في منتصف تشرين الاول 2000 ابلغ باراك لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست انه في مواجهة احتمال اعلان دولة فلسطينية بشكل احادي الجانب، "اذا اصبح واضحاً انه لا يوجد شريك في السلام على الجانب الآخر، سنتوجه الى فصل احادي الجانب". ومما يكتسب اهمية ان الرجل المكلف اعداد خطط طوارىء لهذا الخيار هو افرايم سنيه، الذي يشغل منصب نائب وزير الدفاع، وليس وزيراً مدنياً. كانت حركة "السلام الآن" تتبنى في وقت مضى شعار "دعونا ننفصل بسلام"، لكن القصد في تلك الايام، التي تبدو الآن بعيدة جداً، كان وجود دولتين منفصلتين تعملان معاً بتوافق وانسجام، وليس ترتيباً من طرف واحد تحت رعاية عسكرية - امنية. ويمتاز شعار باراك الحالي "سنكون هنا والفلسطينيون سيكونون هناك" وشعاره الانتخابي "انقلوا قطاع غزة من تل ابيب" بمسحة دعائية جيدة لانهما يعنيان ضمناً ان الفصل الفعلي سيضمن الامن. لكن النتائج الحقيقية المترتبة على ذلك مختلفة تماماً. ويلخص المؤرخ ميرون بنفنيستي الفصل الاحادي الجانب أنه "تعبير ملطّف للعقاب الجماعي". ويتنبأ البروفسور مناحيم كلاين من جامعة بار ايلان، وهو خبير في شؤون القدس، باستمرار وضعٍ في الاراضي المحتلة يماثل سنوات كفاح الجزائريين ضد الحكم الفرنسي، مع احتكاك متصاعد بين الفلسطينيين والمستوطنين الاسرائيليين. ويكتب الصحافي زفي بارل عن "سجن ثلاثة ملايين من البشر في قفص جغرافي". ونظراً لأن خطة الفصل الاحادي الجانب ذات عواقب سلبية، تبذل الاوساط الحكومية جهوداً مضنية للتهوين منها، موضحة أن "عمق الفصل يتوقف على عمق الازمة الامنية". ومع ذلك، لم تكن اي صحيفة تخلو من قصة رئيسية حول هذا الموضوع في نهاية الشهر الماضي. فهو "ليس طلاقاً، وليس نهائياً"، بحسب عنوان رئيسي لصحيفة "يديعوت احرنوت". وفي صحيفة "جيروزالم بوست"، يذهب وزير النقل امنون ليبكين شاهاك ابعد من ذلك، معتبراً انها خطوة فاشلة في الوقت الحاضر. فانطلاقاً من وجود مستوطنين يراوح عددهم من 30 الى 40 الفاً في قلب الضفة الغربية، يعبّر شاهاك عن اعتقاده بأن "الاستيطان الاحادي الجانب هو حماقة. انه ليس سياسة جدية". وتضيف الصحيفة ان "فرص تفكيك حتى المستوطنات المعزولة تقرب من الصفر". وبهذا الشأن نشرت الصحف في اليوم ذاته رسالة مفتوحة الى سكان مستوطنة نتزاريم، اذ توجد 50 عائلة فقط، تطالب بجلائهم عن المستوطنة. كتب الرسالة اسحق فراكنتال بالنيابة عن منظمة "الاباء والامهات الثكالى من اجل السلام"، وجاءت في اعقاب وفاة جندي اسرائيلي آخر في مفترق طرق عند نتزاريم. وتساءل: "لماذا تواصلون العيش في هذا المكان الملعون الذي يكلف مثل هذا العدد من الضحايا؟ ألا تحسون بأي رأفة تجاه الامهات الثكالى؟". المشكلة الاولى التي تتعلق بأي فصل هي انه لا توجد حدود متفق عليها تفصل الاسرائيليين والفلسطينيين. فاستناداً الى قرارات الاممالمتحدة يطالب الفلسطينيون بعودة الى حدود العام 1967، "الخط الاخضر". كان يمكن، وينبغي، لهذه الحدود ان تشكل الخط الفاصل المنطقي بين الاسرائيليين والفلسطينيين، لكنها لا تحل مشكلة ال200 ألف اسرائيلي الذين استوطنوا - بصورة لا شرعية بحسب الأممالمتحدة - عبر خط 1967 "الاخضر" في الضفة الغربية وقطاع غزة، وزيادة عددهم الى الضعف خلال العقد الاخير من السنين. وتفيد تقارير أن الحكومة تدرس بالفعل تغيير أمكنة المستوطنين نظراً لان الضفة الغربيةوغزة، بخلاف القدس ومرتفعات الجولان، لم تُلحق باسرائيل ابداً بشكل رسمي. المنطقة "ج" تشمل المنطقة "ج" التي تخضع لسيطرة اسرائيل 61 في المئة من الضفة الغربية و 20 في المئة من قطاع غزة، بينما تحتفظ اسرائيل بالسيطرة الامنية على 27 في المئة من الضفة الغربية في المنطقة "ب". وقد يكون باراك وافق على التخلي عن 90 في المئة من الضفة الغربية كجزء من اتفاق بشأن الوضع النهائي، لكن فصلاً احادي الجانب من دون اتفاق ينطوي على اعتبارات امنية مختلفة. الى ذلك، حتى اذا كانت اسرائيل ستتخلى عن 90 في المئة من الضفة الغربية، فان "مجموعة" المستوطنات التي يقطنها 80 في المئة من المستوطنين ويقترح باراك ضمها تجثم على 650 كيلومتراً مربعاً