دأبت على تلبية الدعوات الموجهة لي من جامعات في الولاياتالمتحدة لأشرف على ما يكتبه الطلاب من قصص قصيرة في صفوف ودورات "فن الكتابة" والخوض مع كل طالب وكل عمل له الساعات الطويلة، نقضيها في تفلية القصة، أقف عند أدق التفاصيل، أحلل هذه الشخصية وأقترح حذف تلك. اشير الى الطالب أن يكتفي بمكان ككف اليد بدلاً من الأمكنة الكثيرة التي أنهكت قصته. لو يشطب التفاصيل الزائدة، لو يترك النهاية عند تلك الجملة أو أن يزيد أخرى، أساعده في إزالة الحصى التي تعكر سيل الجدول، ثم، وكأني أمسك بميزان، أقيس درجة خفقان قلبي وتفاعله وأنا أقرأ وأعبّر له عن شغفي أو عدمه بقصته، معطية الأسباب في الحالين، أتحاور معه من أجل أن تكتمل فتحة عينه، أدفعه، أدفعه حتى تصبح قصته بصفاء صوت الأجراس. لكن، أجدني لا أتعرض للأسلوب وللتقنية، أو لكيفية بناء الأساس، لإيماني الشديد أن هذه تخلق أثناء الكتابة، كلون الشعر والبشرة، كما تُخلق الأشجار. هناك المواهب الأكيدة، وهناك عدمها. أفهم جيداً لماذا ينخرط عديم الموهبة في هذه الدورة، لكن ماذا عن الذي يملكها؟ لأن الزمن الذي كان يترعرع فيه من يشجع المواهب قد ولى. لن ترف عين واحدة على ما يحمل الكاتب الناشئ في يده أو تحت ابطه. الكل يسرع، والذي لا يسرع يعيش في احباط يمنعه من التلذذ والتمعن في القراءة، عدا أن صبره غادره فليس من وقت كاف للاطلاع على هذه المخطوطة أو تلك... الوقت هو المال. وكما لا يسمع جيداً المشكلات النفسية سوى الطبيب... كذلك لن يقرأ بجدية إلا من نال مكافأة مالية. واذا سئلت شخصياً عن سُبل التطور في الكتابة أجيب: الانصات الى صوت الكاتب الداخلي، والممارسة، والصبر، وقراءة الغير. وأخيراً فالالتحاق بصفوف أو بدورات "فن الكتابة" هو كالمرآة أمام النفس: أما أن يقلع المرء عن الكتابة واما يزداد هوساً بها وكله يقين، انه أتى الى هذه الحياة حاملاً بين ضلوعه هذا الداء.