سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
واصلت قصف المدن في الضفة واعتقال ضباط شرطة وناشطين من "فتح". اسرائيل تربط العودة الى المفاوضات ب "وقف العنف" وتعلن نيتها اغتيال عدد من القادة الميدانيين الفلسطينيين
في يوم الجمعة التاسعة منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية لم يدر الفلسطينيون أيصغون الى الانباء عن المحادثة الهاتفية التي جرت بين الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الموجود في موسكو ورئىس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك، أم الى القصف الرهيب والمتواصل الذي أصم سمعهم في بيت لحم ورام الله والبيرة ورفح وخان يونس وطولكرم. الفعل في الميدان كان أقوى من تصريحات المسؤولين الاسرائيليين من سياسيين وعسكريين، وفي كثير من الاحيان سجل تنفيذاً عملياً لها. وعلى رغم ما بثته الاذاعة الاسرائيلية الرسمية عن توصل عرفات وباراك بوساطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الى اتفاق يقضي "باستئناف التنسيق الامني" بين الجانبين وعقد اجتماعات "بين كبار ضباط الاجهزة الامنية" بين الطرفين وفتح مكاتب الارتباط العسكري المغلقة في قطاع غزة لاعادة الهدوء الى المنطقة، شهدت الاراضي الفلسطينية مواجهات حامية استخدمت فيها قوات الاحتلال الاسرائىلي عشرات القذائف المدفعية واسلحة الرشاشات الثقيلة خلال تبادل كثيف لاطلاق النار في هذه المناطق، ما اسفر عن اصابة العشرات من الفلسطينيين برصاص الرشاشات من عيار 500 وشظايا القذائف. ووصفت جروح عدد من الجرحى ومن بينهم فتى في الرابعة عشرة من عمره بأنها خطرة. كما ألحق القصف اضراراً بالغة بالبنايات المحيطة بساحات المواجهات. واشارت المعلومات التي رشحت من اجتماع المجلس الوزاري العسكري والامني الاسرائيلي المصغر، الى ان جنرالات الدولة العبرية قرروا "تخفيض" استخدامهم للقصف الجوي على الاهداف الفلسطينية الى الحد الادنى "لأنه يضر بصورة اسرائيل اعلامياً" واتخاذ "تدابير ميدانية بديلة" تتمثل بعمليات تصفية واغتيال لعدد من قادة الحركات الفلسطينية الميدانيين ومنفذي العمليات العسكرية "ومن ارسلهم"، وتنشيط وحدات "الاعدام" الخاصة التي برز عملها في نهاية الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الاولى. وتابعت اجهزة الامن الاسرائيلية بالفعل عمليات التصفية ضد كوادر حركة "فتح" بعد انفضاض الاجتماع المذكور ضمن سلسة عمليات الاغتيال التي كان آخر ضحاياها أحد قياديي "حماس" ابراهيم بني عودة الذي قتل قرب نابلس اول من امس. وكان اول ضحايا القرارات الاسرائيلية الجديدة امس فراس سباعنة من قرية جنين الذي اصيب بجروح خطيرة جراء اطلاق النار عليه من قبل افراد وحدة اسرائيلية خاصة اثناء وجوده في سيارة كانت تقل شقيقه ايضاً. وأكدت مصادر فلسطينية ل"الحياة" ان سباعنة احد كواد "الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين" في منطقة جنين يصارع الموت فيما وصفت حالة شقيقه بأنها متوسطة. وواصل الاسرائيليون حديثهم العلني وغير المقيد عن بعض قادة "فتح" المرشحين لعمليات التصفية مثل امين سر الحركة في الضفة الغربية مروان البرغوثي. تهدئة قبل رمضان ولم تمنع الاوضاع الميدانية الملتهبة استمرار الجهود الديبلوماسية المكثفة لاحتواء التصعيد العسكري في الاراضي الفلسطينية، فبعد عملية "الخضيرة" التي اعقبها انفجار عبوة ناسفة في قلب احد مكاتب الارتباط العسكري الفلسطيني - الاسرائيلي التي ترمز الى التنسيق الذي أنشأته اتفاقات اوسلو بين الجانبين ومقتل ضابط وجندي اسرائيليين في فرع المكتب في قطاع غزة، وما اعقب ذلك من "اوامر" عسكرية اسرائيلية للفلسطينيين باخلاء كافة مكاتب الارتباط في غزة والضفة، سارع نائب وزير الدفاع الاسرائيلي افرايم سنيه الى لقاء الأمين العام للرئاسة الفلسطينية