ربما تؤكد الأرقام التي تقدمها الدراسات المختصة إن وجدت- وجود البطالة في المجتمع السعودي "حددت النسبة التقريبية لحجم البطالة بين 10 و14 في المئة من قبل وزير العمل السعودي مع تأكيده على عدم وجود إحصاء رسمي!!". بيد أن هذه الأرقام نفسها سرعان ما تدق ناقوس الخطر عندما تشير إلى زيادة مؤشر البطالة عاماً بعد عام، بسبب زيادة خريجي الجامعات، ولكن نحن هنا بصدد قضية تحيط جوانبها بشباب السعودية، والجميع يحاول أن يبحث عن مخرج لها قبل أن تجتاح البطالة كل صروح الشباب والطاقات في ساحات المدن والقرى، فيحل الفراغ والفقر والانحراف والجريمة والهدم والإضرار بعملية التنمية. لقد اضحى الفوز بمقعد في الجامعة، ومن ثم الانخراط في الحياة العملية لدى الشباب السعودي والذي يمثل 70 في المئة من سكان السعودية في الوقت الراهن أمراً صعب المنال، بل حلم يتكسر على شاطىء الواقع المحير. وحيث أن الاستماع الى هؤلاء الشباب القابعين تحت وطأة البطالة، أمر يثير الكثير من التعاطف والشفقة والرحمة، خصوصاً وأن تكاليف المعيشة أصبحت صعبة جداً، وعملية بناء المستقبل أصبحت أمراً ليس باليسير، التقت "الحياة" ببعض الشباب السعودي العاطل عن العمل والدراسة، حتى تكون أقرب الى الحقيقة، وفي قلب الواقع المعاش الخيار والقرار والمصير من الشباب الذين وقعوا ضحية البطالة، الشاب "فهد سعود" الذي يبلغ من العمر 20 عاماً ومن عائلة متوسطة الدخل أعزب ويحمل مؤهلاً ثانوياً، يعيش في عزلة نفسية منفصلاً عن أسرته ومجتمعه، بعد أن أنهى دراسته الثانوية، واصطدمت أحلامه في صخور البطالة. فيقول: "لقد فشلت في دخول الحياة الجامعية، بحجة ضيق الاستيعاب، فلجأت للبحث عن وظيفة في القطاع العام تضمن لي العيش الكريم، ولكن حتى هذه لم أظفر بها على رغم محاولاتي العديدة، فقد طرقت أبواب السلك العسكري، وفوجئت بقول العاملين هناك، أنه لا يوجد طلب على التجنيد!! فلم يبق لي سوى القطاع الخاص، الذي مارس شتى أنواع التعجيز، بطلب سنوات الخبرة وإجادة اللغة الإنجليزية تحدثاً وكتابة، وإلمام تام بالكمبيوتر، مع أنني أحمل شهادة في استخدامات الكمبيوتر، وكأن الهدف من ذلك كله صدنا والتخلص من الشباب السعودي، وغالباً فإن المشرفين على المقابلات هم أجانب، ولصاحب المؤسسة أو الشركة الاسم والتوقيع فقط". ويصف فهد يومه بأنه يبدأ في الصباح الباكر ب"البحث عن وظيفة ومن ثم العودة الى البيت، وبعد العصر أعود للبحث مرة أخرى، ولا أعود إلا بعبارة يومية اذهب وسنتصل بك!! وفي المساء أمارس مهنة "الصياعة" مع زملائي في المهنة، ولا نجد سوى المقاهي المنتشرة، لنقضي وقتاً نلوم فيه المجتمع الذي يعدّنا من "الحشرات الضارة"، والتي لا بد من عزلها تماماً، وهذا قليل من كثير". ويعتقد فهد "أن المواطن يستقدم الأجانب، بلا حاجة حقيقية لهم، مما جعلهم يقضون على كل فرصة عمل للشباب السعودي، حتى لو كان العمل هو غسيل السيارات أوالشحادة أمام المساجد وإشارات