بعد ساعة ونصف ساعة من المماطلة في الاعلان "رسميا" عن "التفاهم" الذي توصل اليه الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ووزير التعاون الاقليمي الاسرائيلي شمعون بيريز فجر أمس الخميس بشأن وقف الاشتباكات وسحب القوات الاسرائيلية التي تحاصر المدن والقرى الفلسطينية، انفجرت سيارة مفخخة قرب سوق "محنى يهودا" في وسط القدس الغربية. واشارت المعلومات الاولية الى مقتل اسرائيليين واصابة 11 بجروح معظمها بسيطة. وافادت مصادر في الشرطة الاسرائيلية ان احدى الضحيتين هي ابنة زعيم الحزب الوطني الديني الذي يمثل المستوطنين اسحق ليفي الوزير السابق في حكومة باراك. وذكرت مصادر في الشرطة الاسرائيلية ان السيارة كانت متوقفة لفترة طويلة في المكان الذي انفجرت فيه وان أفراد الشرطة الذين يحررون مخالفات للتوقف غير القانوني حرروا مخالفة ضدها. وسارع نائب وزير الدفاع الاسرائيلي افرايم سنيه الى تحميل السلطة الفلسطينية مسؤولية الحادث، الا انه قال ان "التفاهم" "ما زال قائما"، فيما طالب رئيس الحكومة الاسرائيلية ايهود باراك عرفات "باعادة اعتقال اعضاء حركة حماس والجهاد الاسلامي الذين اطلق سراحهم اخيرا". وفي "الوقت الضائع" الذي انتظرت فيه وسائل الاعلام والفلسطينيون والاسرائيليون كلمتين كانا مقرراً ان يلقيهما عرفات وباراك عبر الاذاعة والتلفزيون، قتلت القوات الاسرائيلية في قريتي حزما والخضر شابين فلسطينيين واستشهد الشاب عدلي عبيد 23 عاماً متأثراً بجروح اصيب بها اول من امس عند حاجز المنطار كارني شرق مدينة غزة فيما اصيب اكثر من30 فلسطينيا بجروح مختلفة خلال المواجهات التي شهدتها الاراضي الفلسطينية التي احيت ذكرى مرور83 عاما على اصدار وعد بلفور المشؤوم الذي وعدت فيه بريطانيا اليهود بمساعدتهم في اقامة "وطن قومي" لهم في فلسطين. وذكرت مصادر اسرائيلية في المساء ان اطلاق النار على مستوطنة غيلو القريبة من بلدة بيت جالا الفلسطينية قد استؤنف. "التفاهم" وكان بيريز اول المتحدثين عن فحوى التفاهم الذي توصل اليه مع عرفات اذ اشار في تصريحات صحافية الى ان الجانبين وضعا "جدولا زمنيا لانهاء اعمال العنف والمباشرة بتطبيع العلاقات". وقال: "بمقتضى هذا الاتفاق حول وقف العنف، واذا لم يطرأ خلال يومين اي اطلاق نار واي تشييع، فان وضعا جديدا سينشأ يساعدنا على بحث تطبيع العلاقات ورفع الحصار وحرية التحرك في الاراضي الفلسطينية ومعاودة مفاوضات السلام". واضاف بيريز في تصريحات لاحقة للتلفزيون الاسرائيلي ان عرفات اعرب عن غضبه الشديد من العدد الكبير من القتلى والجرحى الفلسطينيين على يد القوات الاسرائيلية، خصوصا ان هؤلاء من الاطفال. وأعلن وزير التعاون والتخطيط الدولي نبيل شعث الذي شارك في الاجتماع ان بيريز ابلغ الجانب الفلسطيني بموافقة باراك على الاتفاق "وهو سحب القوات الاسرائيلية فورا والدبابات وانهاء كل مظاهر الحصار وفتح الطرق والممرات والمعابر والمطار والقبول بلجنة تحقيق فورا". واضاف شعث انه سيصدر في الساعة الثانية من بعد ظهر امس بيانان من عرفات وباراك يدعوان فيهما الى الهدوء والعودة الى عملية السلام على اهداف واضحة ستبحث خلال اليومين المقبلين" الا ان الموعد المضروب لم ينفذ. وتوالت التصريحات الفلسطينية منذ صباح امس في شأن التفاهم بين عرفات وبيريز والذي حرره خطيا رئيس مكتب باراك غلعاد شير. وأكد نبيل أبو ردينة مستشار الرئيس