بهدوء ومن دون جلبة إعلامية خلافاً لما حدث عندما صدر إعلان برشلونة سنة 1995 والذي دشن مشروع المشاركة الأوروبية المتوسطية، صادق مجلس الاتحاد الأوروبي على وثيقة جديدة باسم "الاستراتيجية المشتركة للاتحاد الأوروبي حول الإقليم المتوسطي" وذلك في اجتماعه في 19 تموز يوليو الماضي. وهذه الوثيقة تحدد الخطوط الأساسية لسياسة الاتحاد الأوروبي تجاه دول البحر المتوسط. ويحمد الاتحاد الأوروبي استمرار اهتمامه بالإقليم المتوسطي واعتبار أن أمن أوروبا مرتبط بما يحدث في هذا الاقليم، ورغبته في بناء علاقات متعددة الجوانب مع الدول المتوسطية. ولعل مما يحمد الاتحاد الأوروبي في وثيقة الاستراتيجية الجديدة هي أنه عدَّل جزئياً من بعض سياساته السابقة التي كانت تتحفظ عليها الدول العربية، ومن ذلك الحديث في الوثيقة عن دور أوروبي في تسوية الصراعات في البحر المتوسط، إضافة إلى دوره في منع الصراعات مستقبلاً. وكان مشروع "الميثاق الأوروبي المتوسطي للاستقرار في البحر المتوسط" اكتفى بالإشارة إلى الدور الأوروبي لمنع الصراع في المتوسط، متجاهلاً تسوية الصراعات الراهنة. ومن ذلك أيضاً عدم التركيز على ما يسمى "إجراءات بناء الثقة" كطريق لتسوية الصراعات، وهو مفهوم انتقدته الدول العربية المتوسطية لأنه يتجاهل الشروط الحقيقية لتسوية الصراعات. أول ما نلاحظه على الوثيقة الأوروبية الجديدة هو أنها صدرت من خلال حوار بين دول الاتحاد الأوروبي، من دون تشاور مع الدول المتوسطية التي ستتبع ازائها تلك السياسة. ومن المؤكد أن من حق الاتحاد الأوروبي أن يصوغ من السياسات ما شاء من دون تدخل من الدول غير الأعضاء. ولكن هذا المنهج يخالف القواعد التي أرسيت في إطار مفهوم المشاركة الأوروبية - المتوسطية التي أرساها إعلان برشلونة الصادر سنة 1995. وهو الإعلان الذي اتفقت فيه مجموعة من الدول الأوروبية والمتوسطية على مجموعة من المفاهيم العامة التي ستحكم علاقاتها المستقبلية، وتم إنشاء آليات للحوار الأوروبي - المتوسطي حول تلك المفاهيم. وبعد خمس سنوات من عملية برشلونة، إذا بالاتحاد الأوروبي يضع لنفسه وثيقة خاصة بسياساته تجاه شركائه المتوسطيين من دون تشاور مع هؤلاء الشركاء، بينما كان حل المنهج الأوروبي خلال السنوات الخمس الأخيرة ينصب على أهمية التشاور الأوروبي - المتوسطي في كل المجالات. كذلك، أسفر المؤتمر الثالث للدول الأعضاء في المشاركة الأوروبية المتوسطية المنعقد في شتوتغارت سنة 1999 عن مشروع لميثاق أوروبي - متوسطي للسلام والاستقرار في البحر المتوسط. وأكد هذا المشروع على مفهوم التشاور والتعاون أيضاً. فلماذا قررت دول الاتحاد الأوروبي أن تتجاوز إعلان برشلونة ومشروع الميثاق لكي تصوغ بمفردها وثيقة مؤكدةً أنها ستطبق تجاه الدول المتوسطية؟ من المحتمل أن تكون دول الاتحاد الأوروبي شعرت أن الاعلان ومشروع الميثاق غير كافيين لاستيعاب تصوراتها الكبرى لمستقبل العلاقات الأوروبية المتوسطية، ومن ثم رأت تلك الدول أن تصوغ استراتيجية أوروبية خالصة تحدد تلك التصورات. إذا كان الأمر كذلك، فإن الاتحاد الأوروبي يكون بذلك أسقط مفهوم "المشاركة" في علاقاته بالدول المتوسطية، ومن المحتمل أيضاً أن الاتحاد الأوروبي يرى أن استراتيجيته الجديدة لا تختلف كثيراً عن إعلان برشلونة ومشروع الميثاق، وأن وثيقة الاستراتيجية ليست إلا تأكيداً لما جاء في الاعلان والمشروع. فإذا كان هناك من توافق بين الاعلان والمشروع والوثيقة، فإن التساؤل الذي ينبغي أن يجيب عليه الاتحاد الأوروبي هو لماذا إذاً صدرت تلك الاستراتيجية، ألم يكن ضرورياً - تأكيداً لروح المشاركة وبناء الثقة التي جاءت في إعلان برشلونة - أن يتشاور الاتحاد الأوروبي مع شركائه المحتملين في البحر المتوسط قبل اصدار تلك الاستراتيجية؟ كان من المتصور أن تصدر استراتيجية الاتحاد الأوروبي قبل اعلان برشلونة سنة 1995 إذ لم يكن هناك اطار مؤسسي شامل للتشاور الأوروبي - المتوسطي، ولكن مع وجود هذا الإطار، ما هو المبرر الذي يمكن أن يسوقه الاتحاد الأوروبي للقفز فوق هذا الإطار وتوجيه "إخطار" إلى الدول المتوسطية بما ينوي أن يفعله تجاههم؟ من المدهش أن وثيقة الاستراتيجية الأوروبية تشير إلى التنسيق والتعاون مع المنظمات الاقليمية والعالمية، ومع الدول التي تشاركها النظرة ذاتها لتحقيق الأهداف الاستراتيجية، ولكنها لا تشير إلى أي تعاون مع الدول المتوسطية إلا في سياق "تنفيذ" الاستراتيجية حينما تقول "سيتعاون الاتحاد الأوروبي ودوله الاعضاء بشكل وثيق مع الشركاء المتوسطيين عند تنفيذ هذه الاستراتيجية المشتركة". هكذا يصير دور الدول المتوسطية هو تنفيذ ما حدده الاتحاد الأوروبي سلفاً من دون تشاور معها. فهل هناك صفة أخرى غير صفة الهيمنة يمكن أن نطلقها على مثل تلك العلاقة التي يقدمها الاتحاد الأوروبي "لشركائه" المتوسطيين. الاتحاد الأوروبي يشرع، والدول المتوسطية تنفذ. إذا تأملنا وثيقة الاستراتيجية الأوروبية تجاه الدول المتوسطية، فإننا سرعان ما سنكتشف الإجابة على التساؤلات التي طرحناها. فهذه الوثيقة تتضمن مواضيع جديدة سبق أن رفضت الدول المتوسطية قبولها، وتضمنها إعلان برشلونة ومشروع الميثاق، كما أن الاتحاد الأوروبي أراد القفز فوق اطار المشاركة، ووضع "أجندة" جديدة للتعاون الأوروبي المتوسطي لا تسهم فيها الدول المتوسطية بشيء. لعل أول المواضيع الجديدة التي جاءت في وثيقة الاستراتيجية الأوروبية هو سعي الاتحاد الأوروبي إلى دفع الدول المتوسطية إلى تبني القيم الأساسية الأوروبية. فقد جاء في الوثيقة أن من أهداف الاتحاد الأوروبي "نشر القيم الأساسية التي تعتنقها دول الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء". وتشير الوثيقة إلى سعي الاتحاد الأوروبي إلى إلغاء عقوبة الإعدام في الدول المتوسطية، والأخطر من ذلك انها تتحدث أيضاً عن دعم التوافق بين النظم القانونية المختلفة في مجال قضايا القانون المدني المتعلقة بالأفراد، وقوانين الوراثة والأحوال الشخصية بما في ذلك الطلاق. وتعد وثيقة الاستراتيجية الأوروبية هي الوثيقة الرسمية الأولى التي تشير صراحة إلى سعي الاتحاد الأوروبي إلى تغيير القيم الثقافية والدينية للدول المتوسطية لكي تتوافق مع قيمه. ومن هنا خطورة تلك الوثيقة. فالاتحاد الأوروبي يشير إلى سعيه ليس فقط إلى إلغاء عقوبة الإعدام، ولكنه أيضاً يتحدث عن تغيير قوانين الأحوال الشخصية عموماً. والواقع أن الحديث عن موضوع تغيير القيم الدينية ليس