في كتابه "المصطلحات السياسية في الإسلام" حاول حسن الترابي ان يقرأ بعض المفردات التي دخلت عالم المسلمين وحياتهم من دون وعي لمضمونها الاجتماعي - الثقافي وتطور دلالاتها السياسية - القانونية. فاللغة برأي الترابي تعبر "عن الحياة السياسية في بيئة ما" وهي تتطور وتتسع في التصريف مع تطور الحياة الثقافية ونموها المستقر أحياناً والمضطرب أحياناً أخرى. ينطلق الترابي في مهمته من واقع بؤس المسلمين "في فقه حياتهم السياسية ومقاصدها ووسائلها ونظمها وعلاقاتها"، مشيراً الى تحول الكلمات "من الدلالة الى واسع المفهوم النظري نحو واقع المفهوم المعهود المحسوس". ويعطي الترابي أمثلة كمفهوم كلمات السلطان، والشورى، والبيعة، والحق، وهي مفردات قديمة أعيد صوغها في ضوء التطورات والتجارب. وهناك مصطلحات قديمة كدار الإسلام أعيد تعريفها في سياق تبدل العلاقات الدولية واستقرارها على توازنات قانونية مختلفة عن السابق. وهناك مصطلحات حديثة مثل الحكم الاتحادي يشار إليها في سياق قراءة مقاربة للفهم الإسلامي. فأهل الفقه والعلوم السياسية ينهضون، برأي الترابي، بدوافع أصيلة أو بعلوم دخيلة "ليتحروا الضبط في المعاني السياسية والدقة في اصطلاح الكلمات، فيحملون الكلمة العامة على اصطلاح سياسي مخصوص، أو يبتدعون تعريفات تناسب معنى حكيماً". والكلمات، بحسب الترابي، عند فقهاء اللغة و الحكمة "لا تترادف معنى وإنما تتنزل في البيئة الى مدى دلالة مشترك لوجوه شتى" مثل الأمة، الحزب، والجمهورية. وهناك كلمات اختلف معناها الحاضر عن الماضي مثل المُلك، والإمارة، والرئاسة. ويشير الترابي الى أن اتساع الحياة العامة بين المسلمين أخذ يخرج المفردات من أصول الدين في وقت بات الفقه السياسي لا يستوعب الجديد بدقة ولا يحيط بالمعاني المقصودة بالاصطلاح. وبسبب ضعف الفقه المعاصر أخذت تروج بعض المفردات من دون تعريف فاحتلت "الوطنية" موقع "العصبية" نظراً لقلة استخدام كلمة "الوطن" سابقاً. وحّلت "الحرية" في مقابل "العبودية"، والإرادة الحرة مكان "المشيئة". ويربط الترابي ضعف اللغة بانحطاط الحياة فحين تضعف الأمة تهب عليها "تيارات من لغات أخرى، من مناطق حضارات أقوى تغزو بضغطها الفائض". وهذا ما حصل للمسلمين حين غزتهم الحضارة الغربية ونزلت عليهم تعابير تختلف عن ما عهدوه من قيم ونظم وعلاقات ووسائل ومصطلحات "تحمل معاني أوضاع أو وسائل وفنون سياسية مما ابتدع أهل الغرب باجتهاداتهم وتجاربهم المتقدمة". ويتخوف الترابي من عدم السيطرة على لغتنا بسبب ما تحمله "اللغة المنقولة" من سياسات ثقافية غازية، حتى لو تم تعريف المفرد الجديد وربطه بجذر عربي "صائب الدلالة" فيدخل موسوعة الثقافة السياسية بأصل معناه أو "مثقلاً بمعنى إضافي محمول". وأحياناً يأتي التعريب، بحسب الترابي، "من بؤس فقه المعاني وسوء تصريف العربية بلفظ عربي نسيت دلالاته التاريخية"، ومثال ذلك مصطلح "الدولة". وأحياناً تدخل الكلمة بلفظها الأعجمي "فتشيع الكلمة بين الناطقين بالعربية وتأخذ مكانها على لسانهم وتندرج بمثل مفهومها بين أهلها الأولين بأصولها وظلالها" مثل كلمة "قانون". وأحياناً أخرى يضطر المترجمون اختيار مصطلحات تذكر بالأصول الدينية واللغوية مثل نقل معنى السيادة للشعب والدستور الى عبارة الحاكمية لله والشريعة أو تعريب العلمانية مع إخفاء المقصود بعالم الدنيا من دون "عالم الغيب". وعلى أساس هذه المقدمة البالغة الأهمية طرح الترابي مشروعه التأصيلي اللغوي وقدم 20 كلمة كنماذج محددة عن فكرته العامة، واختار المصطلحات الآتية وهي: الحياة العامة، السياسة، الحكم، السيادة، المُلك، السلطان، الإمارة، الإمامة، الخلافة، الدولة، الأمة، الشعب، الدين والسياسة، الشريعة وأصول الأحكام والفقه السلطاني، الحرية والحرمات والواجبات الأساسية، التوالي والتحزب وقوى المجتمع، الشورى والإجماع والعرف والرأي العام، العهد والعقد السياسي، نظم الدولة ومداها، الإصلاح للأمر العام. وشرح الترابي كلماته المختارة في 83 صفحة من القطع الصغير وصدرت في كتيب عن دار الساقي بيروت، لندن 2000 وجاءت في سياقها العام مخيبة وأقل من مستوى مقدمته الواعدة. فالكتاب على أهمية موضوعه صيغ بأسلوب اقرب الى الارتجال في وقت وضع القارئ في فضاء من الأحلام.