كان لافتاً كلام وزير الاعلام الاردني الدكتور طالب الرفاعي عن هيمنة اعتبارات الامن القومي على اداء الاعلام الوطني، ما ساهم، الى جانب عوامل اخرى، في بقائه متخلفاً عن اداء دوره الوطني في عملية الاصلاح السياسي. فالوزير، الذي تحدث في محاضرة عن تخصيص الاعلام الرسمي، عرض الاسباب التي حالت حتى الآن دون البدء بتنفيذ هذا الجزءالمهم من برنامج الاصلاح السياسي الذي دعا اليه الملك عبدالله الثاني في كتاب تكليف حكومة السيد علي ابو الراغب. من بين الاسباب الاخرى التي لعبت دوراً في إبقاء الوضع على حاله، بحسب الرفاعي، غياب المهنية عن ادارات وكوادر المؤسسات الاعلامية المختلفة، وضعف الحياة السياسية عموماً. ولعلنا نستطيع هنا ان نزيد بأن هذه الاسباب الاضافية لا يمكن فصلها عن السبب الرئيس وراء استمرار دوران الاعلام الاردني في حلقة مفرغة منذ إطلاق عملية التحول الديموقراطي في العام 1989، رغم التحسن النسبي الذي طرأ عليه. خلص الوزير في حديثه الى ضرورة التوافق على انهاء التداخل الامني مع الاداء الاعلامي - السياسي من خلال تطوير مؤسسات المجتمع المدني في شكل يمكن معه تعزيزالثقة لجهة اتخاذ اجراءات كفيلة بإطلاق حرية التعبير التي تعتبر العمود الفقري والاداة الرئيسة للإصلاحات الديموقراطية المنشودة. ليس هناك في الاردن من يحق له المزاودة على غيره عندما يتعلق الامر بالمصلحة الوطنية العليا. فالاردنيون بمختلف مشاربهم وانتماءاتهم السياسية اظهروا، في كل مناسبة، قدراً كبيراً من المسؤولية في تفاعلهم مع التهديدات الداخلية والخارجية لجهة المحافظة على الامن العام والوحدة الوطنية. واذا كانت هناك مشكلة، فهي في السماح للإعتبارات الامنية بأن تفرض رأيها على الارادة السياسية العليا، من خارج اطار تخصصها، وان تنتقص من الولاية الدستورية للحكومة بوصفها السلطة التنفيذية التي تخضع لها كل مؤسسات الدولة. إذ ليس مقبولاً لأية مؤسسة كانت داخل الدولة ان تتخذ قرارات من دون ان تكون مستعدة ومؤهلة لتحمل مسؤولياتها المباشرة وغير المباشرة عن تلك القرارات. فالمفترض في اي دولة مؤسسات مثل الاردن هو ان لا تكون هناك صلاحيات من دون مسؤوليات سياسية وقانونية تتحملها الجهة صاحبة القرار بحيث تحاسب عليها امام الرأي العام. عدا ذلك، فإن مثل هذه الممارسات ستؤدي حتماً الى الانتقاص من سيادة القانون ومبدأ الفصل بين السلطات، وستقود الى تغول مؤسسات على الصلاحيات الدستورية لمؤسسات اخرى، فتضيع المرجعيات ومعها المسؤوليات... ليس في الاردن من يشكك في توافر الارادة السياسية العليا للمضي قدماً في تنفيذ برنامج الاصلاح، على رغم الصعوبات الكبيرة التي تواجه عملية التغيير بسبب تمترس اصحاب المصالح الشخصية وتخندق مراكز القوى التي تخشى من ان يقوض التغيير مواقعها ومكاسبها في الدولة. ولعل المقاومة الشديدة التي نشهدها اليوم لبرنامج تخصيص الاعلام تقدم مثالاً على حجم التحديات التي تواجه الاصلاح في العهد الجديد.