مفاوضات الحل النهائي بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية متوقفة، رغم الافتتاح الاحتفالي الذي تم لها يوم 13/9/1999 وهي متوقفة الى درجة التجاهل، والذي يبدو بوضوح من خلال استنكاف ايهود باراك رئيس وزراء اسرائيل عن تعيين وفده التفاوضي. ولكن هذا التجاهل ليس استخفافاً اسرائيلياً بالعملية التفاوضية، وإنما هو اهتمام خاص بها من باراك. ويبرز هذا الاهتمام الخاص من خلال مسألتين، المسألة الأولى ان باراك يريد ان يتولى هو شخصياً مسؤولية التفاوض حول الحل النهائي، ويريد بالمقابل ان يكون عرفات، وليس أي شخص آخر، هو نده في هذه العملية التفاوضية، وهو يريد ان تكون بداية المفاوضات في لقاء القمة الذي سينعقد بينهما في الولاياتالمتحدة مطلع العام 2000 برعاية الرئيس الأميركي بيل كلينتون، وهو يطمح الى ان يكون هذا اللقاء بداية لمفاوضات على غرار مفاوضات كامب ديفيد، لا تتوقف الى ان تنتهي باتفاق، والاتفاق الذي يطمح اليه باراك هو "اتفاق الاطار" الذي نص عليه اتفاق واي ريفر المعدل اتفاق شرم الشيخ والمقرر له ان يكون جاهزاً في شباط فبراير 2000، على ان تبدأ بعده المفاوضات التفصيلية التي يمكن ان تترك آنذاك لأعضاء الوفود. المسألة الثانية ان باراك يعمل على تحضير نفسه جيداً لتلك المفاوضات، وذلك من خلال اعداد تصور اسرائيلي شامل لمطالبه، جغرافياً وأمنياً واقتصادياً. وكذلك اعداد بنود المساومة التي سيقترحها على عرفات، وهو يأمل ان لا يكون عرفات قادراً على رفضها. خطة باراك التي يجري اعدادها لإنجاز الحل النهائي مع الفلسطينيين هي أسوأ أنواع الخطط الاسرائيلية التي يمكن تصورها. فهي تجمع بين مطالب وتصورات حزب العمل الاسرائيلي وبين مطالب وتصورات حزب ليكود والمتطرفين من المستوطنين، وهي تتصور دولة فلسطينية ذات سيادة، ولكن اسرائيل تسيطر عليها سيطرة كاملة براً وبحراً وجواً، ويمكن مد هذه السيطرة الى السياسة والى الاقتصاد والى الشؤون العسكرية والأمنية. وباراك متفائل بأن هذه الخطة سيقبلها عرفات لأسباب ثلاثة: السبب الأول: صحة عرفات وتقدمه في السن، حيث يعتقد ان عرفات لا يملك القدرة ولا الفسحة من الزمن التي تؤهله لخوض صراع تفاوضي مديد. السبب الثاني: ان عرفات لا يملك خياراً آخر، فرفض خيار باراك سيعني الانتظار الى حين قدوم قيادة اسرائيلية جديدة، قد تكون باراك نفسه وحزبه او قيادة حزب ليكود الذي عانى الفلسطينيون الأمرين من سياساته. السبب الثالث: ان الولاياتالمتحدة ستكون بوزنها وقوتها الى جانب اسرائيل في الضغط على الجانب الفلسطيني، وحتى على بعض الدول العربية لقبول خطة باراك. ولكن ما هي خطة باراك هذه؟ ايجازاً نقول انها خطة تنطلق من الاستعداد للموافقة على قيام دولة فلسطينية ذات سيادة على ثلثي الضفة الغربية وقطاع غزة، ويكون لهذه الدولة: عملة، ونشيد وطني، وعضوية في الأممالمتحدة، وعاصمة في قرية ابو ديس بعد ضمها الى القدس، وميناء، ومطار، وبالمقابل يمنع على هذه الدولة ان تكون لها سيادة على المعابر الحدودية، وعلى الجو، وعلى المياه الاقليمية. ويؤدي ذلك بالطبع الى سيطرة اسرائيل على تجارتها الخارجية، وعند السيطرة على التجارة الخارجية تتم السيطرة على التجارة الداخلية. ويؤدي ذلك ايضاً الى التحكم في موضوع عودة اللاجئين الى أراضي الدولة الفلسطينية من خلال التحكم في المعابر، لأن اسرائيل ترفض عودة اللاجئين الا على اساس خمسة آلاف لاجئ كل سنة، ولعدد محدد، على ان يتم توطين الأغلبية حيث هم في البلاد العربية او الاجنبية. وإضافة الى هذا كله، فإن خطة باراك تتضمن توجهاً للفصل بين الدولتين الاسرائيلية والفلسطينية. والفصل هنا له منحيان: فصل أمني، وفصل اقتصادي. وقد وضع الخبراء خيارات عدة امام باراك ليختار واحداً منها في كل نوع من نوعي الفصل. الفصل الأمني درس باراك مع الخبراء الاسرائيليين خطط الفصل الاسرائيلية القديمة، اعدها وزراء سابقون في حكومة اسحق رابين، وخطط الفصل الاسرائيلية الجديدة والمعدلة والتي اعدها وزراؤه الحاليون. خطة الفصل القديمة، والتي استمع اليها باراك من جديد، كانت نظريتها قد برزت لأول مرة عام 1995، وذلك بعد ان نفذت حركة "الجهاد الاسلامي" عملية فدائية انتحارية ضخمة عند حاجز قرية بيت ليد المسماة نتانيا، وذلك في 23/1/1995، وأدت الى مقتل 19 جندياً اسرائيلياً وجرح حوالى 60 جندياً. يومذاك اجتمعت الوزارة الاسرائيلية برئاسة رابين، واتخذت قرارات متشددة، كان اول قرار فيها هو "اغلاق الضفة والقطاع والفصل بين الشعبين". ويومذاك قال وزير الاسكان الاسرائيلي "يجب ان نمضي باتجاه الفصل، ليس هناك حل آخر، لأن قطاع غزة وأريحا أصبحا معقلاً للقتلة. وبعد شهرين من العملية الفدائية قام مسؤولو الأمن موشي شاحال وزير الشرطة، وأمنون شاحاك رئيس الأركان، ويوسي بيلين نائب وزير الخارجية بعرض خطة تفصيلية للفصل على اسحق رابين وذلك يوم 17/3/1995، وقد وافق رابين على الخطة التي قدرت كلفتها بحوالى 300 مليون دولار. وقال شاحاك مدافعاً عن خطته: الفصل ضروري لأمن اسرائيل، والخطة لها معنى سياسي، انها تحدد كيانين، وهي لا تمثل اتجاهاً نحو انشاء دولة فلسطينية، وقال: ان الخطة تتضمن اقامة منطقة امنية على امتداد الضفة الغربية ليست متماشية بالضرورة مع حدود 1967، وهي ليست خطاً انما هي منطقة. ونشرت الصحف الاسرائيلية تفاصيل عن الخطة جاء فيها: ان هدف الخطة هو الفصل بين الضفة الغربية واسرائيل بواسطة زيادة كبيرة في عدد رجال الشرطة 200 شرطي، يتولون تشديد الرقابة على دخول العرب الى اسرائيل، وذلك من خلال حواجز مادية في الطرق الترابية، وعيون الكترونية تعتمد على اشعة ليزر في اماكن اخرى، ومراكز مراقبة تتلقى الاشارات، ونقاط مراقبة، وأبراج حراسة، وأضواء، وأجهزة رؤية نهارية وليلية في الأماكن الاستراتيجية، مع الاستعانة بالكلاب لكشف المتفجرات، واستعمال الأقواس وأجهزة الرادار للكشف عن المشاة، وطائرات مروحية لحراسة خط الفصل. لم يلق اقتراح حكومة رابين قبولاً سهلاً لدى الاسرائيليين، فكتب بعضهم عن صعوبات التنفيذ العملي للفكرة، ومن ذلك، المقال الذي