"... ومن طلب العلى سهر الليالي" قالها المتنبّي وتردّد صداها على مسامع الأجيال من بعده، يحثّها على تحصيل العلم. ومن أصغى منهم إلى هذا القول لم يكن ليتوانى عن الدرس على ضوء القنديل أو الشمعة أو حتى وهج جمر الموقدة. جيلنا نعِم بالكهرباء. فحصّلنا المعرفة في الكتب الورقية تحت ضوء "لمبة أديسون" المتنوّعة الأشكال. ثم جاء الكتاب الإلكتروني ليتيح لنا خياراً آخر، لم يكن متوافراً قبلاً، ألا وهو أن نقرأ في العتمة الدامسة فيما ضوء الرؤية ونور العلم منبعثان من الكتاب نفسه. وهذا الكتاب، الذي يتّسع لطنٍّ من المعلومات في بدنٍ وزنه أقل من كيلوغرام، حمل الكتب والمكتبات ومختلف أنماط التخزين والنشر والتوزيع إلى بُعد جديد. وفي "معرض فرانكفورت للكتاب" الذي أقيم أواسط تشرين الأول أكتوبر الماضي وضمّ 7000 عارض عالمي من 107 دول، أثار الكتاب الإلكتروني جدلاً بات معهوداً مذ نزل هذا الجهاز الصغير إلى الأسواق قبل نحو ثلاث سنوات: هل يلغي الكتاب الإلكتروني الكتاب الورقي؟ الجواب هو كلاّ والكتاب الإلكتروني ليس مطروحاً لإلغاء أي شيء. نقولها هكذا اختصاراً ولئلاّ نقع في جدال عقيم. أما اعتقاد مناوئيه "الورقيين" أن سعره مرتفع وأن قراءة الكتب على شاشة تؤذي العينين، فيقابله على أرض الواقع استمرار في تدنّي سعر الكتاب الإلكتروني من 500 دولار العام الماضي إلى أقل من 300 دولار اليوم، مع استمرار تحسّن صنع الشاشات عموماً، فضلاً عن الدعم الذي يحظى به من شركات كبيرة مايكروسوفت، زيروكس... ومن دور نشر عالمية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن شاشته "المضاءة من الخلف" backlit تُعتبر طفيفة الإضرار وتصلح للاستغراق في القراءة. وبالنسبة إلى حماية الملكية الأدبية وحقوق النشر، باتت المسألة محلولة بمقدار ما تسمح به القوانين النافذة والنُظم التكنولوجية الكفيلة بتطبيقها. فهذه المسألة تقتصر على وسط محصور قابل للضبط. وهي، في أي حال، أقل تعقيداً بكثير من قضايا الملكية الفكرية والرقابة على المحتويات في الإنترنت والتي تُعدّ بطبيعتها عصية على الحل. إذاً، من يستفيد من الكتاب الإلكتروني؟ الجواب في مميزاته، ولكن لنبدأ أولاً بعرض مواصفات نموذجين: الأول أميركي الصنع والثاني فرنسي. جهاز "إي بوك" eBook الجديد بنموذجيه، من صنع شركة "آر سي آي" RCA، جاء ثمرة اندماج مؤسستي النشر "سوفت بوك" و"نوفوميديا" في مجموعة Gemstar eBook. أبعاد الشاشة البلّورية الملوّنة 12 x 7 سم، وتعمل باللمس. الوزن 5،0 - 1 كجم. الذاكرة ما بين 8 و128 ميغابايت تتفاوت سعتها بين 5000 صفحة و130000. البطارية تدوم ما بين 12و40 ساعة، بحسب مقدار سطوع الشاشة. يأتي مع مودم داخلي 6،33 أو 56 كيلوبت في الثانية ولاقط للأشعة ما دون الحمراء ووصلة بالكومبيوتر الشخصي. لمزيد من المعلومات والاطّلاع على الكتب والمحتويات الأخرى المتوافرة لهذا الجهاز: http://www.ebook-gemstar. com. جهاز "سي بوك" Cybook، من صنع شركة "سيتال" Cytale، يتمتّع بغطاء وقاية جلد. أبعاد الشاشة البلّورية الملوّنة 21 x 16 سم، وتعمل باللمس. الوزن 4،0 - 3،1 كجم. السعة 15000 صفحة نصاً وصورة أي نحو 30 كتاباً. البطارية تدوم 5 ساعات ويمكن شحنها أثناء القراءة. يأتي مع مودم داخلي 56 كيلوبت في الثانية ووصلة سمعية ولاقط للأشعة ما دون الحمراء وحوز لبطاقة ذاكرة PCMCIA. لمزيد من المعلومات: http://www.cytale.com. أما مميزات الكتاب الإلكتروني فأهمها السعة الكبيرة القابلة للترقية ببطاقات ذاكرة إضافية، وإمكان تحميله مواد تعدّها بنفسك بواسطة أي برنامج معالجة نصوص تجاري، والمودم للاتصال بالأنترنت يتيح إنزال الكتب والصحف وغيرها من مواد من أصحاب حقوقها، مع إمكان تغييرها بمجرّد تغيير استبدال بطاقة الذاكرة