السينما حدث المغرب. فقد أعلن الشهر الفائت انطلاقة مبكرة للموسم السينمائي بمهرجان خريبكة للسينما الأفريقية. وفيما كان المهرجان يودع ضيوفه والمشاركين فيه: والصحافة والنقد السينمائي ما زالا مهتمين بتقييم حصيلته واستعادة النقاش حول تجارب وموضوعات العالم الثالث في السينما في ضوء الأفلام المشاركة، العربية والأفريقية، والطرائق الفنية التي اتبعتها نماذج الأفلام المشاركة... حتى تذكر النقاد المغاربة تاريخ الممارسة في لحظة أريد بها أن تكون علامة اهتمام بالفن السابع" وتسمت في اليوم الوطني للسينما، ذكرهم بأوضاع واهتمامات ومشكلات الانتاج السينمائي التي اختارها البعض لتكون اللقطة الممثلة لهم في المهرجانات والمناسبات" وحتى في الشاشة الصغيرة" بعدما عز عليهم - الى وقت قريب يعود الى بداية التسعينات - فرض أشرطتهم في قاعات العرض العمومية... المحتفلة بكل ألوان الصناعة السينمائية العالمية. ولعلها ذات المناسبة التي اختارها النقاد السينمائيون لتجديد لقائهم وتدارس أوضاع النقد السينمائي في المغرب" ومراجعة بعض الأسئلة كمحدودية الإقبال على الشريط المغربي في المغرب ذاته وانحسار تأثيره الفني" كما نظرت في الحدود التي تجعل انتاجه دون تطلع الجمهور أولاً" وباهت الحضور في الملتقيات العربية والدولية للسينما. كما كانت المناسبة ذاتها التي اختارها المخرج نبيل عيوش ليطلق شريطه الجديد الذي شكل الحدث الأبرز في بداية الموسم السينمائي" وكان اختار له عنوان "علي زاوا"... الى ذلك كانت أعلنت في الرباط جائزة الأطلس للكتاب" وهي جائزة أطلقت في بدايتها لدعم الكتابة والنشر بالفرنسية في المغرب، قبل أن يبادر المشرفون عليها هذه السنة الى إحداث جائزة الترجمة للعناية بالكتابات العربية المرشحة للانتقال الى اللغة الفرنسية. والحال ان اعلان أطلس للترجمة مبادرة تسمح بالخروج من الإطار الضيق الذي حشرت فيه أول الأمر في الوقوف عند الكتاب الصادر باللغة الفرنسية فقط، والانتقال الى تجسير العلاقة بالكتاب المغربي المعد أصلاً باللغة العربية" في اعتبارها أوسع قناة للتواصل الثقافي في المغرب على الأقل في المستوى الكمي... ومن ثمة تمكين الجائزة من بعدها المشترك الفرنسي المغربي... وقد شارك في الاختيار شعراء وكتّاب من المغرب وفرنسا ولبنان من بينهم عبداللطيف اللعبي وأمين معلوف... توافقوا على اختيار أعمال ابداعية يجمع بينها الاهتمام باللغة والاحتفاء بحالات علاقة الذوات بها، وتعبيرها عن ذوات الكتاب. فسالم حميش جعل من المتن اللغوي لروايته "العلامة" مصهراً لسجلات لسانية هيأها من الذخيرة التراثية ومن لغة المتصوفة" كما من متداول الدارجة المغربية... أما الشاعر محمد بنيس" وبغض النظر عما تقوم عليه/ وبه مجموعته "نهر بين جنازتين" من بحث عن وضع للذات الشعرية، به تتمكن من الانصات الى مصيرها والى ما يتهددها بالموت" فإنه يعتبر المجموعة ذاتها نشيداً في حداد اللغة العربية التي أصبحت أكثر من أي وقت مضى مهددة في صميم وجودها لعجز العرب على استعادة مكانة للغتهم تمكنهم من تسمية أحداث العالم والمشاركة فيه. والشعر الذي تهاوت دعائم خيمته من جانب اللغة ذاتها" لفقر علاقتهم بمتنها الغني. غير انه تجب الإشارة الى انه على رغم انعدام المفاجأة في اعلان الجائزة ذاتها في المغرب" فقد كان غير ذلك في تخصيص الأسماء الفائزة بدورتها الأولى. فقد كان لافتاً ان حصل عليها الروائي سالم حميش والشاعر محمد بنيس وهما من أشد الكتّاب المغاربة الرافضين لاستغلال اللغة الفرنسية في نزعة الهيمنة الثقافية الممارسة بإسم الفرنكفونية، والداعين الى استعادة اللغة العربية لحضورها وفاعليتها في الحياة والثقافة المغربية الحديثة. بل ها هو سالم حميش نفسه يشارك في ندوة وطنية أقيمت في مدينة المحمدية أياماً قليلة 14/15 تشرين الأول/أكتوبر الماضي بعد نيله الجائزة لمناقشة الظاهرة الفرنكفونية مع جهات وشخصيات وطنية خرجت بتقرير وتوصيات ترى في الفرنكفونية اليوم "أكثر من أي وقت مضى مثار قلق واستفزاز حادين للمشاعر الوطنية، وذلك بفعل هيمنة الظاهرة المذكورة على المجالات الحيوية للبلاد، نحو الإدارة والاقتصاد والتعليم والإعلام