الفلسطينيعرفات ان التفاهم الذي تم التوصل اليه يقوم على "قاعدة وقف العدوان الاسرائيلي وتطبيق تفاهمات شرم الشيخ وسحب قوات الاحتلال وتنفيذ الشرعية الدولية". وأكد الامين العام للرئاسة الفلسطينية الطيب عبدالرحيم ان التفاهم "نص على ان تسحب اسرائيل دباباتها وترفع الحصار والاغلاق و ان يتوقف اطلاق النار ويجري العمل على تهدئة الاوضاع امس الخميس وتم التفاهم ايضا على سرعة تشكيل لجنة تقصي الحقائق" التي نصت عليها تفاهمات شرم الشيخ. وأكد وزير الشؤون البرلمانية في السلطة الفلسطينية نبيل عمرو ان الجانبين اتفقا على تسريع تشكيل لجنة التحقيق التي يرغب الفلسطينيون ان تضم في عضويتها الزعيم نلسون مانديلا وخافيير سولانا من طرف الاتحاد الاوروبي بالاضافة الى الامين العام للامم المتحدة كوفي انان وورن كريستوفر وزير الخارجية الاميركي السابق. وأكد ان السلطة الفلسطينية بصدد الاعلان رسميا عن التفاهم الا ان التأخير يعود "لاسباب فنية". وقال ل"الحياة" في اعقاب اجتماع للقيادة الفلسطينية في غزة أن التأخير جاء بسبب عدم وجود جميع اعضاء القيادة الفلسطينية في غزة التي ستجتمع بكافة هيئتها في الساعة السادسة لاقرار هذه المسألة. وقالت مصادر فلسطينية ل"الحياة" مساء امس ان الرئيس الفلسطيني يعتزم مخاطبة شعبه بشأن التفاهم الا ان ثمة عقبات تعترض الصيغة المشتركة التي يفترض ان يلتزمها كل من عرفات وباراك. وفي رده على سؤال عن التطورات التي ادت الى التوصل الى اتفاق، أوضح عمرو أن الجانب الفلسطيني ابلغ الاسرائيليين ان السلطة نفذت تفاهمات شرم الشيخ لمدة 48 ساعة وان الاسرائيليين هم الذين لم يلتزموا بالتنفيذ وان بيريز ابلغ الرئيس الفلسطيني ان جانبه على استعداد لتنفيذ ما اتفق عليه واعلنه الرئيس الاميركي بيل كلينتون في بيان شرم الشيخ. وكان باراك قد اجرى اتصالا هاتفيا مع عرفات بعد ظهر امس -قبل حادث الانفجار- "ركز فيه على الاهمية البالغة لفصل الشرطة الفلسطينية بين المحتجين والقوات الاسرائيلية واعرب عن اسفه لوفاة الشاب الفلسطيني في ساعة مبكرة من اليوم ذاته"، حسب مصدر من مكتب باراك. وفي ساعات الصباح، بدأت الدبابات الاسرائيلية بالانسحاب من مداخل المدن الفلسطينية باستثناء قلقيلية وابقت على دبابة واحدة على مرمى انظار الفلسطينيين بالقرب من مدينة البيرة. وافاد شهود عيان فلسطينيون ان الدبابات انسحبت بضعة أمتار فقط وأدخلت الى معسكرات الجيش الاسرائيلي القريبة. واعلن مكتب باراك "تجميد اجراءات الرد التي ناقشتها الحكومة" الاسرائيلية والتي قالت مصادر اسرائيلية انها كانت شملت تدمير احياء في الخليل والبيرة. الا ان الجنود الاسرائيليين بادروا الى اطلاق النار باتجاه مجموعة من المتظاهرين في بلدة حزما القريبة من القدس وقتلوا الشاب خالد الخطيب 17 عاما وتصدوا لمسيرة جماهيرية شاركت في تشييع جثمانه في مدينة البيرة، فيما اصيب 17 فلسطينيا خلال مواجهات جرت بالقرب من قرية حوسان في منطقة بيت لحم وغزة على محور التماس مع مستوطنة "كفار داروم" اليهودية، وقتلت القوات الاسرائيلية في ساعات ما بعد الظهر الشاب يزن حلايقة 19 عاما خلال المواجهات التي اعقبت تشييع جثماني الشابين اللذين قتلا في قرية الخضر خلال القصف الجوي والمدفعي الاسرائيلي المركز الليلة قبل الماضية. وبرز الخلاف في شأن "التفاهم" الذي تم التوصل اليه بين عرفات وبيريز فجر الخميس في البيانين