نشرته صحيفة "يديعوت احرونوت" يوم 25/1/1995، بقلم "اريئيلا هوفمان" وجاء فيه: - هناك حوالى 300 كلم على طول الحدود اذا سرنا مع الخط الاخضر تفصل بين دولة اسرائيل والضفة الغربية. وهناك 35 ممراً للمركبات تمتد اليوم على طوله. - الجدار الامني على طول قطاع غزة طوله 55 كلم، واستغرق بناؤه 7 اشهر، وكانت كلفته 5 ملايين دولار، ونفذته شركة "ميجل". - هذا يعني ان جداراً على حدود اسرائيل الشرقية سيستغرق بناؤه ثلاث سنوات ونصف السنة ويكلف 30 مليون دولار. ويقول مدير الشركة ان تقليص زمن البناء ممكن، ولكن فعالية الجدار لا تتعلق بنا فقط بل تتعلق بحجم الاسناد، وحجم الدوريات، ونظام السيطرة، وامور اخرى لن اذكرها. - ويقول خبير مهني، ان الوضع في جغرافية غزة يختلف عن صخور وجبال حدود اسرائيل التي تحتاج الى حفر في الصخر وتفجيرات، وان الاعمال التمهيدية وحدها ستستغرق سنة، وسيستغرق الانشاء من 3 - 4 سنوات. - وكتب الباحث الاسرائيلي "ميرون بنفنستي" المختص بالشؤون الفلسطينية، منتقداً الفكرة من حيث التطبيق العملي ومن حيث الاساس الفكري لها فقال: - نقاط العبور بين اسرائيل والمناطق المحتلة عددها 138 نقطة عبور. فهل ستوضع حواجز مادية، ام سيكتفى ب300 كلب دربتها الشرطة لهذه الغاية؟ - كيف يمكن ان يشمل الفصل المستوطنات، من دون الوف العرب الموجودين بين المستوطنات وبين اسرائيل؟ - استطاعت السلطات الاقتصادية بجهد دؤوب، كسر موقف الفلسطينيين وضمان سوق مشتركة، تخلد ارتباط المناطق باسرائيل، لكن حالياً طلب من السلطات الاقتصادية ان تضع خطة للفصل الاقتصادي التام. - لقد ثبت ان الفصل المادي والديموغرافي والاقتصادي غير ممكن، حتى انه يزيد من حدة الوضع. - لكن سخافة التطبيق العملي للفصل لا تذكر مقارنة بسخافته الفكرية، اذ اصبح اليسار مؤيداً تأييداً شديداً للفصل، بينما اليمين يعارضه بشدة، والليبراليون الانسانيون يعتبرون هذا الفصل المفروض على الفلسطينيين من جانب واحد، ويفرض عليهم الجوع والخراب، حلاً مستنيراً. حتى ان وزير التعليم يقترح ان تدفع اسرائيل بليون شيكل سنوياً كمخصصات بطالة، وذلك للمحافظة على مستوى المعيشة البائسة لديهم الفلسطينيون البالغ 10 في المئة من معيشة الاسرائيليين. هآرتس 26/1/95. * وكتب "يوئيل بن نون" معتبراً قرار الفصل بمثابة اعلان حرب شاملة ضد الفلسطينيين وحدد اربعة اسباب لذلك هي: 1 - ان الفصل غير ممكن مع سرقة الفلسطينيين يومياً لاعمدة وزوايا جدار غزة، وفتح الثغرات فيه. والفصل غير ممكن مع ممر آمن بين غزة واريحا، ومن ينادي بالفصل ويوقع على ممر آمن يناقض نفسه. 2 - الفصل سيعزل نهائياً الفلسطينيين في منطقة القدس عن اخوانهم، ورابين لا يفهم ذلك. 3 - الفصل يعني ايضاً حدوداً غير ممكنة في داخل منطقة فلسطينية مكتظة جداً، بين جنين - يعبد - طولكرم - قلقيلية، وبين المثلث ووادي عارة، فلن تنجح اي عملية فصل بن باقة الغربية وباقة الشرقية. 