الطيب عبدالرحيم ووزير الشؤون المدنية جميل الطريفي قرب حاجز بيت ياحون ايريز عند حدود قطاع غزة. وكان الامر الوحيد الذي اعلن الطرفان الاتفاق عليه هو ابقاء مكاتب الارتباط مفتوحة. وتبع ذلك اعلان اسرائيل ان داني ياتوم مستشار باراك للشؤون الامنية والسياسية سيتوجه الى القاهرة للقاء الرئيس المصري حسني مبارك اليوم. وجرت اتصالات قبل توجه الرئيس عرفات الى موسكو وبعده بين موسكووغزة وتل ابيب وواشنطن. واعلنت اسرائيل على الصعيد ذاته انها "لن تعارض تعيين طاقم مساعدين مهنيين" للجنة تقصي الحقائق الدولية ولكن بشرط "تنسيق قواعد عمل اللجنة سلفاً مع الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي". وعلمت "الحياة" من مصادر فلسطينية واسرائيلية أن واشنطن مارست ضغوطا على الطرفين بهدف وقف "العنف" قبل حلول شهر رمضان. وللمرة الاولى منذ بدء المواجهات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي "لمحت" واشنطن لاسرائىل بضرورة "تهدئة اللعب" وعدم اللجوء الى القصف الجوي للمناطق الفلسطينية لاتاحة الفرصة امام استئناف المفاوضات. وقالت المصادر ذاتها ان واشنطن بدأت تدرك مخاطر استمرار تدهور الاوضاع في الاراضي الفلسطينية على المحيط العربي وفي شهر رمضان بالتحديد، وعدم قدرة الزعماء العرب على تجاهل ما يجري، خصوصاً وان زعماء اسرائيل وجهوا اهانة كبيرة للرئيس المصري حسني مبارك بقصفهم الوحشي لقطاع غزة بعد ساعات فقط من اجتماعه مع الرئيس الاسرائيلي السابق عيزر وايزمان الذي رافقه ياتوم الى القاهرة. وعلى هذا الاساس، وخلافاً لما كان متوقعاً ولما هددت اسرائيل بالقيام به، امتنعت الحكومة الاسرائيلية عن قصف مواقع للفلسطينيين بعد عملية "الخضيرة" التي اشارت المصادر الاستخباراتية الاسرائيلية الى ان حركة "حماس" هي التي نفذتها وأعلنت الحركة بالفعل مسؤوليتها عن العملية امس. واكدت مصادر فلسطينية ل"الحياة" ان سنيه وعد برفع الحصار العسكري المشدد المفروض على الاراضي الفلسطينية مع بدء شهر رمضان. وقال الوزير الطريفي ان اسرائيل اكدت نيتها رفع الطوق العسكري على المدن والقرى الفلسطينية في شهر رمضان. وربطت مصادر اسرائيلية تنفيذ ذلك "بوقف عمليات اطلاق النار من قبل الفلسطينيين". غير ان اعلان اسرائيل على لسان باراك نفسه ووزير خارجيته شلومو بن عامي الرغبة في استئناف المفاوضات "بشرط وقف الفلسطينيين العنف" لا يعني في نظر هؤلاء وقف عنف الدولة المنهجي ضد الفلسطينيين للحفاظ على "أمن اسرائيل" حسب اقوالهما. وتمثل هذا الموقف الاسرائيلي في تصريحات سنيه نفسه الذي اعترف في تصريحات صحفية ان ما تقوده الدولة العبرية حالياً هو "المعركة الاخيرة على ارض اسرائيل". وقال الجنرال الاسرائيلي ان المواجهات الحالية "قد تستمر مدة طويلة ... حتى اربعة أشهر. هذه المعركة الاخيرة على ارض اسرائيل، انا اعتقد انه بعد هذه الجولة ستأتي جولة مفاوضات... على كل حال نحن في المرحلة الاخيرة وآمل ان نصل الى جولة المفاوضات المقبلة غير مهزومين ولكن هذه تصبح قضية قدرتنا على الصمود". وفي تلميح الى قائمة "الاهداف" الاسرائيلية قال سنيه ان "عرفات أطلق سراح أربعين مخرباً كبيراً يقومون بتخطيط العمليات". ومن بين هؤلاء كما هو معروف ابراهيم بني عودة الذي اغتالته اسرائيل اول من امس بواسطة "قنبلة ذكية" استهدفت السيارة التي كان يستقلها. واظهرت حملة الاعتقالات الواسعة التي تشنها اسرائيل والتي كان آخرها امس انها تستهدف ضباطاً في الشرطة واجهزة الامن الفلسطينية الاخرى. اذ نصبت القوات الاسرائيلية كميناً لأحد الضباط واعتقلته الى جانب عضوين في حركة "فتح". ويعني استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين في نظر الاسرائيليين استمرارهم في عمليات التصفية والاعتقالات لمن تعتبرهم ناشطين مقابل وقف الانتفاضة الفلسطينية.