قلق السينمائيين السوريين على مؤسستهم، وعلى مستقبل السينما السورية والذي عبّروا عنه في بيانهم قبل ايام، يلتقي - وان من موقع مناقض - مع حديث لرئيس "لجنة صناعة السينما" في سورية المنتج تحسين قوادري ادلى به الى ملحق "الحياة" عند نقطة اتفاق رئيسية: الاقرار بوجود ازمة في "صناعة" السينما السورية، وان اختلف الطرفان بعد ذلك في مفاهيم الحل ووسائله، وفي النظر الى مستقبل هذا الفن وآفاقه. السينمائيون السوريون يوزعون قلقهم باتجاهين: - قوانين رسمية تحدّ من نشاطات مؤسساتهم وتقيدها. - ما يرونه خطراً داهماً يتهدد مؤسستهم العامة، التي يرون انها تتعرض لهجمة من اجل تصفيتها ، وبيعها للقطاع الخاص. والمتأمل في المداخلتين المتعاكستين بيان السينمائيين وحديث قوادري يجد نفسه وجهاً لوجه امام واقع الازمة في السينما السورية، سواء لقلة الانتاج فيلم واحد في العام تقريباً او لقصور الحضور السينمائي في الساحة العربية، وبقائه اسير المهرجانات والتظاهرات الفنية الرسمية بالرغم من السوية الفنية العالية التي حققها بعض الافلام السورية اعمال عبداللطيف عبدالحميد، اسامة محمد ومحمد ملص مثلاً وبالرغم من كمّ الجوائز الملفت الذي ناله عدد من المخرجين السوريين. ويزيد من اهمية طرح التساؤلات عن واقع السينما السورية ما حققته الدراما التلفزيونية السورية من نجاحات فتحت امامها السوق العربية على اتساعها، ولم يعد من الجائز او المقبول الحديث عن فن سوري يصعب تسويقه في الاقطار العربية الاخرى. بل ليصبح السؤال: كيف يمكن تسويق هذا الفن؟ وبكلام ادق فان من يعرف قدرات المسلسل التلفزيوني السوري على اختراق سوق العرض التلفزيوني العربي، يجد نفسه بالضرورة امام سؤال هام: لماذا يتوقف النجاح التجاري عند المسلسل ولا ينسحب على الفيلم السينمائي؟ صحيح ان الحال ليست متماثلة تماما؟ً، حيث ان غول المحطات الفضائية والارضية يفتح شدقيه على اتساعهما بعكس الحال بالنسبة للفيلم السينمائي الذي يواجه هذه الايام ازمة انحسار من الاقبال الجماهيري على دور العرض. لكننا مع ذلك نقدر ان نلحظ مسألة على غاية كبرى من الاهمية، وهي ان المسلسل الدرامي السوري الذي يلقى اقبالاً ورواجاً في هذه الايام في المحطات التلفزيونية العربية هو من انتاجات القطاعين العام والخاص حيث زجّ القطاع الخاص امواله في الانتاج الدرامي التلفزيوني وساهم ويساهم في تقديم اعمال ذات كلفة انتاجية ضخمة نسبياً طبعاً، جنباً الى جنب مع القطاع العام الذي تمثله الهيئة العامة للاذاعة والتلفزيون والتي كان لها دور الريادة في تقديم فن صادق ونظيف، ما لبث ان فرض سويته ومستواه على نتاجات القطاع الخاص في اغلب الاحيان. المسألة في تقديرنا ليست مسألة قطاع عام وآخر خاص، وما يمكن ان ينشأ بينهما من صراع، بل مسألة البحث عن وسائل لزج الفيلم السينمائي السوري في الاسواق العربية من خلال اعادة النظر في القوانين الخاصة بصناعة السينما، ومن خلال تشجيع القطاع الخاص على دخول الانتاج السينمائي واستثمار امواله في حقل السينما وهذه مسألة لا تتحقق الا حين يضمن هذا القطاع الخاص ان افلامه لن تبقى حبيسة العلب. اما القلق الذي عبّر عنه السينمائيون السوريون في بيانهم، فانه - رغم مشروعيته - يقع خارج ارض الملعب الحقيقي، حيث يتوجب ان يبحث الجميع عن وسائل تسويق الفيلم السوري من اجل اعادة خلق صناعة السينما السورية. فالموجود الآن هو افلام لا تملك - رغم جودة اكثريتها - المؤهل لأن نطلق عليها اسم صناعة، اذ تشترط الاخيرة حركة انتاج نامية توظف فيها رؤوس اموال، تعود من خلال دورتها ارباحاً تشجع على مواصلة الانتاج.