4 - تحتاج حماية الحدود الامنية على نهر الاردن الى 4 طرق تمتد عبر الضفة الغربية، تستعمل في حالة السلم من قبل جيش الدفاع الاسرائيلي. ومعنى كل ذلك هو حرب شاملة مع الفلسطينيين، وتفجير للمفاوضات كلها. يديعوت احرونوت 29/1/95. وازاء هذا الجدل اعلن رابين في 31/5/95 تراجعه عن خطة الفصل بين السكان الفلسطينيين والاسرائيليين، وقال: ان ذلك من اجل اعطاء الاولوية للمسائل الامنية، التي تفوق مسألة الفصل في الاهمية. جولة أمنية ثانية ومضى ما يقرب العام على هذا كله. وفي هذا العام اغتيل اسحق رابين، واصبح شمعون بيريز رئيساً لوزراء اسرائيل، وتم اغتيال المهندس "يحيى عياش" في غزة من قبل اسرائيل، وبعد خمسين يوماً من اغتياله، نفذت "كتائب عزالدين القسام" سلسلة من العمليات الفدائية الانتقامية، بدأتها بعمليتين انتحاريتين ضخمتين في القدس وعسقلان وذلك يوم 25/2/1996. وجاء الى اسرائيل خبراء من ال CIA ليشاركوا في وضع خطط مضادة. اثارت العمليات ضجة كبيرة داخل اسرائيل وخارجها وعاد البحث من جديد في خطط الفصل الامنية، ولكن الولاياتالمتحدة لم تكن مؤيدة لهذا التوجه، وقال فيل ويلكوكس خبير مكافحة الارهاب في وزارة الخارجية الاميركية، بعد ان شرح له وزير الامن الداخلي خطته للفصل: "هذا النظام سيكون مقبولاً فقط اذا لم يؤد الى عرقلة التبادل التجاري والاتصال بين الاسرائيليين والفلسطينيين". وعارضت خطة الفصل فرنسا ايضاً، فقال جان ارتوي وزير الاقتصاد الفرنسي في ختام زيارة لاسرائيل "من الضروري ايجاد توازن بين الضرورات الامنية وضرورات الحياة الاقتصادية للفلسطينيين، ان فرض طوق امني متواصل سيؤدي الى سوء فهم كبير والى اضطرابات اقتصادية يصعب تحملها… ان عملية السلام هي افضل ضمان للامن". وانتهى جدل هذه الجولة الثانية مع سقوط بيريز في الانتخابات، وقدوم حزب الليكود وحكومة بنيامين نتانياهو الى السلطة، حيث توجه اليمين الاسرائيلي نحو رفض الفصل سعياً وراء توحيد أرض اسرائيل الكبرى. باراك يوسع مفهوم الفصل ومع قدوم باراك الى السلطة، واستعداده لمفاوضات الحل النهائي، برز مفهوم الفصل من جديد، ليس انطلاقاً من أوضاع أمنية ضاغطة كما كان في السابق، وانما كجزء من تصوراته لصغية الحل النهائي، وهو لذلك أضاف اليها بحثاً في الانفصال الاقتصادي أيضاً، أو بشكل أدق، بحثاً في اشكال الانفصال واشكال الاتصال الاقتصادية. عقد باراك يوم 21/10/96 اجتماعاً في مكتبه لبحث خطة الفصل الأمنية. استمع من موشي شاحال الى خطة الفصل القديمة التي عرضناها أعلاه. ثم استمع من شلومو بن عامي وزير الأمن الداخلي الى خطة الفصل الجديدة، وهي خطة تكرس البنود الأساسية في خطة شاحال القديمة، وتضيف اليها تعديلات في محيط الأراضي والمستوطنات التي سيسعى باراك الى ضمها الى اسرائيل في صيغة الحل النهائي التي يتصورها. وتشمل التعديلات: - تسييج منطقة واسعة حول منطقة مطار بن غوريون. - تسييج حول الممر الاسرائيلي الى مدينة القدس، مع ترتيبات مرور خاصة بالفلسطينيين الى القدس. - تسييج حول مناطق التجمعات الاستيطانية الكبرى. - تحديد منطقة أمنية عازلة في غور الأردن. - وضع محطات انذار