في خضم أزمة القدس والاستعمالات الدينية الواهية التي يلجأ اليها الاسرائيليون لتبرير أعمالهم ومطامحهم يستحضرني ما كتبه العالم اليهودي يشاياهو ليبوفيتس ويصلح في نظري كرد على ما أقدم عليه اريل شارون كذريعة للتوجه الى "جبل الهيكل" في محاولة لتغطية حركته الاستفزازية وما فجرته من سخط. الكلام الذي يستحضرني لهذا العالم والمفكر الديني اليهودي يتعلق بمصير الأماكن اليهودية "المقدسة" "الظفرين" من عند الكاتب في دولة اسرائيل، وهو العالم الذي كان بادر الى فضح الطابع العدواني لدولة اسرائيل منذ قيامها وخصوصاً بعد حرب 1967 ليس من باب الدفاع عن الفلسطينيين بقدر ما هو دفاع عن اليهودية ضد الأطماع التوسعية والسياسية الغاشمة لقادة اسرائيل الدولة. وهو أيضاً الذي فضح من هذا المنطلق، تحول الدين ورموزه الى مدية ورشاش في السياسة الاحتلالية التي ينتهجها قادة الدولة العبرية. عن الأماكن اليهودية المقدسة أورد ليبوفيتس في كتابه "اليهودية، الشعب اليهودي ودولة اسرائيل" شروحات كثيرة عن هذا الموضوع أورد منها هنا ما كرره ليبوفيتس في اللقاء الذي أجراه معه الصحافي جوزيف الغازي في مطلع التسعينات ونشره في كتاب يحمل عنوان "وعي اسرائيل الشقي": "إن التحجج أنه لا يمكننا التنازل عن سيادة دولة اسرائيل على جبل الهيكل بسبب مكانته المقدسة ليس إلا نفاقاً سياسياً مغلفاً بقناع ديني قومي...". ويضيف ليبوفيتس في خصوص الأماكن اليهودية، "إن الطقوس التي تقام حول حائط المبكى وكهف الخليل هي طقوس وثنية ... إنها فلكلور بدائي مخجل". يدعم قوله بتأكيد "إن هذه الأماكن المقدسة مزيفة، هذا أمر مؤكد". ويتابع القول في السياق نفسه "ليس لحائط المبكى أي قيمة في نظري لقد أصبح اليوم بمثابة مرقص ديني قومي ... وكذلك الشأن بالنسبة الى جبل الهيكل، وليس ما أقوله كفراً فالهيكل اختفى منذ ما يزيد عن ألف وتسعمائة وعشرين سنة...". عاش العالم والمفكر ليبوفيتس ومات يهودياً وكان من أوائل الذين استوطنو فلسطين حباً في اسرائيل وهو أدرى باليهودية ويدرك مسؤولية ما يقول ويؤكد، وليس في استحضار كلامه أي تحامل أو مس بالمشاعر الدينية للطرف المقابل، فهو كلام نشر وردد في اسرائيل وخارجها في أكثر من لغة، بل هو شهادة شاهد من أهلها على زيف المزاعم الاسرائيلية وتوظيفها المفضوح للرموز الدينية في سياسة احتلال مسلح والتحجج بقداسة مقدوح فيها لسلب الفلسطينيين حقاً تاريخياً مكتسباً وخلع قناع النزاع الديني على الأطماع السياسية التوسعية. * La mauvaise conscience D'Israel, Edition Le Monde وترجمته الكاتبة الى العربية بعنوان "ليبوفيتس الضمير الذي يعذب اسرائيل".