من الارض، اي اكثر من عشرة اضعاف مساحة تل ابيب، وهي تضم حوالى 100 ألف من سكان القرى الفلسطينيين. وفي حال اجلاء حوالى عشر مستوطنات معزولة، مثل نتزاريم وكفر داروم في الجنوب وكاديم وغانيم في الشمال، إضافة الى الحي اليهودي في الخليل، ويبدو هذا محتماً إن عاجلاً او آجلاً - لن يكون بالامكان "فصل" المستوطنات ككل عن محيطها، حتى بانشاء المزيد من الطرق الالتفافية. فالمنفذ الى ارييل، على سبيل المثال، يمر عبر طريق محاذية لقرى عربية. وحتى في منطقة متجانسة مثل غوش ايتزايون سيكون من الصعب حماية الطرق التي تربط المستوطنات المختلفة. فالمستوطنات تبطل مفهوم "نحن هنا وانتم هناك"، لانهم "هنا" و "هناك" على السواء. ويمكن للمرء ان يقول ان المستوطنين نجحوا في بناء صرح كبير ومعقد كان يهدف الى ان يشكل عقبة بوجه السلام، وهو الآن يقوم بهذه المهمة تماماً. في حال حدوث فصل احادي الجانب، لماذا سيتعين على باراك حقاً ان يتخلى عما كان مستعداً لتسليمه مقابل اتفاق بشأن الوضع النهائي؟ يرفض زعيم المستوطنين اوري إليتزور، وهو رئيس مكتب نتانياهو سابقاً، الحدود التي كان يفكر بها باراك خلال المفاوضات، ويعتقد ان "حدود الفصل يجب ان تكون تقريباً الحدود الحالية، حتى يكون لدينا فعلاً شريك جدي للتوصل الى تسوية" صحيفة "هآرتز"، 27/10/2000. ويصبح المستوطنون مقبولين اكثر حالياً بعدما اصبحت كثرة كبيرة من الاسرائيليين مقتنعة بأنه "ليس هناك من يمكن التحدث معه" في شأن السلام. وقد تتبنى موقفهم فعلاً الكتلة اليمينية - الدينية بأكملها، التي تمارس نفوذاً قوياً على المشهد السياسي الاسرائيلي. وسيزداد هذا الاحتمال قوة اذا قاد ارييل شارون ليكود، كما يبدو مرجحاً، للمشاركة في حكومة وحدة وطنية او طوارىء. أخيراً وليس آخراً، ماذا سيعني الفصل الاحادي الجانب على الصعيد الاقتصادي؟ ان الاقتصاد الاسرائيلي قوي الى درجة تكفي لاستيعاب الاذى الذي سيلحق ببعض فروع صادراته. وستكون احدى المشاكل الاكثر جدية استبدال العمال الفلسطينيين في قطاعات البناء والزراعة والخدمات بعمال اجانب اساساً على الارجح. كانت الازمة الحالية سيئة جداً بالنسبة الى هذه الفروع، وكارثية على نحو خاص بالنسبة الى السياحة. اما النتائج المترتبة على الفصل بالنسبة الى الاقتصاد الفلسطيني فانها اخطر بما لا يقاس. فاسرائيل تستطيع من الناحية النظرية ان تقطع عن فلسطين امدادات الكهرباء والوقود والمياه، وتوقف شحنات الغذاء والدواء وتغلق مطارها وميناءها. لكن الاقتصاد الفلسطيني يعتمد بشكل هائل، على المستوى العملي اليومي، على وجود حوالى 110 آلاف عامل يشتغلون في اسرائيل، يدخل 70 الفاً منهم من دون تصاريح. وهم يشكلون الآن 43 في المئة من قوة العمل الفلسطينية ويوفرون الدخل الرئيسي لمعظم الأسر. وادى الاغلاق الذي فرضته اسرائيل خلال الانتفاضة مباشرةً الى ارتفاع معدل البطالة من 11 في المئة الى 33 في المئة، ما يعطي مؤشراً الى النتائج التي ستترتب على اي تحرك ذي صفة دائمية اكثر بهذا الاتجاه. وبحسب معطيات الاممالمتحدة، تشكل اسرائيل 80 في المئة من اجمالي تجارة التصدير والاستيراد الفلسطينية. هكذا، اذا قررت اسرائيل ان تفرض الفصل عبر خنق الاقتصاد الفلسطيني، بغض النظر عن النتائج الدولية المحتملة، فان بامكانها ان تفعل ذلك ساعة تشاء. ويلاحظ مراقبون اسرائيليون ان جماعات من الخبراء في شتى المجالات تعكف حالياً على انجاز مقومات مفهوم الفصل الاحادي الجانب. وهي تتجنب صيغاً متطرفة مثل تجويع السكان الفلسطينيين او اغلاق الحدود بصورة محكمة، مفضلة التحدث عن سيطرة مرنة على حركة البشر والسلع عبر نقاط العبور على الحواجز الحدودية. من جهة اخرى، يجادل المنتقدون ان الفصل من دون اجلاء المستوطنات في الاراضي المحتلة يشيع لدى الجمهور الاسرائيلي وهماً بالتعايش يكمن وراءه واقع كالح. وكما يقول ميرون بنفنيستي فان "الفصل الذي سيدفع ثمنه الطرف الضعيف والخاضع، اي الفلسطينيين، والذي سيكون بوضوح اداةً للسيطرة القسرية، له اسم معروف في جنوب افريقيا: نظام الفصل العنصري". * كاتب يعيش في القدس الغربية، ورئىس تحرير مشارك لمجلة "فلسطين - اسرائىل".