفق الأصول المعتمدة. - ان واشنطن ولندن "آخر من يتحدث عن خرق الحصار لأن كلاً منهما اول من يفعل ذلك"، فقرار حظر الطيران في منطقتي شمال العراق وجنوبه اميركي - بريطاني وليس دولياً. كما انهما تدعمان اتفاقات بين بغداد وكل من الاردن وتركيا بعيداً عن قرارات الحصار. - يراهن البلدان على قرب مراجعة القرار 986 النفط للغذاء، بالتالي عدم قدرة واشنطن على معارضة اعتماد معبر ثالث لتصدير النفط العراقي، في ضوء ارتفاع اسعار النفط من جهة، ونتيجة الاخطار التي تهدد السياسة الاميركية في الشرق الاوسط. ويُعتقد ان تراجع "شعبية" الولاياتالمتحدة في العالم العربي، بعد انحيازها الى اسرائىل في انتفاضة الاقصى، وانهيار عملية السلام بكل مساراتها والعدوان الاسرائىلي على الفلسطينيين، تشجع دمشقوبغداد على المضي في تعزيز علاقاتهما، مع وجود تحليل لدى الخبراء يخلص الى صعوبة الثقة بتصرفات الرئيس صدام حسين وردود فعله، ما استدعى حذراً اضافياً من دمشق.