تعيش الساحة الإعلامية في المغرب مخاضاً يصعب التكهن بنتائجه، في ظل دعوات الى الانفتاح والتعددية تعلنها الحكومة ومؤسسات الدولة الفاعلة، وقرارات تسير في الاتجاه المعاكس لهذه الدعوات. وكان وزير الاعلام والثقافة السيد محمد الاشعري سحب أخيراً اعتماد مدير وكالة الانباء الفرنسية فرانس برس الصحافي كلود جوفنيل الذي كان مرغماً على مغادرة الرباط خلال اقل من 48 ساعة. وجاء القرار بعد أيام على توقيف ثلاثة صحافيين فرنسيين في 8 تشرين الأول اكتوبر الماضي في منطقة الرشيدية، جنوب المغرب، بتهمة "تصوير ثكنة عسكرية في منطقة محظورة. وقبل ذلك حصلت مواجهة أخرى بين وزير الداخلية المغربي السيد احمد الميداوي وبعض الإعلام المحلي وتحديداً صحيفة "لوجورنال" بعد لقاء اجرته الصحيفة مع زعيم جبهة "بوليساريو" محمد عبدالعزيز. وفجّرت مقابلة صحافية اجرتها القناة التلفزيونية الثانية مع مدير تحرير وكالة الانباء الرسمية محمد بلحلومي جدلاً ظل حتى وقت قريب غير معلن. وكان بلحلومي نفسه محور هذا الجدل، نظراً الى دعوات الى "محاسبة" مسؤولين كانوا يديرون مكاتب خارجية للوكالة بينهم بلحلومي الذي كان يدير مكتب الوكالة في بروكسيل بسبب مزاعم بسوء الإدارة. ورد بلحلومي على تلك الدعوات والاتهامات التي كانت تنشر خصوصاً في صحيفة "الاتحاد الاشتراكي"التي يديرها رئيس الوزراء عبدالرحمن اليوسفي، بالقول انها "لن تنال من الوكالة" و"ان الراغبين في الاستحواذ على المشهد الاعلامي الرسمي في البلد لن يتمكنوا من ذلك" وانه يتمسك ب "ضرورة الحفاظ على استقلال الوكالة وعدم تسييسها او تحزيبها". وذهب بلحلومي الى حد انتقاد نقابة الصحافيين المغاربة التي قال انها "ليست منصفة، إذ تدين ممارسات دون أخرى"، في اشارة الى عدم اشارتها الى توقيف السلطات الاسرائيلية مراسل وكالة الانباء الرسمية المغربية وتوقيفه اكثر من ست ساعات بسبب خبر عن اعمال العنف في الاراضي الفلسطينية. وردت صحيفة "الاتحاد الاشتراكي" على رد بلحلومي بالتساؤل هل يريد مسؤول الوكالة الرسمية "مواجهة الاحزاب الديموقراطية والمنظمات الفاعلة لكسب حماية جهات تساعده على اغلاق ملف سوء ادارة الوكالة". اما صحيفة "ليبراسيون" الناطقة بالفرنسية والتي يديرها وزير اعداد التراب السيد محمد اليازغي الاتحادي فقررت، من جهتها، الاستغناء عن خدمات وكالة الانباء الرسمية احتجاجاً على "الهجوم غير المفهوم والموجه ضد الاحزاب والحكومة" والذي يتبناه بلحلومي. وزادت الصحيفة ان الهجوم على النقابة "غير مسموح وغير مقبول ضد نقابة تمثل غالبية الصحافيين المغاربة". واعتبر مراقبون ان الجدل القائم له تداعيات في القانون الجديد للصحافة التي تعد الحكومة لطرحه على البرلمان والذي يثير خلافات واسعة. وفي هذا الإطار، انتقد الصحافي الموالي لحزب الاستقلال نعيم كمال بعض البنود في المشروع الاعلامي الجديد للحكومة التي تشير الى "المصالح العليا للبلاد والامن العام". وعلق على ذلك قائلاً: "نخشى في المستقبل ان نقول ان الطماطم في المغرب تعاني مشاكل ونُتهم بالمس بالمصالح العليا للبلاد". ورد وزير الاعلام والثقافة السيد الاشعري أول من أمس على هذه الانتقادات بالقول ان الحكومة عازمة على اصلاح الاعلام من منظور الحفاظ على الحريات وكذلك المصالح العليا للبلاد. وجدد دفاعه عن قرار سحب اعتماد الصحافي الفرنسي كلود جوفنيل. وعلق نورالدين مفتاح، مدير اسبوعية "الصحيفة"، قائلاً: "بخصوص الزميل الاشعري فاننا نرحب به في نادي المانعين والطاردين بعد زميلنا الوزير السابق العربي المساري، قائلين: ما اقسى الزملاء علينا حين يصبحون وزراء".