قال مسؤول سياسي تعاطى عن كثب في ملف تشكيل الحكومة اللبنانية، ان تأليفها بهذه السرعة القصوى كان بمثابة رد على الذين راهنوا على ان الاجواء السائدة بين رئىسي الجمهورية اميل لحود والحكومة رفيق الحريري لا تسمح بولادة حكومة سياسية جامعة بعد اقل من 24 ساعة على انتهاء المشاورات النيابية في ساحة النجمة. وأضاف المسؤول نفسه ل"الحياة" ان "البعض كان يراهن على ان الخلاف في الطباع والامزجة بين لحود والحريري إضافة الى تراكمات مترتبة على المرحلة السياسية السابقة سيعيق تأليف الحكومة سريعاً، وتبين لهؤلاء ان الاستعجال في تشكيلها أطاح كل المراهنات وأثبت مدى استعدادهما للتعاون الذي تجلى في عدم مواجهتهما عراقيل تذكر، سوى حاجتهما الى بعض الوقت لترتيب توزيع الحقائب على الوزراء". واعترف بأن "رغبتهما في التعاون اعفت المسؤولين السوريين من القيام بجهد فوق العادة لتقريب وجهات النظر بينهما". وقال: "ان الدور السوري اقتصر على اسداء نصائح معينة استجاباها، ما سهل عليهما اعلان اسماء اعضاء الحكومة"، مشيراً الى ان "البحث بينهما في اختيار اسماء اعضاء الحكومة انطلق من مبدأ الاخذ برفض النواب، خصوصاً نواب الجبل، اي تمثيل لمنطقتهم بمعظم الوزراء من خارج المجلس، إضافة الى رد الفعل الشعبي الذي طالب بمراعاة صحة التمثيل". وأكد ان لحود والحريري توافقا في مستهل اللقاء الذي عقد بينهما في بعبدا، وخصص لتقويم الاجواء التي سادت المشاورات النيابية، على وجوب الاخذ بملاحظات النواب، كاشفاً ان التوافق سهل تكثيف اللقاءات والاتصالات التي بقيت طي الكتمان، بغية التحضير للقاء الحاسم الذي عقد بينهما صباح اول من امس ومهد الطريق امام التفاهم على تأليف حكومة موسعة تتيح لهما ترجمة الملاحظات النيابية خطوات عملية. ولفت المسؤول السياسي الى ان اللقاء التحضيري لم تشتم منه اي نية لتبادل الفيتوات على بعض الاسماء، وهذا ما افسح في المجال امام توسيع رقعة الخيارات لتعزيز المشاركة في الحكومة، على قاعدة عدم وجود اسماء لديهما يمكن ان يشكل توزيرها تحدياً للآخر، ما دام عنوان الحكومة هو "الوفاق والنمو" الذي يستدعي الافادة من الطاقات مدعومة بغطاء سياسي من خلال اشراك ما امكن من القوى السياسية والحزبية. وقال: "ان اي حكومة لا يمكن ان ترضي كل اللبنانيين، بمن فيهم السياسيون لكنها يجب ان تحظى بتأييد غالبيتهم. وهذا ما اردناه عبر المجيء بحكومة موسعة يمكن الدفاع عنها من الذين شاركوا فيها". ورأى ان الصيغة الاولى التي طرحت لمشروع تأليف الحكومة فور انتهاء المشاورات ضمت 28 وزيراً. لكن لحود اقترح زيادة وزيرين ليفسح في المجال امام توزير النائب طلال ارسلان، بحجة ان من غير الجائز ان يعطى النائب وليد جنبلاط كل ما طالبه من دون ان يؤخذ منه بعض الشيء". وتابع: "ان الجهد انصب في الدرجة الاولى على جنبلاط لاقناعه بدخول الحكومة، لكنه أصرّ على موقفه، بعدما احس بعدم اسناد حقيبة وزارية اساسية اليه، واقترح تمثيله بالوزيرين مروان حمادة وغازي العريضي، وهكذا كان، علماً ان البعض رأى ان تشنج جنبلاط في الدفاع عن وجهة نظره سهل توزير ارسلان من دون ان تسند اليه حقيبة خاصة، وان الرغبة في توسيع رقعة التمثيل تتعارض مع ابعاده، في وقت يمثل ثلث الدروز في لبنان". وأكد: "ان التعديل في الحقائب اقتصر في نهاية المطاف على اسناد حقيبة الاتصالات الى الوزير جان لوي قرداحي، فسهُل سد الطريق على بروز اعتراضات طارئة، باستثناء اعتراض الارمن على حصر توزيرهم بوزير بدلاً من اثنين". وأضاف ان النائبة غنوة جلول "استبعدت من التركيبة لمنع قيام حساسية مع زملائها النواب في كتلة الحريري الذين دخلوا في منافسة على التوزير". وقال ان "الامر ترك لرئىس الحكومة ليتدبره". وبالنسبة الى القاعدة التي اتبعت لدى تأليف الحكومة، قال المسؤول السياسي "ان تسريع ولادتها كان اكثر من ضروري لتبديد الاجواء السلبية المترتبة على رد الفعل الذي ظهر على استبعاد نواب الجبل، من خلال التسريبة الوزارية التي تناقلتها وسائل الاعلام قبل يومين من بدء الاستشارات النيابية، وبالتالي من اجل نقل المناخ السياسي من حال التأزم الى الانفراج، تحت عنوان الأخذ بالملاحظات التي ابديت". وقال: "إن نشر الاسماء ألحق الضرر لبعض الوقت، لكنه في المقابل افاد لمعظم الوقت اذ سلط الاضواء على الثغر التي تم ترميمها وتداركها من خلال التشكيلة الرسمية التي اعلنت"، مؤكداً "ان القاعدة التي اتبعت اشارت في وضوح الى رغبة لحود في الاقرار بنتائج الانتخابات النيابية والى مراعاة شعور الرأي العام المراهن على عودة الحريري الى سدة الرئاسة الثالثة، التي عبر عنها النواب، اضافة الى تأمين عدة الشغل له بذريعة ان من غير الممكن ان تطلب منه ايجاد الحلول للتحديات الاقتصادية والاجتماعية من دون ان تطلق يده في اختيار معظم اعضاء فريق العمل". ولم يجد المسؤول ما يقوله في معرض سؤاله عن عدم توزير النائب الكاثوليكي الياس سكاف، خلافاً لتبريره استبعاد حزب الكتائب عن التمثيل بسبب وجود صعوبة في اختيار وزير غير رئىسه الذي رسب في الانتخابات ما دام الحزب منقسماً على نفسه. ويمكن القول إن شعور الحريري بالارتياح الى تأليف الحكومة يزيد عليه العبء في تحمل المسؤولية، وهذا ما جهر به امام زواره، بفعل جسامة المسؤولية والتحديات.