والفنون السينما والمسرح خاصة وغيرها. الأمر الذي يفرض على القوى الوطنية بمختلف تنظيماتها، المبادرة بأنجع الطرق العملية الى التصدي للغزو الفرنكفوني... من دون أن يعني ذلك معاداة تعلم الفرنسية أو غيرها من اللغات الأجنبية". وفي مقام آخر مثل الأحتفال باليوم الوطني الرابع للسينما في المغرب 16/10 وقفة ضرورية لتأمل تاريخ الإنتاج المغربي، بالخصوص في ظل مؤسسة "صندوق دعم الانتاج السينمائي" التي ساهمت منذ انشائها سنة 1980 في تبني جل الأفلام الوطنية المنتجة محلياً. حيث بلغ عدد الأفلام المدعمة منها 58 شريطاً مطولاً و38 شريطاً قصيراً... تلقت في مجموعها حوالى 105 مليون درهم 19 مليون دولار أي بمعدل 5 ملايين درهم كل سنة على رغم العراقيل التي واجهها الصندوق من ضعف التمويل والمعايير التي كان يعتمدها لاختيار الأفلام القابلة للإنتاج والدعم الوطني... والحال ان صناعة السينما في المغرب تحتاج وبقوة الى تغييرات جوهرية في علاقاتها المؤسسية وفي استفادتها من التقنية الحديثة والرقمية في الإنتاج وفي إعداد الصورة والصوت بالخصوص. فقد أدى غياب استراتيجية لتأهيل الموارد البشرية في هذا المجال ان استمرت السينما المغربية متكلة على الخبرة الأجنبية ومن الفنيين الفرنسيين بالأساس تنتقل أهم الأفلام المغربية بعد التصوير الى المراكز الفرنسية لاستكمال اخراجها التقني. وفي الخزانة المغربية أفلام مهمة تعود الى السبعينات وبداية الثمانينات لم يتجاوز غلاف انتاجها المالي 20 مليون درهم 20 ألف دولار كشريط حميد بناني "وشم" 1969، الحائز على فضية البندقية سنة 1970، وعبدالرحمن الناري الذي اشتغل ب35 مليون درهم 35 ألف دولار في بداية الثمانينات قبل أن ينتقل للعمل هذه السنة على قصة مستوحاة من رواية مغربية لأحمد التوفيق "جارات أبي موسى" بموازنة تقدر ب360 مليون دولار. 360 ألف دولار. على مستوى الإنتاج شكل الشريط الثاني لنبيل عيوش بعد مكتوب 1998 الذي استعاد بواقعية القصة الفظيعة لرجل الأمن المغربي الذي اغتصب وصور عدداً كبيراً من الفتيات في الدار البيضاء سنوات خلت... "علي زاوا" 90 دقيقة علامة بارزة لدخول الموسم السينمائي الجديد. يتناول قصة مجموعة أطفال مشردين يعيشون في أحد الأحياء الفقيرة لمدينة الدار البيضاء. مفاجأة الفيلم لا تعود الى موضوعه ولا الى طريقته في البناء، بل الى مغامرة نبيل عيوش في تبني أربعة أطفال مشردين كممثلين - أبطال الفيلم. يخضعون لاستغلال رئيسهم الملقب ب"الذيب" قام بالدور الممثل سعيد نغماوي المقيم في فرنسا الذي يسوم كل خارج عن سلطته سوء العذاب والتنكيل كما حدث للأربعة بعدما تحدوه وحاولوا التمرد عليه... يقوم الشريط على نقل الواقع الى المشهد الفيلمي لتبدو القصة المتخيلة قتل الطفل واخفاء جثته في الميناء جزءاً من ممكن الواقع المغربي... بذلك التبس الاحساس بالمأساة المجتمعية في الشريط باستثارة موفقة لأشكال العنف الذي سببته مؤسسات المجتمع ونظرة الناس الى هذه الفئة بما ضاعف من تهميش أفرادها وإقصائهم" في الوقت الذي تختلف فيهم ذوات هؤلاء المشردين من حيث قدراتهم وجرأتهم وعواطفهم الإنسانية عن مظهرهم البئيس... ولعل مشاركتهم نبيل عيوش معالجته لموضوع الفيلم، دليل آخر على امكاناتهم المعطلة بالإقصاء والحرمان. فالأطفال الأربعة يحلمون بركوب البحر والنزول في جزيرة نائية، هروباً من مجتمع يرفضهم ومن بؤس يجعل أم أحدهم تبيع جسدها يومياً لتغالب حياة الفقر والخصاصة. صداقتهم مع البَحَار في الميناء واحتفاظُ علي زاوا بالبوصلة تجعل حلمَه انسانياً وبسيطاً، لا يتجاوز تمكينه من العودة الى بيته وأسرته فقط. تقنياً اختار نبيل عيوش عري المشاهد من الموسيقى لتخلص فقط لوجوه الأطفال المشردين الموشومة بحدة الأيام وبرودة الشارع الفارغ إلا من الأزبال وبقايا قذارة انسانية... لا تخلو منها لغة الشريط أيضاً. تجسيداً لعنف يتبادله المجتمع: تهميشاً للأطفال، وقصفاً منهم لمثُله. "بعد نهاية التصوير يناير 2000 عاد الأطفال المشردون المشاركون في الشريط الى بيوتهم. تخلوا عن الحياة في الشارع" أو طردهم الشارع مرة أخرى. هذه المرة الى المدرسة والى مُحترفات يتعلمون فيها حرفة تُكسبهم.