في بداية سنتنا الجامعية الأولى في كلية الإعلام، طلب منا أحد الأساتذة كتابة خبر يمكن إعتباره سبقاً صحافياً. طلب تخيل اختراع جديد وكتابة الخبر عنه، على أن يتضمن عنصري المفاجأة والجدة. فكان أن كتب أحد الطلاب خبراً عن وسيلة إعلامية تقدم صورة متحركة بثلاثة أبعاد. طال النقاش في الصف في حينه، على هذا الخبر، وأقر زميلنا أنه حلم قد يراه أحفادنا، على رغم كثرة الحديث عن محاولة التوصل إلى تلفاز يعرض الأبعاد الثلاثة للصورة. لكن التطور التكنولوجي كان له رأي آخر في هذا الإطار فلم ينتظر ولادة أحفاد زميلي، ولا انتظر ولادة أبنائه. بعد سبعة أعوام على "الخبر الحلم"، تنشر مطبوعات علمية أخباراً حقيقية ترصد فيها التطور المتوقع للانترنت. وجاء في مقالة لفيليب كيوو في مجلة "الاكسبرس" الفرنسية أن الخطوة المقبلة في رحلة الانترنت هي تزاوج "ويب" والصور بثلاثة أبعاد والعوالم الافتراضية. يلفت كيوو إلى "أننا لسنا في حاجة إلى الكثير من الأمثلة والبراهين لنثبت أن الانترنت هي وسيلة القرن ال21 الإعلامية، وتعرف بأنها "اوتوستراد المعلومات"، لكنها في حقيقتها ترجمة لفكرة بسيطة تقضي بتآلف كل آلات الكومبيوتر وشبكات الإتصال بحسب ضابط واحد لتأمين اتصال أي كومبيوتر في العالم بكل وسائل الاتصال، ومنها بالطبع شبكة الهاتف العالمية". وقصة بدايات الانترنت معروفة للجميع، فكانت مرحلتها التجريبية في نهاية الستينات، وعام 1985 لبت "آربانت" حاجة المؤسسة العسكرية الأميركية في نقل المعلومات الى ادارة شبكة الصواريخ النووية لحلف شمال الأطلسي. ثم انتشرت الانترنت لأنها جاءت في الوقت المناسب وكانت الوسيلة السهلة العالمية والعملية لانتشار المعلومات على الكومبيوتر، والوسيلة الأسرع للوصول اليها أينما وجد الباحث. وليكتمل تعريف الانترنت، لا بد من الإشارة الى أنها أعادت اختراع فكرة الضابط أو النمط العالمي الذي انتشر مع الهاتف. ولكن لمَ تُطرح الانترنت على أنها وسيلة هذا القرن الإعلامية؟ فإلى انتشارها اللافت، تعتبر وسائل إعلامية عدة في واحدة، وهي بالنسبة الى الجمهور العريض ربما الوسيلة الأقل كلفة الى تدني كلفتها كثيراً ما تستخدم في الجامعات والمؤسسات، فلا يدفع الطلاب أو الموظفون ثمن تشغيلها، وخدماتها كثيرة أبرزها البريد الالكتروني، وغرف النقاش، واحتواء ملفات المعلومات، والاتصال بآلات الكومبيوتر، وزيارة قواعد البيانات، كما قدم "ويب". أما التقدم الأساسي الذي جاءت به الانترنت فهو أنها أدخلت الى عالم وسائل الاعلام وثائق نصية، وصورية، وسمعية - بصرية، وصوتية، وافتراضية، وجعلت التفاعل بينها ممكناً. لكن الميزة الأساسية للانترنت تبقى أنها تمكن من تقديم كل الخدمات التي توفرها الوسائل الأخرى، وتخطتها. وعلى رغم أن جمهور التلفزيون لا يزال كبيراً، ولا تزال هذه الوسائل الاعلامية محببة جداً، يذكر نجاح الانترنت ببدايات التلفزيون وانتشاره على حساب الراديو. في الانترنت، كما سبق، تقدم الرسالة الاعلامية أو المعلومات بوسائل عدة: مكتوبة ومسموعة ومرئية. فهي تجمع بذلك بين ما تجمعه وسائل الإعلام الأكثر رواجاً التلفزيون والراديو والصحافة المكتوبة اضافة الى امكان التواصل بينها وتقديمها كلها في آن. وثمة رأي يقول إن الانترنت أعادت الاعتبار الى الصحافة والنصوص المكتوبة بعدما طغى التلفزيون طويلاً، من دون أن ننسى أن الانترنت تسمح بالوصول الى مصادر معلومات والاطلاع على ملفات ومطبوعات في سهولة كبيرة، ولم يكن هذا الأمر ممكناً أو سهلاً عبر الوسائل الإعلامية الأخرى. من ناحية أخرى، وعلى رغم التطور الكبير الذي عرفته وسائل الإعلام، وتغطيتها احداثاً في مختلف أنحاء العالم، حتى وصلنا الى النقل التلفزيوني والاذاعي المباشر لبعض النشاطات والأخبار، ظلت تقدم عدداً محدوداً من المحطات، وبالتالي من الخيارات. لكن الانترنت تفتح آفاقاً أوسع، وتطرح عدداً هائلاً من الخيارات. فعبرها يمكن الاطلاع على مئات، بل آلاف من المواقع عن الصحافة والتجارة والمؤسسات الأهلية، والمنظمات الدولية، وعن الموسيقى والرسم والدراسات والأبحاث الطبية والانسانية والقانونية والهندسية وغيرها من المواضيع والمجالات. ببساطة مع الانترنت نشعر أن العالم بين أيدينا، نشعر بالحرية، الحرية في الاطلاع على ما نريد والتفلت من أي نوع من الرقابة. ومعها نشعر أيضاً أننا نتعرف الى عوالم جديدة، وعبرها أيضاً تنفتح أفق التواصل مع الآخرين في سرعة. ومع الانترنت، ثمة شعور أن عصر نجومية عدد محدد من الأفراد قد ينتهي. ففيما اختصرت "الشهرة" عبر الوسائل الاعلامية القديمة على بعض الناس، يستطيع أي فرد أن يقدم نفسه عبر الانترنت، ومن خلاله "يرسم صورته". لهذه الأسباب تتقدم الانترنت على الوسائل الاعلامية التي سبقتها، وتطرح نفسها أداة اعلامية لهذا القرن. لكن ثمة سؤالاً قد يطرح مع توالي انتشار وسائل الاعلام واكتشاف وسائل جديدة في مراحل متقاربة، هل تصير الانترنت يوماً ما "موضة قديمة"؟ يجيب الباحثون أن العدد الهائل من مستخدمي الميكرو - كومبيوتر يؤمن التطور المتصاعد للانترنت، ويلفت الى تأثيرها العالمي العام ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً، وإعلان نهايتها أو هزيمتها أمر مستبعد - في الأمد القريب على الأقل - والتوجه العلمي الراهن هو نحو تطوير خدماتها. فقد وضعت في الخدمة أخيراً شبكة فقرة الاتصالات العالية السرعة. بيسان طي [email protected]