الكابوس - الحلم حلم بفكرة الكتاب الذي سيتحول الى احدى الروايات الأكثر مبيعاً وهو تحت تأثير الكوكايين الذي وصفه الطبيب لمقاومة السل. صرخ روبرت لويس ستيفنسون من هول الكابوس فأيقظته زوجته ساخطة لكنه احتج: "كنت أحلم بقصة جيدة عن بعبع". بدأ كتابة كابوسه منذ الفجر وانتهى في ثلاثة أيام من كتابة "الحال الغريبة للدكتور جيكيل ومستر هايد" بمعدل عشرة آلاف كلمة يومياً. قال ان الرواية أفضل أعماله لكن زوجته الأميركية فاني أزبورن رأتها "رزمة من الهراء الخالص". كانت أقسى نقاده ونجهل ما إذا عاد كتابتها كما كانت أو أجرى تحسينات أرضت الزوجة التي عثر على رسالة بعثت بها الى صديق للأسرة تكشف فيها سر ولادة الرواية، ويتوقع أن تباع في المزاد بألف وخمسمئة جنيه استرليني. كان الصديق و. اي. هنلي الشاعر ذا الرجل الواحدة الذي استوحاه الشاعر والروائي السكوتلندي في كتابة "جزيرة الكنز". شكا ستيفنسون من قسوة السل الذي أوهن جسمه، وكان يتعافى من نزيف شبه مستمر وموت صديق عزيز. قال انه كتب بفعل الجوع والحاجة الى إعالة اسرته بضع سنوات، وخلصه نجاح الرواية من الدين ومكّنه من العيش بيسر للمرة الأولى في حياته. صراع الخير والشر فيها جعلها موضوعاً للعظات في الكنائس، وفكرتها الغريبة أسرت خيال الاميركيين فنشروها من دون إذن وترجمت الى بضع لغات بالطريقة نفسها. تناول ستيفنسون 1850 - 1894 هنري جيكيل الطبيب المفتون بالجانب القاتم في شخصيته الذي يكتشف عقاراً يحوله الى مستر هايد الشرير. يستخدم الطبيب العقار باستمرار فيضعف تأثيره ويعجز عن العودة الى شخصيته الطيبة فينتحر. القصة أسرت هوليوود التي أنتجتها مراراً وأفرطت في تصوير العنف والجنس اللذين يوحيهما ستيفنسون من دون أن يفصلهما صراحة، والمفارقة ان الكابوس الذي تحول حلماً مزدوج الشخصية مثل بطل الرواية. ترك ستيفنسون بريطانيا الى دفء جزيرة ساموا حيث لقّبه أهلها ب"راوي القصص". توفي فيها عن أربعة وأربعين عاماً، وعثرت زوجته بعد موته على قصيدة لها يمدحها فيها على الهامها له، ويطلب أن تحرق "الصفحة غير الكاملة" إذا شاءت لكنها لم تفعل بالطبع. الأدب عندما يمزح هل يحق لكاتب رصين، وانكليزي أيضاً، ان يمزح في عمل أدبي جدي خصوصاً إذا كان قاموساً؟ مارغريت درابل التي كتبت بجهد دؤوب ألفاً ومئة صفحة في "رفيق اكسفورد الى الأدب الانكليزي" دست شخصية أدبية مزيفة لأنها شاءت المزاح ودفع القارئ الى التدقيق والانتباه. درابل غير مشهورة بحس المرح لديها، وهي تعبس حتى عندما تبتسم، لكن الانكليز يستطيعون مفاجأتنا نحن الطارئين على رغم ثبات اليقين والتوقعات عندنا. في الربيع الماضي تحدثت الروائية البريطانية بيريل بنبريدج عن كاتبة وهمية في مهرجان أدبي تناولت فيها مع زميلين لها خط الكاتبة وترتيبها. في 1994 اخترع الكاتب البريطاني وليم بويد صاحب "رجل طيب في أفريقيا" و"شاطئ برازافيل" شخصية فنان اميركي يتيم ومدمن على الكحول ودعا شخصيات نيويورك الفنية الى حفل توقيع كتابه عنه. في 1996 خصصت "ذي أميركان بووتري ريفيو" قسماً كبيراً "للشاعر الياباني الطليعي ياسوسادا" الذي فقد عائلته في هيروشيما، ووجدت قصائده بعد وفاته. حوت قصيدة من 1925 اشارات الى الغطس في البحر بجهاز التنفس مع ان التعبير يعود الى 1940، وعندما اكتشفت المجلة الخدعة أعلنت انها ضحية "عمل اجرامي". وفي 1987 توجه كاهن انغليكاني الى دار فيراغو المختصة بأدب النساء وطلب نشر قصص لمراهقة باكستانية تدعى رحيلة خان. عندما اكتشف الناشر ان الكاهن هو المؤلف أوقف توزيع النسخ لكن الدار كانت أرسلت نسخة الى جامعة لندنية لا تزال تحتفظ بها. أما الكاهن فتوقف عن اعتماد الحيل الدنيوية الصبيانية ونشر اعماله منذ ذلك الحين باسمه. وفي 1943 ارسل جنديان استراليان قصائد الى مجلة ثقافية رفيعة هي "البطاريق الغاضبة" باسم ارن مالي الذي "قال" في احداها: "من الضروري الادراك / ان الشاعر قد لا يكون موجوداً". رئيس تحرير المجلة أعجب بمالي الى درجة كرّس له معها عدداً كاملاً وعبّر عن روح مرح وخيال غير عاديين عندما اكتشف اللعبة وقال ان عدم وجود الشاعر لا يؤثر على عبقريته. هل نقول لا أم لمَ لا؟ في وجه الرقيب لا شيء جديداً. جيوزيبي فردي أحب الشهرة لكنه كره أن يعرفه الآخرون إلا إذا شاء ذلك، ونفر من الثرثرة لكنه عاش في قريته مع حبيبته المغنية جيوزيبينا حتى الاسم نفسه ولكن مؤنثاً ستريبوني وشكا لأن أهل القرية لاحظوا وحكوا. كان يمكن أن يعيش معها في باريس التي لم تعرفه كأبناء قريته، وكان يمكن ألا يتزوج جيوزيبين لو لم تحتج بقوة خصوصاً عندما بدأ يغازل علناً مغنية أخرى. جون روسيلي يضعه في "حياة فردي" الصادر عن دار كاب في مرتبة باخ وموتسارت وبيتهوفن، لكن لا اجماع على مركزه وثمة حدود لحجمه. هو كبير في القرن التاسع عشر وحده أو في الموسيقى الدرامية لا غير، أو هو مؤلف غير كامل لأعمال كبيرة مثل ريفوليتو وعطيل وفلستاف وعايدة ولا ترافياتا. ولا يكتفي في أعماله بالصوت وحده بل يتطلب مقدرة تمثيلية كبيرة خصوصاً في العملين الأخيرين، ويستخدم موسيقاه في سبيل القضايا التي آمن بها. كان فردي 1813 - 1901 ليبرالياً جمهورياً دعا الى وحدة ايطاليا وقد يكون حرض على الثورة في أعماله الأوبرالية الباكرة. روسيلي ينفي ذلك ويقول ان موسيقاه لم تقابل بحماسة خاصة أو تقلق الرقيب الا بعد فشل تمرد 1848 حين كان فردي في باريس. شهرته كثوري عمّرت فترة قصيرة وتوجت بالاستقلال في 1859، لكن التزامه كان راسخاً على رغم وقوعه بين رقابة غيرت ثلث حجم العمل يوماً وادارة دار أوبرا هددت بمقاضاته اذا لم يقدم العمل على رغم ذلك. روسيلي يصرح بنفوره من شخصية فردي الأنانية الطاغية، لكن كيف لا يعجب به عندما يقول لا للرقابة؟ أثارت جودي فوستر غضب كثيرين عندما أعلنت عن عزمها تحقيق فيلم عن ليني رايفنستال. الممثلة والمخرجة الاميركية ترى الألمانية رائدة السينما النسائية و"احدى اكبر قصص القرن العشرين وعبرة أخلاقية لنا جميعاً" غضب يهود هوليوود وحدهم كاف ليدفع فوستر الى ادانة عمل رايفنستال مع النازيين وتصويرها افلام تبرز التفوق الألماني و"فاشية الجسد" الرياضي الجميل كان "انتصار الارادة" أبرزها وأقوى عمل دعائي ربما حتى الآن. ظهرت رايفنستال في معرض فرانكفورت الأخير بوجهها المجعد المزين لتطلق سيرة "ليني رايفنستال: خمس حيوات". مكنتها روحها المقاتلة من الصمود في وجه الاتهامات بالتعامل مع النازيين والسجن، وجارت مواطنيها اليوم في ادانة الماضي والتنصل منه. في معرض عن فيلمها "أولمبيا" هذه السنة قالت: خلّفنا تركة رهيبة ساهمت أنا فيها وأشعر بالذنب لذلك". في الثامنة والتسعين وتنفي أي علاقة خاصة مع هتلر لكنها اعترفت منذ ستين عاماً انها كان يمكن أن تكون عشيقته لو طلب منها ذلك. بدأت عملها ممثلة خاطبت الوعي الألماني وتوقه الى الجمال والمغزى الروحي في "الضوء الأزرق" الذي أثار اعجاب هتلر. لم تكن معادية لليهود وكان لها أصدقاء بينهم لكنها حققت أفلاماً عن التفوق الألماني عندما تعرض هؤلاء للملاحقة وشهد بعضهم لمصلحتها بعد الحرب مع انها استخدمت بعض المعتقلين اليهود في فيلم "تايفلاند". ارتبطت رايفنستال بالرجال الرياضيين وتزوجت ضابطاً، وسحرت بقبائل النوبة في السودان الذين بدوا المقولة المضادة والمشابهة أيضاً للشعب الآري الأشقر. لكنها لم تصور أصحاب الأجساد القوية الجميلة وحدها، بل التقطت أيضاً مشاهد عائلية ووجوه أطفال وشيوخ. يميل اليهود الى عقاب كل من اشترك في ملاحقتهم واضطهادهم مهما كان عمره، ويخافون تمجيد النازية عند استعادتها اليوم. سيرغي ايزنستاين عمل مع ستالين ولوتشينو فسكونتي مع موسوليني ولم يدفع أي منهما الثمن. ربما كان اليهود أكثر اقناعاً في فتح الحسابات الماضية الى الأبد لو لم تتحول اسرائيل الى جلاد دائم بعدما كان أبناؤها ضحية جاهزة.