في الجبال المشرفة على منطقة الأغوار. الفصل الاقتصادي وعقد باراك يوم 18/10/99 اجتماعاً في مكتبه خصص لمناقشة موضوع الفصل الاقتصادي، نوقش فيه بشكل أساسي مشروع اتفاق فلسطيني - اسرائيلي غير رسمي، جرى التفاوض عليه سراً قبل عامين. هذا الاتفاق تفاوض عليه وفدان، وفد فلسطيني برئاسة الدكتور ماهر الكرد، ووفد اسرائيلي برئاسة دافيد بروديت. وقد جرت المفاوضات بشكل سري، واستمرت حوالى ستة أشهر، بين خبراء اسرائيليين غير رسميين وشخصيات من السلطة الفلسطينية. وقد موّلت نفقات اللقاءات حكومة النرويج، وتمت الاجتماعات في القدس، تل أبيب، هرتسليا، قيسارية، أوسلو. وأنجز المتفاوضون اتفاقاً تم توقيعه برعاية يوسي بيلين في 29/11/1997، وهو يتألف من 52 صفحة. الفكرة الرئيسية في الاتفاق ان انجازه يتم بين وحدتين اقتصاديتين مستقلتين، وتكون بينهما اشكال متعددة من التعاون، تقوم على قاعدة التجارة الحرة، ويتفقان معاً على توحيد الضرائب. والقيمة المضافة، لحفظ استقرار السوق والغاء المصلحة في التهريب. مع السماح للعمال الفلسطينيين بالعمل في اسرائيل. وقد قوبل هذا الاتفاق في الأوساط الفلسطينية بمقاومة سرية من قبل خالد سلام مسؤول الاحتكارات التابعة لمكتب الرئاسة في غزة، وماهر المصري وزير الاقتصاد الفلسطيني. وقد قام الرئيس ياسر عرفات مؤخراً بابلاغ ماهر الكرد انه يرفض الاتفاق الذي أنجزه، ووجه له اتهامات قاسية، مع أن الكرد كان يعمل بمعرفة المسؤولين الفلسطينيين عن التفاوض. أما الخبراء الاقتصاديون الاسرائيليون فقد وضعوا أمام باراك خيارات بالاندماج الاقتصادي، أو الانفصال الاقتصادي الكامل، أو الاتحاد الجمركي، وتركوا له حرية اختيار ما يتناسب مع خطته السياسية والأمنية، ويبدو أن خياره سيكون السعي نحو الفصل الاقتصادي، مع ضمان السيطرة الاقتصادية الاسرائيلية، من خلال السيطرة على المعابر، والتحكم بحجم التجارة الخارجية الفلسطينية، وهو ما يتناسب ويكمل خطته السياسية، حيث يقترح دولة ذات سيادة، انما لا سيطرة لها على حدودها الدولية. وبهذا يكون باراك قد عاد الى خطط رابين المعلقة فأعتمدها، وأضاف اليها ما يضمن قيام كيان فلسطيني "أكثر من حكم ذاتي وأقل من دولة"، كما كان المسؤولون الاسرائيليون يقولون دائماً. ويجمع المحللون الاسرائيليون على أن عرفات سيرفض هذه الاقتراحات، كما يجمعون على أنه لا يملك بديلاً بعد رفضها، وانه إذا أصر بالرغم من ذلك على الرفض فإن ضغط الولاياتالمتحدة سيتكفل بالباقي، وسيتم "طبخ" عرفات حسب قول أحدهم. ولكن هذا التحليل الاسرائيلي ليس سوى تهويل، فعرفات يستطيع أن يرفض، وسيؤدي رفضه الى احداث أزمة في المفاوضات كلها، أزمة تهدد مصالح الولاياتالمتحدة، وربما تدفعها الى تفكير أكثر عقلانية وهي لن تفعل ذلك بالتأكيد إلا إذا لمست اجماعاً عربياً على رفض موقف باراك، وهذا هو الاتجاه الذي يمكن أن يعمل فيه عرفات، اذا أجاد قراءة الخارطة السياسية بعيداً عن أوهام "شريكي" باراك، وبعيداً عن أوهام "سلام الشجعان". * كاتب من اسرة "الحياة".