مجرد موضوع نظري، ولكنه سياسة عملية مطبقة. فأحد الشروط التي وضعها الاتحاد الأوروبي لإنضمام تركيا إليه هو أن تقوم بإلغاء عقوبة الإعدام وتغيير قوانين الأحوال الشخصية فيها بما يتفق مع القوانين الأوروبية. ويسعى رئيس الوزراء التركي بولنيت ايجيفيت إلى إقناع البرلمان التركي حالياً بتعديل القوانين التركية في اتجاه إلغاء عقوبة الإعدام، موضحاً أنه "إذا ألغينا عقوبة الإعدام الآن، فإن ذلك يزيل أكبر عقبة أمام انضمامنا للاتحاد الأوروبي"، وذلك في حديثه أمام أعضاء حزبه. جريدة "تيركيش ديلي نيوز" في 13 حزيران يونيو سنة 2000. كذلك، فإن المسألة ليست مقصورة على الاتحاد الأوروبي، وإنما تشترط منظمة الأمن والتعاون الأوروبيين على الدول المتوسطية الشروط ذاتها. فقد دعت هذه المنظمة إلى مؤتمر عقد في الأردن في تشرين الثاني نوفمبر من العام الماضي تحدث فيه ممثل المنظمة في الجلسة الافتتاحية، موضحاً أن أولويات المنظمة في البحر المتوسط هي إلغاء عقوبة الإعدام وتأكيد حرية تغيير المعتقد الديني، والمساواة بين المرأة والرجل. كما أن المنظمة تشترط على الدول المتوسطية المرشحة للتعاون معها قبول "التقنين الإجرائي" code of Conduct للمنظمة وهو يتضمن الشروط السالفة، إضافة إلى شروط أخرى مثل حق المواطن في رفض الخدمة العسكرية. المعضلة الجوهرية في المنهج الأوروبي هي أنه يتعامل مع قضايا تتعلق بالأديان السماوية، وأن حديثه عن إلغاء عقوبة الإعدام أو تغيير قوانين الأحوال الشخصية إنما يعني تعديلاً في المبادئ الجوهرية للشريعة الإسلامية. وهو أمر كان من الجدير بالأوروبيين أن يبتعدوا عنه لسببين، الأول هو أنهم بذلك إنما يدعمون الشكوك المثارة لدى الرأي العام في الدول المتوسطية، والاتهامات التي توجهها الحركات الإسلامية حول أن أوروبا تسعى إلى فرض قيمها الثقافية على الآخرين، ومن ثم فإنهم بذلك يقدمون مزيداً من الوقود للمعركة الدائرة حول العلاقة بين الإسلام والغرب، ويعطون المزيد من المبررات لأنصار المواجهة مع الغرب في الدول المتوسطية. أما السبب الثاني فهو أن الاتحاد الأوروبي لم يقدم لنا ما يقنعنا بأن تغيير قيمنا الدينية والثقافية هو مسألة جيدة تعود علينا بالنفع. لماذا ينبغي أن نلغي عقوبة الإعدام لكي نكون شركاء متوسطيين جيدين للاتحاد الأوروبي؟ ألا يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يستوعب فكرة أن للآخرين قيماً دينية وثقافية تختلف عن قيمه؟ ويزيد من تعقيد المعضلة أن الاتحاد الأوروبي يتصور هذا التغيير في اتجاه واحد، أي قبول الدول المتوسطية للشروط الثقافية الأوروبية. وهو أمر يخرج عن منطق المشاركة. فإذا كان الملف الثقافي ضرورياً لبناء مشاركة قوية، فمن المهم أيضاً أن يفتح الاتحاد الأوروبي حواراً حول تصورات الدول المتوسطية للقيم الثقافية الأوروبية المراد تغييرها مثل الاعتراف بحقوق الشاذين جنسياً، وما إذا كان الاتحاد الأوروبي مستعداً لمناقشة سجل بعض دوله في مجال حقوق الإنسان، طالما أنه أشار في الوثيقة إلى سعيه في علاقاته مع الدول المتوسطية إلى ضمان حقوق الإنسان. الافتراض هنا أن حقوق الإنسان محترمة فعلاً في دول الاتحاد الأوروبي، وهو موضوع جدلي، وإلا كيف يفسر لنا الأوروبيون الحركات الانفصالية في أسبانيا الباسك، وإيطاليا رابطة الشمال، وفرنسا كورسيكا. كيف يمكن أن يكون الاتحاد الأوروبي معنياً بحقوق الأكراد في العراق من دون أن يكون مهتماً بحقوق سكان إقليم الباسك في إحدى الدول الأعضاء فيه؟ أليس من حق الدول المتوسطية أن تناقش بدورها قضايا حقوق الإنسان والأقليات في أوروبا بالقدر الذي يتدخل فيه الاتحاد الأوروبي في قضايا حقوق الإنسان في الدول المتوسطية، ولا يشمل ما نقوله بالطبع الأسلوب الانتقائي لإهتمام الاتحاد الأوروبي بقضايا حقوق الإنسان في الشرق الأوسط، حيث لا يهتم بتلك القضايا الا إذا كان الطرف المتهم عربياً، ويغض الطرف إذا كان المتهم هو إسرائيل ولنقارن مثلاً بين موقف الاتحاد الأوروبي من قضية اليهود الإىرانيين، وموقفه من اعتقال إسرائيل للطالبة الفلسطينية ابنة الخمسة عشر ربيعاً سميرة غزال. من ناحية ثانية كررت الوثيقة المواضيع التي كانت دائماً محل تحفظ من الدول المتوسطية منذ بدء عملية برشلونة. وينطوي بعض تلك المواضيع على سعي أوروبي لتكريس عدم التوازن في البحر المتوسط لمصلحة إسرائيل. لعل الموضوع الأول الذي جاء في الوثيقة الجديدة هو الحديث عن إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط وهو أمر ليس محل خلاف. ولكن النقطة الخلافية لا تكمن في الاتفاق على نزع أسلحة الدمار الشامل وإنما في المنهج الأوروبي لنزع تلك الأسلحة. فقد دافع الاتحاد الأوروبي عن البدء بنزع الأسلحة البيولوجية والكيميائية، ثم تأجيل نزع الأسلحة النووية إلى ما بعد اتمام عملية السلام في الشرق الأوسط. وهو أمر يعني أنه عند لحظة معينة ستكون إسرائيل الدولة الوحيدة التي تمتلك أسلحة دمار شامل في الشرق الأوسط الأسلحة النووية، وهو ما يعني تكريس عدم التوازن الراهن. ولكن الدول العربية المتوسطية أوضحت للاتحاد الأوروبي أنه من الأوفق أن يتم نزع كل أشكال أسلحة الدمار الشامل في آن واحد وفوراً. ولكن الوثيقة الجديدة جاءت لتتجاهل ذلك وتكتفي بنص عام يخفي الأوروبيون وراءه مشروعهم الحقيقي بخصوص أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط. وترتبط بذلك إشارة الوثيقة الى أهمية التعاون مع القضايا المركزية التي تعطل عملية السلام في الشرق الأوسط "مثل المياه"، واللاجئين، ومن ثم فالوثيقة لا تنص على قضية احتلال الأراضي العربية، أو احتكار إسرائيل للأسلحة النووية باعتبارها مما يعطل عملية السلام في الشرق الأوسط، كما يشير الى اللاجئين عموماً بما يعني ضمناً قبول المفهوم الإسرائيلي بأن قضية اللاجئين في الشرق الأوسط ليست مقصورة على اللاجئين الفلسطينيين وإنما تشمل ما يسمون ب"اللاجئين اليهود في البلاد العربية". كذلك فإن الإشارة إلى قضيتي المياه واللاجئين جاءت في سياق الإشارة إلى المسار المتعدد الأطراف وهو مسار لا تناقش فيه قضية الأراضي المحتلة. ولكن الاتحاد الأوروبي يعلم أيضاً أن السلاح النووي الإسرائيلي هو من المواضيع المطروحة بقوة في المسار المتعدد الأطراف. هذا بالإضافة إلى الوثيقة حين تشير إلى التحديات الأمنية عموماً في البحر المتوسط، فإنها تكتفي بالإشارة إلى قضايا الإرهاب، والجريمة المنظمة، وتهريب المخدرات، ولا تعتبر احتلال الأراضي العربية تحدياً أمنياً. معنى ذلك أن الاتحاد الأوروبي يضع أجندة للتعاون الأمني في البحر المتوسط تنسق مع أولوياته، مع عدم الالتفات إلى ما تعتبره الدول العربية تحديات أمنية ينبغي التعامل معها. ومع تقديرنا لإشارة الوثيقة إلى أهمية الدور الأوروبي في عملية السلام في الشرق الأوسط، وهو تطور ايجابي بالمقارنة بما جاء في مشروع الميثاق الأوروبي - المتوسطي، فإن الدور الأوروبي في معالجة القضايا التي تهم العرب هو دور رمزي. فقد أصدر الاتحاد الأوروبي إعلان برلين في آذار مارس سنة 1999 الذي نصَّ على استعداد الاتحاد الأوروبي للعمل على تسهيل انجاز المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية وتأكيده على حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير. ولكن الإعلان لم يتعدَ مرحلة الإعلان اللفظي ولم تتقدم أوروبا خطوة واحدة لمحاولة ترجمته إلى سياسة عملية، كما تفعل في تيمور الشرقية مثلاً، إلى حد أن هيلينا كوبان شكَّت في أن الإعلان ربما كان جزءاً من سيناريو مدروس يتقاسم فيه الاميركيون والأوروبيون دور الشرطي القاسي والشرطي الطيب بهدف مساعدة أبو عمار على تجاوز الرابع من أيار مايو من دون مفاجآت الحياة، 25 نيسان - ابريل سنة 1999. من ناحية ثالثة، فإن وثيقة الاستراتيجية الأوروبية ما زالت في شقها الاقتصادي تصر على مفهوم تحرير التجارة الأوروبية المتوسطية كطريق لتحقيق التنمية في الدول المتوسطية. فالتركيز في الوثيقة، كما هو الحال في كل وثائق المشاركة الأوروبية المتوسطية، هو على فتح الأسواق، وهو تعبير كودي يعني في الواقع فتح الأسواق المتوسطية أمام الصادرات الصناعية الأوروبية، لأن الاتحاد الأوروبي يرفض فتح أسواقه امام المنتجات الزراعية سواء الخام أو المصنعة للدول المتوسطية، ويعطي تلك الدول مهلة 12 سنة لتحديث صناعاتها ثم بعدها تنتهي التعريفات الجمركية على صادرات السلع الصناعية، ولكنه يرفض أن تعطى أوروبا المدة ذاتها لتحديث زراعاتها وبعدها يتم إلغاء التعريفات الجمركية على الصادرات الزراعية. وأشارت الدول العربية المتوسطية إلى أن الطريق الى تحقيق التنمية هو "نقل التكنولوجيا، وليس تحرير التجارة"، وهو أمر يتردد الاتحاد الأوروبي في قبوله. كما أن المبالغ الهائلة التي وضعها ضمن برامج تحديث الصناعة في الدول المتوسطية لم يتم انفاق سوى 25 في المئة منها نظراً للشروط الصعبة التي يضعها الأوروبيون لتحديث تلك الصناعات. اعتقد أن على الدول العربية الأعضاء في عملية برشلونة أن تنظر بجدية إلى الاستراتيجية الأوروبية الجديدة، وأن تدخل في حوار حقيقي مع الاتحاد الأوروبي حول هذه الاستراتيجية لاستكشاف دلالات اصدارها في هذا التوقيت. واعتقد أن الأوروبيين يمكن أن يكونوا مستعدين لإجراء تعديلات على استراتيجيتهم اذا ما وجدوا من الطرف العربي جدية في التعامل. كذلك فإنه آن الأوان إلى نقل مستوى التنسيق الجزئي بين الدول العربية الثمان الأعضاء في عملية برشلونة إلى مستوى مؤسسي من خلال صوغ وثيقة استراتيجية عربية تجاه مشروع المشاركة الأوروبية المتوسطية تحدد الأطراف والسياسات العربية تجاه تلك المشاركة، وتكون أساساً لحوار استراتيجي مع الاتحاد الأوروبي. * كاتب مصري.