قال الكاتب والروائي الفلسطيني حسن حميد ان بدايته كانت قبل عشرين سنة مع النشر، مضيفا انه من يصاب او يستمرء لسع النار يمضي في الرحلة دون اينظر الى الوراء. لقد اصبحت الكتابة بالنسبة اليه المرآة التي تعبر عن القضية.. الهم الذي يعبر عن مشغولية الذات بالامور والمشكلات الاجتماعية، وانطلاق هواجسها وتطلعها للخلاص من شرنقة الفقر في كثير من الاحيان. ولعلها تعد من جهة اخرى خروجا من دائرة المخاوف العالمية الاخرى ومن المأزق الذي يراد لهذه الأمة بحضارتها وتاريخها وثقافتها ان تتقوقع فيه من خلال ابقائها على الهامش. بحيث تصبح الامور الاخرى التي يعمل عليها الغرب هي المثلى. فالحضارة العربيةوالاسلامية هي التي توازي بمنتوجها الفكري والثقافي والأدبي، ما انتجته حضارات كبيرة كالحضارتين اليونانية والرومانية. وعن الكتابات النثرية قال انها واحدة من المصادر الاساسية لمعرفة الواقع العربي الثقافي ويتلخص في قراءة المنتوج الثقافي والابداعي في الرواية والقصة تحديدا. وهذا بالطبع لايعني ازاحة الشعر مشيرا الى ان المنتوج الابداعي بشكل عام هو المصادر الرئيسية لقراءة التاريخ العربي عبر حقبه المتتالية، وذلك لان الأدب كان هو قرن الاستشعار الذي يحدثنا عن الاخطار التي تداهمنا، وكان هو الذات المنفعلة دائما بما يحدث في الواقع العربي، لذلك فالأدب والابداع يعتبران احد المرايا التي تعكس الواقع الثقافي والاقتصادي في الدول العربية. وحول روايته الاخيرة (أنين القصب) والتي جاءت في 500 صفحة قال لقد تناولت فيها ما يسمى بالمشفوه الشعبي المتناقل بين ابناء الشعب الفلسطيني او الأسطاير الفلسفية التي اوجدتها حضارة الانهار من قرى ومدن موجودة على الجانب الغربي من نهر الأردن كما تناولت الرواية التراث الشعبي لهذه القرى والمدن والممالك التي كانت موجودة من حياة ثقافية واقتصادية واجتماعية. وتحدثت الرواية ايضا عن الجمال المكاني وعلاقة الانسان بالمكان وكيف أسس لهذا المكان والعلاقات بين هذه القرى وطقوس الحناء والوشم وعلاقة الانسان بالحيوانات والغابات التي تسبح في نهر الأردن. وفي حديثه الخاص ب(اليوم) قال الروائي الفلسطيني حسن حميد صاحب عدة روايات وأعمال قصصية، إن المناقلة للذات المبدعة بين الأجناس الأدبية، ليس أمرا مستهجنا أو غريبا وذلك لأن التنقل بين الرواية والقصة، هو التنقل بين أحياز معروفة وسيرورات السرد والتنقل من بيت صغير إلى بيت كبير. مشيرا إلى أن الأسباب التي دعتني إلى كتابة الرواية هو شعوري بأن التراجيديا الفلسطينية، لا يمكن أن تعبر عنها القصة بشكل كبير ولذلك انتقلت الى الرواية لأنني شعرت بأن التراجيديا الفلسطينية تحتمل الكثير من الموروث الشفوي الذي أتخوف عليه من الاندثار والضياع بموت أصحابه أو غيابهم أو تراكم الأزمان ولذلك فطبيعة الرواية تحتمل الكثير من التفصيلات التي لا تحتملها القصة القصيرة لأنها أشبه بالطلق الناري. يجب أن يكون الهدف دقيقا والزمن محسوبا بدقة ويجب أن تكون كل الآثار الناتجة من هذا الطلق محسوبة بموازين دقيقة جدا، وذلك لأن القصة القصيرة مرآة صقيلة لا تحتمل ذرة غبار على سطحها، ولذلك فالقاص المتمكن هو الذي ينجح في كتابة القصة وذلك لأنه يعرف مكامن الخطأ فيتلافاها، محاولا ابعاد أي منغصات أو مثبطات فنية في القصة. وأضاف القاص حسن حميد: إن الكتابة للناس لا يجب أن تكون متعالية بحيث تتحدث عن همومهم والتطرق الى واقعهم ومحاولة رسم مستقبلهم بطريقة متفائلة، مشيرا إلى أن أغلب النصوص التي اصيبت بلوثة الغموض والاستعلاء أو ادارة ظهرها لقضايا الناس، كانت تعطي مبررات ممجوجة مثل (الفن للفن) وكل هذه النصوص أو أغلبها سقطت ولم تدخل حتى في التقييم النقدي، ولو دخلت للمثال بأنها شاذة عن المجموع العام للكتابة وكمثال قصص الأدب الفرنسي والروسي، والتي تعالت على الناس وعلى قضاياهم ولم تخدم تطلعاتهم حيدت وبقت في الهامش على الرغم من الدعاية التي روجت لها. فمثلا القصص التي كتبت على شكل هذيانات في فرنسا كانت الكاتبة (كولييت) حيث ان أغلب كتاباتها غامضة وكذلك كثير من مجايليها كتبوا كتابات سريالية، متسائلا أين تلك الكتابات رغم الضجيج الذي حصل فور صدورها؟ مجيبا ربما كانت حالة على هامش سيرة الابداع. ويتابع حميد حسن قائلا اذا كانت بعيدة عن الناس ستظل بعيدة مهما قيض لها من نقاد او دعاية. ويلاحظ في بعض الكتابات مثل أدونيس انه يحاول ان يحيل كتاباته الى بعض الرموز والدلالات الثقافية الا انها تبقى مجرد هرطقات او هلوسات كتاب لاغير!. واكد الروائي حسن حميد ان الحداثة تعني مقدار ما يحمل النص من موضوعة البقاء زمنيا ويبقى هذا النص صالحا على مر الايام، لأن الزمن هو الناقد الاول بل انه الناقد الاكبر للنص الادبي، فاما ان يحفظه ويحتويه او يقذفه بعيدا عنه، فيصبح النص خارج الزمن، الامر الذي يجعله في موات او في حالة غيبوبة على الاقل، مشيرا الى ان القارئ العادي يرغب في ان يرى صورته هو معكوسة داخل النص لا ان يقرأ مجرد هلوسات لاتعنيه شيئا! وفي المقابل يشيد حميد بكتابات زكريا تامر كأنموذج يحتذى به، مشيرا الى انه انتج نصوصا لها صبغة خاصة به لايمكن تقليدها، وقد حاول الكثير من الكتاب الشباب تقليده لكنهم لم يتأثروا به ولم يصلوا لنكهته. مضيفا ان الكاتب عندما يريد التأثر بمذهب ابداعي ما، ان يغوص في تفاصيل هذه المدرسة ويدخل في جذورها لا ان يكتفي بقراءة عابرة له، او التلذذ بقشوره. وتابع قوله ان زكريا تامر اوجد من الكتابة العربية ليس وراءه سوى شخص زكريا نفسه، وان جيل الكتاب الشباب لم يلامسوا أدب التهكم والسخرية الذي ينهجه بحنكة، وربما يعود ذلك للموهبة التي يمتلكها قياسا الى ما وصل اليه، فأسلوبه شديد الخصوصية. ويخلص حسن حميد الى القول نحن لانجد أي كتابات تأثرت به او سارت على طريقته، الأمر الذي يعني نقصا في هذه الكتابات على مستوى الوطن العربي. وحول تجربة الروائي حنا مينة قال انا لا اتحامل عليه، ولا شك انه كاتب مجيد، لكني لم استطع قراءة رواياته الاخيرة، فهي اشبه بالأفلام السينمائية العادية، اذا لم تكن هابطة، مشيرا الى ان حنا مينا من المبدعين، فمن يقرأ الشراع والعاصفة لا يمكنه الا الاشادة بهذه التجربة، وعلى الرغم من ثقافته البسيطة استطاع ان يبني ثقافة خاصة به، كما انه دخل تجارب كتابية كثيرة لكنه أدار ظهره للكثير من القضايا العربية على رأسها قضية فلسطين. وفيما اذا كان حنا مينه متخصصا في كتابات البحر كما يحاول البعض ان يشيع هذا الامر قال ان التخصص في كتابات المدن والأرياف يعتبر محض وهم، لا يوجد شيء في الرواية تخصص في جانب معين، فالرواية عالم فسيح يعبر اليه الكاتب من بواباته المختلفة، وان اعتماد الكاتب على جانب معين يعتبر فشلا في رأيي..! مضيفا ان نجيب محفوظ ايضا ادار ظهره بشكل غير عقلاني للقضية الفلسطينية المؤرقة للعرب، ومن يحقق في التاريخ الادبي سيجد ان محفوظ ومينه كانا في حالة غيبوبة عن مأساة انسانية كبيرة هي مأساة الشعب الفلسطيني، ومن يتابع كتاباتهما فسيجد انهما يعيشان في كوكب آخر، فهما يكتبان عن تطلعات ورغبات شخصية. فحنا مينه يشاهد بطولات الفلسطيني لكنه لم يكتب عنها ابداعا وكذلك نجيب محفوظ. وحول جائزة الملك عبدالله التي سلمت الى مبدعين آخرين بعد ان كان من المفروض ان يستلمها هو، قال وردت انباء من امانة الجائزة ان روايتي التي تقدمت بها اليهم (تعالي نطير أوراق الخريف) قد فازت مسبقا بجائزة سعاد الصباح، وهذا غير صحيح، فهذه المخطوطة التي قدمت لجائزة سعاد الصباح في عام 1990م كانت مخطوطة في 80 صفحة ولا يوجد فيها شيء من الرواية التي تقدمت بها لجائزة الملك عبدالله، وقد سحبت الجائزة بسبب وشايات من كتاب صغار. لقد قامت الامانة بسحب الجائزة العادية، ووزعت على كاتبين مغمورين، وقمت أنا بدوري بتسليم المخطوطة التي فزت بها لدى جائزة سعاد الصباح اليهم، وطالبتهم بمقارنتها مع المخطوطة التي فازت لديهم. واكد حميد حسن انه ليس من المعقول ان يشارك كاتب يحترم نفسه برواية نالت جائزة سابقا، وكل ما قيل محض افتراءات واعتقد ان القضية لها بعد سياسي، فأنا كاتب فلسطيني واعيش في سوريا والجائزة يراد لها ان تعطى لكاتب سوري، وبالمصادفة اكتشفوا ان هذا الكاتب فلسطينيا وليس وسوريا، مضيفا انني على ثقة بان الملك عبدالله سينصفني يوما ما، على الرغم من ان الصغار نجحوا في سحب الجائزة لصالحهم لكن الملك سيعيد الأمور الى نصابها.