المرور، ومن هنا فإنني أناشد المسؤولين بسرعة ايجاد الحلول السريعة قبل أن تحضننا تيارات الملل وأوكار المخدرات، ونصبح كارثة على الوطن والمجتمع قبل الفرد والأسرة". وتتجدد المعاناة، عندما التقت "الحياة" الشاب "أنور فقيهي" البالغ من العمر 19 سنة، والحاصل على شهادة الكفاءة المتوسطة منذ ثلاثة أعوام، وهو من أسرة منخفضة الدخل، يقول "لم أكمل دراستي بسبب ضيق الحال المادية، ولرغبتي في مساعدة أسرتي لتوفير تكاليف المعيشة، اتجهت الى السلك العسكري، ولكنني فشلت في اجتياز الفحص الطبي، بسبب ضعف البصر، وعدم وجود واسطة، وبما أنه ليس لدي من المؤهلات ما يجعلني أتقدم الى القطاع الخاص، إلا إذا حصلت على شهادة في الكمبيوتر، يتطلب الحصول عليها امكانات مالية، لا أستطيع دفعها للمعاهد الشرهة، لذلك أملك وقت فراغ كبير جداً، سبب لي من الإحباط والملل والاكتئاب الشيء الكثير، وأسرتي تتنظر مني عمل شيء، لكن "ما باليد حيلة"، حتى إنني فكرت بالهجرة من هذا المجتمع "أنا لست عاطلاً" ولكن القطاع الخاص وسوء التخطيط ونظرة المجتمع أني شخص غير منتج جعلت مني عاطلاً، أنا لست منحرفاً، حتى يتجنبني المجتمع، أنا محطّم جداً وأموت كل يوم الآف المرات بنظرات الناس وغمزاتهم". ويستطرد فيقول: "معظم وقتي يذهب هباء في البحث عن وظيفة، وما زالت الحكومة تعد بالوظائف، وعند طرحها للمتقدمين، يقبل عليها أضعاف عددها، وفي النهاية فإن الكلمة الأخيرة للواسطة، أريد حلاً عاجلاً لي ولغيري، ولا أريد وعوداً، بل أريد أفعالاً تعطينا أبسط حقوقنا في العمل بشرف، وهذا ليس بالكثير، وهو حقنا بالدرجة الأولى، وفي الأول والأخير ليس لنا سوى الشوارع والمقاهي والتي تنتشر أكثر من النوادي الشبابية!!!!". حياة العاطلين "عاطلة" وتحدث ل"الحياة" الشاب سامي محمد البالغ من العمر 19سنة والحاصل على الثانوية العامة وهو غير متزوج، فيقول: "كل يوم أدور في حلقة واحدة، وهي أنني أصحو مع الطلاب لإيصال إخواني الى المدارس وبعدها أعود الى البيت، أمكث فيه حتى عودة الطلاب ومن ثم أقوم بأخذهم من المدارس، وشراء بعض الحاجات من السوق، وعند العصر أذهب الى ممارسة لعبة كرة القدم وفي المساء، أذهب للجلوس مع الزملاء في أي مكان، وأعود قبل الساعة الثانية عشرة ليلاً، وعادة أقضي وقت فراغي بلعب البلاي ستيشن أو مشاهدة التلفاز أو لعب كرة القدم أو السمر مع الزملاء، واعتقد أن سبب بقائي بلا دراسة أو عمل كثرة الطلاب المتخرجين. اصابني ذلك بانتكاسه كبيرة، وآلاماً وحسرة لا يمكن حصرها" . ويضيف قائلاً: "إن أسرتي قابلت ذلك كله بالتجاهل والمواساة للتخفيف علي، ولكن تبقى الحقيقة والخوف واضحاً وجلياً في أعينهم، مهما حاولوا إخفاءه، أما مجتمعي فأصبح تقبله لهذا الواقع أمراً لا جدال فيه، لإن واقع البطالة موجود بشكل لافت منذ ثلاث سنوات تقريباً، مع ذلك ليس هناك أي تحركات سريعة وفاعلة وملموسة حتى الآن!! ولقد حاولت الالتحاق بأكثر من جامعة وكلية ومعهد