إن هذا المهرجان الذي حضره أكثر من 60 شخصية فكرية وثقافية وسياسية وأدبية من سبعة بلدان عربية، إضافة الى عراقيي المهجر، لم يشكل تظاهرة ثقافية وأدبية فحسب، بل تجاوز ذلك ليحمل دلالات سياسية لها قيمتها للإنسان الكردي، ولتجربته في الإدارة الذاتية. والقراءة السياسية لمئوية الجواهري الذي أحبّ "الكورد"، ووصف الرمز التحرري الكردي، البارزاني الراحل، بعملاق الجنّ في الحروب و"الدعلج الذي يحمي الجلد بالنشاب"، إبان السلم، والذي أهدى عام 1963 واحدة من روائع قصائده الى الشعب الكردي قائلا: قلبي لكردستان يهدي والفمُ / ولقد يجود بأصغريه المعدمُ نقول إن المغزى السياسي لهذا الحدث حافل بالدلالات التي تتجاوز مجرد البعد الأدبي الصرف. فالجواهري كان أديباً سياسياً ويمتلك مقومات الموهبة الفذة والموقف السياسي المتخندق ضد الظلم، ومع الإنسان، وآماله أينما كان. فما أشبهه بالشاعر الشيلي، بابلو نيرودا، والتركي ناظم حكمت، والكردي كوران. لذا فإن تمثاله البرونزي الذي يقف شامخاً كما الشجرة الوارفة الغصون والظلال قبالة مبنى المجلس الوطني الكردستاني البرلمان إنما يمثل آية عميقة المغزى من آيات الوفاء يهديها الشعب الكردي المغبون تاريخياً لشاعر عملاق تغنى بهم، وبزعيمهم البارزاني، ولم يكتف بلعن الظلام بل أشعل وسط العتمة شمعة، وظل في أحلك الظروف يعتمر الطاقية الكردية المزخرفة باسم كردستان، في أيام عصيبة كانت الحكومات المركزية المتعاقبة تشمئزّ أيّما اشمئزاز من هذه الكلمة التي يرفعها الجواهري العظيم على رأسه. ولعل أهم الدلالات السياسية الأخرى للمئوية تكمن في: 1- جاء المهرجان مباشرة في أعقاب قرار المجلس الوطني الكردستاني بتوجيه من السيد مسعود البارزاني لتكريم خمس شخصيات عربية قدمت مواقف مناصرة للقضية الكردية وهي جمال عبدالناصر والسيد محسن الحكيم وعزيز شريف وكامل الجادرجي، والجواهري ... 2- إن توجه هذه النخبة الخيرة والنيّرة من ذوي التوجه الديموقراطي الى كردستان العراق، لاسيما ونحن نقترب من عقد المؤتمر الثاني للحوار العربي - الكردي، جاء ضمن توقيت ملائم للاطلاع على آفاق التجربة الكردية عن كثب .... 3- ثمة دلالة سياسية لها مغزاها الوجداني مثلما عبر ضيف المئوية حسين عبدالرازق، أمين عام مساعد حزب التجمع المصري في فضائية كردستان. فثمة إحساس مشروع لدى الإنسان الكردي أن قضيته وآلامه وآماله لا تجد صداها الكامل لدى العرب. 4- إن مجيء، هذه النخبة الفكرية والثقافية العربية الى الإقليم الكردي، وتفاعلها مع مثيلاتها الكردية، هو بحد ذاته خطوة تضامنية مع الشعب الكردي ومع سقف مطلبه السياسي المتجسد بالفيديرالية كتكييف جديد للعلاقة بين الشعبين العربي والكردي، ضمن عراق مستقبلي ديموقراطي فيديرالي. فهذه الزيارات تثبت بالدليل القاطع أن التجربة الكردية تعيش ضمن مناخات المنطقة، وليست منعزلة عنها. فهي تجربة واقعية ومتزنة ومنفتحة على الآخرين، ومنسلخة عن الأجهزة القمعية للنظام المركزي، وليست مبتعدة عن الوطن العراقي ... فشكراً للجواهري كما عبرت الشاعرة الجزائرية زينب الأعرج - الذي جمعنا في كردستان العراق، ليكون في رحيله كما في حياته جسراً بين الثقافات والتلاوين التي يزخر بها المجتمع العراقي. كردستان العراق - فوزي الأتروشي