من العلوم الدقيقة التي يجهلها الكثير من الناس اليوم علم المصطلحات، ومن نوازلها المواضعة في الاصطلاح على خلاف الشريعة وأفصح اللُغى، ولا نعلم كتاباً ألف في كشف هذه المداخلة وصد تلك المحاولة - في خلط المصطلحات الأصيلة بغيرها - في هذه النازلة من وجهة الشريعة الخالدة سوى بحث فضيلة الشيخ الدكتور بكر أبو زيد - رحمه الله – الذي طبع ضمن فقه النوازل عبر سبعة عشر مبحثاً في قرابة المائة صفحة، ومن أشهر المراجع في هذا الموضوع المعني بشرح لغة التشريع وإعطاء دراسة عنها كتاب الزينة للرازي المتوفى سنة 322ه. ولهذا الفن ألقاباً متعددة منها الشرعيات حيث ترى كثيراً لدى علماء الشريعة في تعريف ألفاظها قولهم: وهو ((شرعاً)) أي في معناه الشرعي وهو إخراج للشيء عن المعنى اللغوي إلى الحقيقة الشرعية، وهي ما تلقى معناها عن الشارع، وإن لم يتلق عن الشارع: سمي اصطلاحاً، وعرفاً. وقد غلط جمع من المتأخرين في عدم الاعتداد بهذا التفريق. والذي يتعين هو: التزامه فيما ورد به النص من كتاب أو سنة فيقال فيه: تعريفه ((شرعاً)) ولا يقال: ((اصطلاحاً))، لأن الاصطلاح والمواضعة عليه إنما تكون من جماعة، فالقول مثلاً في لفظ الصلاة تعريفها اصطلاحاً: هو كذا وكذا. اطلاق فاسد لغة وشرعاً. وإنما يقال: ((تعريفها شرعاً)). ويسمى هذا الفن في لغة الفرنجة ((سيماسيولوجيا)) أو ((سيمانتكس)). وسيما: بمعنى الإشارة والرمز. وقد قال العلماء ((لا مشاحة في الاصطلاح)) والمشاحة: الضنة. وقاعدة الباب هنا ليست على عمومها، فلا مشاحة في الاصطلاح ما لم يخالف اللغة والشرع، وإلا فالحجر والمنع. ولهذا قال ابن القيم - رحمه الله - في مدارج السالكين 3/306: ((والاصطلاحات لا مشاحة فيها إذا لم تتضمن مفسدة)). وحقيقة الاصطلاح: لغة واصطلاحاً، تواردت فيه الحقيقتان: اللغوية والاصطلاحية، فهو لغة: مصدر اصطلح. وحقيقته ((اتفاق طائفة مخصوصة على شيء مخصوص)) كما في المعجم الوسيط 1/522. وهو: ((اللفظ المختار للدلالة على شيء معلوم ليتميز به عما سواه)). ثم ليعلم أن من هذه الألفاظ الاصطلاحية ما لا تثبت دلالته على وتيرة واحدة، بل يعتريها الاستبدال والسعة والضيق بحيث تتسع مدلولاتها أو تضيق، وتختص بمعنى ما - لكن هذا التغير في نطاق مقاييس اللغة والشرع -. وهذا التطور أيضاً في الألفاظ المتلقاة بنص من الشارع غير وارد. ولهذا حصل التفريق في ألقابها فيقال فيما ورد به نص (حقيقته الشرعية) ولا يقال (حقيقته الاصطلاحية). ومن ذلك لفظ "الاختلاط" بكونه مفرداً لا مركباً، وهو ما لا يعرف كمصطلح علمي - لا سرد لفظي لا يأخذ وصف المصطلح - إلا في السوائل، والحيوان، وعلم الرجال، أما في المباحث الفقهية لا تجده إلا في كتاب الزكاة. والمقصود غرابته كمصطلح فيما سيق له، وكتب المعاجم الفقهية ومصطلحاتها تؤكد تسلله إلى قاموسنا الفقهي الاصطلاحي، والأغرب منه التهافت عليه مع اضطراب مدلوله على ما أعطي من حكم عام هو التحريم المطلق، في حين أن الأحكام الفقهية الخمسة ترد عليه. فهذه الكلمة المفردة دخيلة على المصطلح العلمي فقهاً حيث لا يتولد المصطلح إلا من كثرة دورانه في نصوص الشريعة كما هو في كلمة الخلوة عكس الاختلاط الذي لا يكثر دورانه إلا في مصطلحات المحدثين عند اختلاط الرجل في عقله وعلمه فتأتي عبارة "عنده خلط اختلاط اختلط بأَخَرَةٍ الخ .."، وشاهد هذا أن الخلوة مثلاً يُعقد لها التعريف لغة وشرعاً واصطلاحاً، بخلاف الاختلاط. والله الموفق وهو من وراء القصد.