التي تختزن مواد أخرى مختلفة. ويضاف إلى كل ما سبق قاموس لغوي لمساعدة القرّاء على معرفة المعاني، وإمكان تمييز مقاطع النصوص المهمة وتعليم الصفحات للعودة إليها وكتابة الملاحظات والتعليقات على حواشيها بقلم خاص تماماً كما يفعل البعض على الصفحات الورقية، فضلاً عن ميزة تكبير الأحرف لمزيد من الوضوح. وفي مقابل 300 دولار تقريباً، يمكن اقتناء كتاب إلكتروني يتمتّع بكل المواصفات والمزايا المذكورة أعلاه ويتضمّن تشكيلة واسعة من الكتب، مع اشتراكات في مجلات وصحف مختلفة تصل محتوياتها إليه عبر المودم، فضلاً عن ترخيص لدخول دور نشر معيّنة للحصول على مزيد من الكتب. وهكذا نرى أن السعر مناسب جداً قياساً إلى حجم المحتويات ومزايا الخدمات وسهولة جلب المعلومات والمواد وإضافتها. أما سهولة تأليف المحتويات وجمعها وإعدادها لهذه الوسيلة المبتكرة والعملية، فتحضّنا على أن نستطرد قليلاً لنتساءل عن السبب الكامن وراء التأخير في طرح الكتاب الإلكتروني، جهازاً وخدمات، في الأسواق العربية. ومن خلال المحتويات التي يمكن أن يستوعبها الكتاب الإلكتروني على ألا تكون بمجملها مواد سريعة التغيّر نستطيع استخلاص من يفيد منه، فنذكر على سبيل المثال: القضاة والمحامون مراجع قانونية وقضايا ودعاوى" رجال الدين محتويات دينية" الأطبّاء مراجع طبية" التلامذة والطلاب والمربّون مقررات دراسية وتربوية وتثقيفية" فنّيو الصيانة، مندوبو البيع، الموزّعون وتجار الجملة كتب تشغيل وتدريب، كتالوجات... وكل من هو مضطرّ إلى التنقّل بكميات كبيرة من المعلومات. يبقى أن الكتاب الإلكتروني يشكّل مكتبة ضخمة خفيفة الوزن محتوياتها متنوّعة وقابلة للتبديل... في حوزة عشّاق القراءة. مصادر المحتويات كل المؤلفات الأدبية التي سقطت وتلك التي تسقط حقوق نشرها مع مرور الزمن يمكن أن تشكل محتويات للكتاب الإلكتروني، إضافة إلى الأعمال الجديدة المرخّصة والمنشورات الدورية وأنباء الوكالات. ولإعطاء فكرة بسيطة على التقدّم، ولو المتباطئ، الذي يشهده سوق الكتب الإلكترونية، وردنا من "أسوشيتد برس" أن موقع www.amazon.com الشهير باشر، في أواسط الجاري، بيع الكتب الإلكترونية إلى جانب الكتب الورقية. ويتوافر فيه نحو 1000 عنوان، كلها في نسق "قارئة مايكروسوفت" Microsoft Reader، وهو برنامج يشكّل نوعاً آخر من وسائل قراءة الكتب الإلكترونية، غير تلك المذكورة أعلاه. ويُعرف جهاز مايكروسوفت المخصص للقراءة فقط باسم "كمبيوتر الجيب" Pocket PC. ومع أن الكمية ضئيلة مقارنة بمخزون "أمازون" البالغ 28 مليون قطعة من كتب وأشرطة وسلع أخرى، يعتبرها الموقع منطلقه إلى راهن التكنولوجيا والواقع الجديد لتداول المحتويات. ويستطيع الزبائن إنزال الملفات في كمبيوتراتهم الشخصية أو أجهزة أخرى. ومن بين التقديمات التي يمنحها "أمازون" 30 عنواناً مجانياً، بعضها حصري. ويُذكر أن بعض كبار المؤلفين، من أمثال ستيفن كينغ الذي اشتهر كتابه "ركوب الرصاصة" Riding the bullet في أنه أول كتاب يُعدّ منذ البداية للنشر الإلكتروني، باتوا ينتجون المؤلفات أولاً للقارئات الإلكترونية ومن ثم تُنشر على الورق لاحقاً. وسبق أن عقدت شركة مايكروسوفت و موقع أمازون، في أواخر آب أغسطس الماضي، اتفاقاً صنعت بموجبه الأولى نسخة معدّلة عن برنامج القراءة "ريدر" Reader خصصتها للثاني. النسخة مجانية وتتوافر في موقع أمازون وموقع مايكروسوفت http://www.microsoft.com. وتحصل مايكروسوفت على نسبة ضئيلة من مبيع كل كتاب عبر أمازون، وتفرض رسوماً على الناشرين الذين يستخدمون قارئتها. وسبق لدار النشر "بارنز أند نوبل" Barnes andNoble، منافس أمازون في بيع الكتب، أن أقام مخزنه الخاص ببيع الكتب الإلكترونية والذي يحتوي على عناوين كثيرة. زكي محفوض [email protected]