مات "الحاج زهير"... فانطوت صفحة من تاريخ الصحافة اللبنانية، ملأها الراحل أدباً ودماثة ومعرفة وعلماً وجرأة، نحواً من نصف قرن. قبل يومين، لم يعد يحتمل آلاماً انتابته، أخفاها عن عائلته، أسابيع. فأسرّ بوجعه الى وحيده، الزميل في أسرة "الحياة" سمير. وكان مستشفى وفحوص طبية وعلاج... لم تنفع كلها، ليهوي الرجل الثمانيني، الذي عاش عز الصحافة في الخمسينات والستينات والسبعينات، وترك فيها بصمات حيث عمل، متسلحاً بسعة اطلاع، وقلم أنيق، ودقة وموضوعية. انسحب من الحياة منتصف ليل الأحد - الاثنين الماضي، ما إن حلّ رمضان، بعدما آثر، منذ سنوات، الابتعاد عن "مهنة المتاعب"، لينصرف عنها الى منزله، وحلقة ضيقة من أصدقاء زمن الوفاء، وذكريات غنية بجلسات المقاهي البيروتية، ضمن ثلة الندامى خصوصاً في "الدولشي فيتا" ثم "دبيبو"، حيث كان يقطف المعلومة، ليزين بها خبراً أو مقالة... وذكريات عن دور عائلته، الليبية الأصل، في تاريخ لبنان. مارس "الحاج زهير"، كما كان يناديه عارفوه، الصحافة منذ العام 1953، وكان عضواً في أول هيئة تحرير في جريدة "الجريدة" ورئيس القسم العربي والدولي فيها، ثم عضو هيئة تحرير جريدة "الكفاح" لصاحبها النقيب رياض طه ورئيس القسم العربي فيها. ترأس القسم العربي والدولي في جريدة "السياسة" لصاحبها رئيس الحكومة السابق الراحل عبدالله اليافي. وساهم في تحرير مجلة "الأسبوع العربي". وكان آخر عهده في الصحافة مقالات في صفحة "الرأي" في جريدة "الشرق الأوسط" بين العامين 1986 و1987. عمل في وزارة الإعلام اللبنانية منذ منتصف الستينات وتولى إدارة "الوكالة الوطنية للأنباء"، وشغل منصب مستشار في الوزارة. ثم عيّن مستشاراً لوزير الداخلية الدكتور صلاح سلمان في إحدى حكومات الرئيس الدكتور سليم الحص في السبعينات. كان عضواً في هيئة اتحاد الكتّاب اللبنانيين، وباحثاً في التراث العربي والإسلامي. أتقن فقه اللغة العربية وآدابها، ومقالاته المنشورة وقصائده غير المنشورة، شاهد على ذلك. وأجاد، إليها، اللغتين الفرنسية والإنكليزية، وله فيهما ترجمات عدة. "الحياة" التي آلمها المصاب، تتقدم من آل السعداوي، خصوصاً من الزميل سمير، بأحر التعازي، راجية أن يتغمد الله الفقيد برحمته الواسعة، ويسكنه جناته الفسيحة.