لمواصلة الدراسة، إضافة الى محاولاتي مع شركتي أرامكو السعودية والكهرباء، ولكن كل ذلك كان مصيره الفشل الذريع، مع أن والدي استخدم الواسطة والمحسوبية ولكن ذلك لم يشفع لي. يعاني كثيرون غيري من السعوديين ما أعاني، ما جعل الإحباط واليأس يعيشان في ذهني ونفسي وحوّل نظرتي الى المجتمع وجعلها سلبية جداً، مع ان أسرتي احتوتني وضمتني في أصعب لحظات حياتي، مما اخر دخولي الى عالم الانحراف قليلاً!!!" . ويتفق الشاب "علي عيسى" البالغ من العمر 20 عاماً ويحمل مؤهلاً ثانوياً وغير متزوج مع "سامي" في كثير من الأشياء ولكنه ذا وضع مختلف فيقول: "أكملت سنة كاملة بلا عمل، ولكنني أعيش في أسرة ليست ميسورة الحال، وبالتالي تأمل الأسرة في أن أكون قارب النجاة وليس طوقه، ولكن ما باليد حيلة، وكل الأبواب سدت في وجهي، والمجتمع لا يهمني بقدر ما تهمني أسرتي، لأنه سبب بقائي بلا عمل، إضافة إلى أنه يتوجب علي البقاء بجانب الأسرة إذا عملت، لإن والدي كبير في السن وقد طرقت أبواباً كثيرة ولكنها كانت مغلقة كالعادة بسبب عدم وجود واو كبير". ويشير إلى أن "الفراغ عندي هو 24 ساعة في اليوم، بحيث لا أقدر على ملئه لا باللعب ولا بالنوم ولا بالصياعة !! ولا بالرياضة، لذلك أعاني من الملل والفراغ وانعدام الثقة بالنفس واهدار للطاقة والشباب، واذا تحدثت عن القطاع الخاص، ما أقول غير الله يهديهم وبس". ويستكمل حديثه بغرابة واضحة على وجهه فيقول: "هل تصدق انهم أصبحوا يتأففون من رؤيتنا مع أنهم يرفعون شعارات السعودة. هناك تناقض غريب، واقترح تسميته "القطاع الخاص بالأجانب"، والحقيقة أن كل ما سبق قوله ما هو إلا انعكاس لما تراكم في ذهني من بقائي بلا عمل ورؤية والدي الكبير المتعب يذهب للعمل ولا أستطيع أن أحرك ساكناً، وأناشد الدولة التدخل السريع لمحاصرة هذا السرطان القاتل الذي ينهش بشباب المجتمع من كل حدب وصوب" . التحرك السريع تنادي الاصوات الشابة العاطلة في الاجمال بضرورة تدخل الحكومة لحل القضية قبل أن تصل إلى المنعطف الخطير جداً، وتطلب إعادة صياغة برامج التعليم الجامعي، و إيجاد آلية لإعادة التوازن في ميزان العرض والطلب بالنسبة للعمالة الوافدة، خصوصاً وأن إلزام كل منشأة تستخدم 20 شخصاً فأكثر بزيادة نسبة السعودة فيها بين 15 و25 في المئة، لم يستوعب هذه الأعداد المتراكمة من المواطنين بلا عمل. ولا بد من تفعيل دور ديوان الخدمة بشكل أكبر مما هو عليه الآن، ولا بد من وفرة المعلومات بالنسبة للجهات المعنية بالتوظيف أو لدى الباحثين عن العمل وذلك بدراسة حاجة السوق الوظيفي، وأيضاً يجب أن يتغير مفهوم الفرق بين العمل الحكومي والعمل في القطاع الخاص، بإيجاد ضمانات مشابهة للتي في القطاع الخاص. ويعتقد المراقبون والاقتصاديون وعلماء المجتمع بضرورة وجود إحصاءات صحيحة ودقيقة، لتتحرك الجهات المعنية في الاتجاه الصحيح، خصوصاً مع النقص الشديد في المعلومات التي تساعد على حل قضية البطالة في السعودية.