تشبه أميمة الخليل كثيراً، شكلاً ومضموناً، أغنيتها "عصفور" التي اشتهرت بها، خلال مسيرتها الطويلة، مع مارسيل خليفة. هذا ما يحسه من يستمع إلى عملها الجديد، "أميمة"، الذي تعاونت فيه موسيقياً مع زوجها الملحن والعازف هاني سبليني، وهو الأول "المستقل" لها مذ وقفت، وهي في الثانية عشرة، على المسرح مع "فرقة الميادين"، نهاية السبعينات. عندما غنّت أميمة، مطلع الثمانينات، "عصفور"... ها الذي أطل من الشباك يسألها إيواءه، فتحاكيه هي بلغة جناحيه الطليقين، أملاً وزرقة سماء وحرية، كانت مثله تتلمس، بصوتها الشجي الدافئ الحاضر في الوجدان والنابع من شغاف القلب، فسحة إلى فضاء بعيد. فكان فضاء "الميادين" ومارسيل خليفة الذي راح يتسع، حتى لم تعد مدينة أو ساحة في العالم إلا تفيّأته، وطارت شهرة الجميع في الأقطار الأربعة، فناً ملتزماً جاداً، عنوانه الأول الأخير الإنسان، ليس إلا. ولأنها تعي هذه الحقيقة، ضمت عصفورها هذا إلى اسطوانتها الجديدة، تحية إلى "الطائر الكبير" مارسيل خليفة، وكذلك إلى كبار حلّقوا في فضاء الموسيقى الرحب، من مثل سيد درويش وفريد الأطرش وأسمهان... والتراث. تحية ردت، مسبقاً، على أقاويل وأخبار مفادها أن حبل الود مقطوع بين "الطائر" و"العصفور"، لتقول إن تجربتهما مستمرة، وإن اختلفت الأسماء والظروف، وإن غداً لناظره وسامعه قريب، لأن ثمة أعمالاً مشتركة بينهما سترى النور قريباً. استقلت أميمة؟ نعم. ولكن لم تتمرد. انسلخت عن ماضٍ؟ كلا، بل بقيت في المناخ الملتزم الجاد، ولوّنته، موسيقياً، بروح العصر، مواكبة هاني سبليني على الطريق التي شقها زياد رحباني، واختار هو وأتراب كثر السير فيها، لكل أسلوبه وشخصيته. أما التجربة الجديدة، وإن ما زالت في بدايتها، فتبدو مقوماتها واضحة: نص ملتزم متنوع، فيه مكان للحب والثورة والغرابة، ونغم يتطلع إلى الغد من دون انقطاع عن الأصالة، وتوزيع موسيقي مشبع بما اختزنت ذاكرة سبليني وعلمه وتجربته من أنماط تداخلت في ما بينها لديه ليحقق بها أسلوباً خاصاً بخاصة "عصفور" و"يا حبيبي تعال الحقني"، وصوت معبر بالقدرة التعبيرية نفسها التي عرفت بها أميمة مع خليفة، وأداء سليم ثابت يستمر متميزاً، ولو من دون مصاحبة آلات موسيقية... و"لوك" شكل جديد تشبه فيه أميمة ما تؤديه، كأنهما ولدا توأمين، من رحم هذه التجربة. أميمة الخليل، في "أميمة"، هي "العصفور" نفسه الذي لجأ إليها، صغيراً، فدلته إلى الغابة الواسعة فطار إليها... وبقيا صديقين. ولما كبرت لحقت به، على "أمواج الحرية التي تلمع"، و"كسّرت" بمحبة قفصها وصوتها وجناحيها... وبقيت وفية ل"حبسها" الذي ما كان إلا بيتاً.