المنفصلين اللذين صدرا عن وزارة الاعلام الفلسطينية ومكتب باراك. وفي الوقت الذي اشار فيه الوزير ياسر عبدربه في بيانه الى "اتفاق الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي على وقف المواجهات المسلحة والعنيفة وسحب قوات الجيش الاسرائيلي من محيط المدن الفلسطينية وابوابها والتجمعات السكنية على ان يبدأ تنفيذ ذلك صباح الخميس وان يتبع هذه الخطوات الغاء جميع اجراءات الحصار والتطويق"، رأى البيان الصادر عن مكتب باراك أن "التفاهم" كان على اساس "تفاهم شرم الشيخ الذي من المفترض ان يعيد التعاون الامني ويوقف اعمال العنف والتحريض". وفي الوقت الذي اكد فيه نائب وزير الدفاع الاسرائيلي افرايم سنيه أن التفاهم بين عرفات وبيريز، والذي اقرته الحكومة الاسرائيلية، "لا يأتي من منطلق ضعف بل ان اسرائيل قوية ولم تستنفد سوى جزء من قوتها"، اعربت مصادر اسرائيلية عن قلقها من ان تتحول الاراضي الفلسطينية الى "جنوبلبنان ثان" بعدما قتل خلال الايام الماضية ثمانية جنود داخل الاراضي الفلسطينية. واشارت المصادر ذاتها ان الفلسطينيين يستخدمون اساليب مشابهة لاساليب القتال التي اتبعها حزب الله اللبناني ضد الجنود الاسرائيليين. وبدا ان هذا هو السبب المباشر وراء سعي بيريز، خصوصا بعد مقتل ضابط وجنديين اسرائيليين مساء الاربعاء، الى لقاء عرفات والموافقة على تنفيذ اتفاق شرم الشيخ والمبادرة منذ ساعات الصباح الاولى الى سحب الدبابات، وهو الامر الذي رفض باراك تنفيذه غداة اعلان الرئيس الاميركي بيل كلينتون التفاهمات التي وردت فيه. البيان الفلسطيني واصدرت القيادة الفلسطينية بيانا جاء فيه: "التفاهم بين السلطة الفلسطينية والحكومة الاسرائيلية يقضي ببذل قصارى جهدهما لتطبيق تفاهمات شرم الشيخ كما وردت في بيان الرئيس كلينتون وخطاب الرئيس المصري حسني مبارك. ان القيادة الفلسطينية التي اثبتت دوما حرصها على تنفيذ الالتزامات المتبادلة تراقب بدقة مدى قيام الجانب الاسرائيلي بتنفيذ ما يترتب عليه من سحب قوات الاحتلال وقطاعاتها الاحتلالية من المناطق والمدن والتجمعات السكنية التي تم احتلالها والتعدي عليها بعد الثامن والعشرين من شهر ايلول سبتمبر ووقف الاعتداءات ضد ابناء شعبنا العزل وانهاء كافة اشكال الحصار والتضييق. كما ان القيادة الفلسطينية ترى ان قيام الحكومة الاسرائيلية بردع ولجم قطعان المستوطنين الذين يرتكبون جرائمهم المتواصلة ضد ابناء شعبنا هو عنصر أساسي لوقف الاعتداءات والعنف والارهاب الذي يتعرض لها شعبنا. ان القيادة الفلسطينية التي حرصت دوما على الطابع السلمي والشعبي لطابع الانتفاضة ومارست ضبط النفس طوال المرحلة الماضية في وجه الاعتداءات المستمرة تدعو جماهير شعبنا المكافحة وقواه الوطنية الى الحرص على وحدة موقفها والاستمرار بمظاهر التعبير الشعبية والتمسك بالوسائل السلمية في جميع التحركات واشكال العمل الوطني تأكيدا على اصرار شعبنا على انجاز حقوقه المشروعة وتطبيق قرارات الشرعية الدولية والتوصل الى سلام عادل وشامل. ان تحقيق سلام الشجعان الذي يوفر السلام والامن والعدل لجميع شعوب المنطقة يتطلب تأكيد الالتزام بالعمل بقرارات الشرعية الدولية والتي تنص على تنفيذ القرارات 242 و338 و 194 والانسحاب التام الى حدود الرابع من حزيران يونيو وحق العودة للاجئين الفلسطينيين واقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف".