«أنا من عائلة لا تهوى الموسيقى فقط، بل تمتهنها» هكذا يروي الملحن هاني سبليني (43 سنة)، علاقته بالآلة الموسيقية عندما كان مثله المحتذى في صغره والده عازف القانون محمد سبليني، وقريبه عازف الناي سمير سبليني، ونظرة اللبنانيين إلى الفنِ والموسيقى في فترة الثلاثينات والأربعينات أثرت برأيه على إمكانية دراسته للموسيقى وحسب. فوالده تأثر بالنظرةِ ذاتها من المجتمع له: «ممنوعٌ على أهلِ بيروت أن يمتهنوا الموسيقى، تحت طائلةِ النكران والطردِ، أن تدندن مع أصحابك ليس مشكلة بل المشكلة أنْ تحترفَ الموسيقى، التي كانت رهن المسارح الصغيرة والنوادي الليلية». زمن الحرب وتزامنه مع ولادة سبليني ساهما أيضاً في عدم توجهه من صغره لدراسة الموسيقى، يقول: «برز لدي هوس بالتأليف الموسيقي في عمر الثامنة، ثم اقتنع أهلي بشراء الأورغ الكهربائي لي». سجل طفل العاشرة في تلك الفترة الإعلانات التلفزيونية وأعاد عزفها على سجيته على «الكيبورد»، ثم قام بتحصيل موسيقي من الكتب والإطلاعِ الشخصي، التقاؤه لاحقاً بصديقه الموسيقي اللبناني عبود السعدي في أواخر ثمانينات القرن العشرين حفزه على صقلِ موهبته مجدداً حيثُّ رأى فيه موهبةً تنتقصُّ إلى دراية عميقة :»ساعدني السعدي على الكتابةِ الموسيقيةِ، لأنطلق إلى احترافِ الموسيقى مع دراستي للهندسة الكهربائية». عمل هاني في عمر الثالثةِ والعشرين في مجال التصميمِ الإعلاني لدولِ الخليجِ ضِمْن كل ما يتعلق ب»المكساج، المؤثرات الخاصة، الموسيقى و خلط الغناء بها». أول إعلان لكوكا كولا في لبنان عام 1990 كان من تصميم سبليني، ثم توالت الإعلانات الأخرى لأهم المنتجات على التلفزة بما فيها شركة الاتصالات «زين» إلى آخر إعلان لها في رمضان الماضي «قطورة الندى»، الكوربورت هو أحد أنواع الإعلان الأخرى التي عمل عليها سبليني :»هذا الإعلان له طابع أوركسترالي، يروي الحدثَ من الخلفِ، وهو هويةُ الشركةِ المعلنةِ، ويبني جدَرَانِه على الصورةِ والموسيقى»، ينمو نمطُّ الإعلانِ هذا في السوقِ الاقتصادي القوي لذا اختفى مِن بين الإعلانات العربية لتبعيته نموذج الاقتصاد العالمي. من مكتبه في المنزل يعمل سبليني عبر الإنترنيت على إنجاز عمله الإعلاني إلى الآن، أما موسيقى الأفلام الوثائقية التي عمل عليها في فيلمي «حرب لبنان»، «طوائف لبنان وأحزاب لبنان» فهو أمر آخر يحتاج إلى ارتباط وتخطيطِ مع منتج ومخرج العمل، ما لا يلح عليه الإعلان التجاري: «يرسلون الكلمات لي وأعمل على إعادة كتابتها موسيقياً أو تعديلها إن اقتضى الأمر»، الفيلم الوثائقي لا يبتعد بفكرته عن الموسيقى التي يضعها للمسلسلات التلفزيونية وآخرها المصري «رجل وست ستات»، وصعوبة الإعلانات برأي سبليني تكمن في أن الملخص المطلوب من الزبون قد يقيد العمل الموسيقي (بما أن هذا الطرف دائماً على حق)، «هكذا نريد» كلمة تواجه سبليني ويضطر أحياناً للحاق بها. فكرة العزف ظلت تلاحق الملحن والموزع الموسيقي حيث رافق المطربة فيروز كعازف بيانو لثلاث سنوات، تلى ذلك عزفه مع الموسيقي اللبناني زياد الرحباني مدة سنة على «الكيبورد» في عام 1989، وذلك ضمن عمل الرحباني لإنجاز مشروعه «على قيد الحياة»، لا يعتبر سبليني العزف مع زياد مرحلة عبور: «تعدت علاقتنا الموسيقية مرحلتها إلى الصداقة، بشفافية عالية». تجربة تركيب اللحنِّ مع الموسيقي شربل روحانا في ألبوم «مدى 1998»، استمرت خمس سنوات لتنتج عشر قطع موسيقية لآلتي الكيبورد والعود، لم يظهر بعدها العازفان سوية على مسرح واحد ل»أسباب شخصية» كما يقول سبليني. فرقة «فورث» مع السعدي هي أحد مراحله الموسيقية أيضاً، لثلاث آلات «درامز، كيبورد، كغيتار باص»، يكمل:»بدأت بعزف الجاز ثم انتقلت إلى ساحة الروك في مرحلة كانت الفرق تكاد تحصى في لبنان، عزفت الفرقة الموسيقى العالمية، وجاء التأليف الموسيقي اليوم كدافع بعد الارتجال وعزف بدائل الروك، من عام 1988 حتى 1998 عزفت الفرقة كماركة موسيقية مهمة في لبنان لتنتج ألبوم «بيروت صلصا» الوحيد لها، والآن تعود الفرقة باسم جديد «ذا كول تريو». موسيقيان لبنانيان آخران تعاون معهما: أحمد قعبور وخالد الهبر، ويرى سبليني أنه كان وراء ما جاء من أفكار في أعمال قعبور في التلفزيون وفنه الملتزم، لكنه يتوقف عن العزف ومرافقة المغنين بعد هذه المرحلة، التي وزع خلالها ألحاناً موسيقية لكل من أليسا كما في «لو تعرفوه» وكاظم الساهر، ومروان خوري، ولحن أغنية «فينو حبيبي فينو» لهشام عباس الذي يتعاون معه إلى اليوم. الفاصل بين العمل التجاري واللحن، يمسكه سبليني بحذر محاولاً عدم إفلات أي من الطرفين، وهو يرى أن من النادر أن يلتقي الأمران :»أغنية تصويرية مرهفة مقابل لحن لموسيقى تجارية، تمكنت من موازنة الأمر من خلال الإتقان والاحتراف، في سوق الإعلانات من هم أيضاً على ثقافة ودراية أكاديمية بالمهنة». يتابع :»مجتمع غامق وأسود من غير المؤمنين بالفن. لم يحبوا ألحاني، ولم أستسغ التوزيع»، بدأت مرحلة يشعر فيها الملحن اللبناني أنه يرتكب خطأ كلما كتب لحناً للوسط، على رغم أن أليسا أتت إليه بتواضع وطلبت منه توزيع ثلاث أغنيات لها، وهذا ما لا ينطبق على البعض الباقي من الوسط الغنائي العربي. انقطع سبليني عن سوق التوزيع، مفضلاً عدم الحديث عن هفواته الكثيرة، قانعاً أن مرحلته التلحينية مع شريكته الفنانة أميمة الخليل منذ عام 2000 في ألبوم «أميمة» و2005 في «يا أميمة» كفيلة بغسل شوائب المرحلة السابقة، «توبة فنية على يد الخليل» هي المسمى الذي يمكن أن يستوحى من كلام سبليني عن هذه المرحلة: «أريد أن ألحن وأعزف وراء هذه الإنسانة فقط». تنوعات موسيقية يختلط فيها الروك بالجاز هو فحوى موسيقى الشريكين اليوم، مع تجربة واحدة للتكنو لم تكرر بسبب تكلفتها وتطلبها إمكانات هائلة، وإنتاجاً صوتياً: «لم أعد أفضل العمل بهذا الأسلوب مع أني أحبه». يقدم سبليني عمله الموسيقي للخليل من دون مواربة يضعه أمامها وهي تحكم عليه إن كان مناسباً أم لا، كما لا تتدخل بالتوزيع الموسيقي، وإنما تشير إلى نقاط النقصان فقط، إن وجدت:» في أجواء الألبومين حلمت، تخيلت، جربت وتوصلت خطفاً إلى الموسيقى التجريبية». منذ أعاد سبليني توزيع أغنية «يا حبيبي تعال الحقني» كان خط آخر مغاير تماماً لأميمة بعيداً من المؤلف الموسيقي اللبناني مرسيل خليفة وفرقة «الميادين»، فسبليني أقنع الخليل بالدخول إلى عالمه، وهي فعلت، فارضاً على أجواء الأغنيات صراعه مع الروك، مع استماعه لملاحظات توجه للفرقة حول وجوب إفراد الخشبة لصوت الخليل بفرادته :»أنا حصن الدفاع عن أميمة، وبركان التوزيع الذي يغلي أمام صوتها». أما الألبوم الثالث لهما معاً فيركز على نوعية ألحان أغنية «الطبقة الوسطى» التي قدمت في بعض الحفلات ومنها على خشبة دار الأوبرا في دمشق لتختبر مع الجمهور إن كانت جاهزة للتسجيل النهائي، أو وضع أي رتوش إضافية.