في هذا الشتاء الأول من القرن الحادي والعشرين جدّدت موضة باريس نفسها على رغم احتفاظها برموز الموضة القديمة. فلم تعد عاصمة الأناقة ترضى بالأزياء المتقنة المطرّزة يدوياً وحسب بل باتت تطمح في تحويل تصميم الأزياء الى فن تاسع. ويجد هذا الطموح التعبير عنه عبر الاتجاه صوب نوع من الفردية واستلهام الفنون التشكيلية إذ تجذب الأزياء ليس فقط محبي الموضة وإنما من يجمعون التحف الخاصة بالمتاحف أيضاً. اختار أوسكار دي لا رنتا لهذا الشتاء الفراء الفخمة والمواد الباهظة ليصمم منها موديلات فائضة الأنوثة، وقد شكّلت البنطلونات جزءاً مهماً من مجموعته بألوانها المتضاربة. أما أنغارو ففضّل الفخامة العصرية الشبابية المظهر، وأكمل التنورة المعقودة بجاكيت رصينة، وزيّن بنطال الحرير والساتان بقطع من القماش الشفاف أو معاطف الموسلين التي تكشف أكثر مما تغطي، وتعكس مجموعاته مدرسة الإغراء المتقدمة! أناقة لا ترقى إليها الشكوك من إيف سان لوران، الذي يوقظ مجدداً الحماسة بقصّاته الكاملة المتناغمة مع الألوان والقماش وبساطة تقارب الطهرانية، وكانت الصدمة في تركيز سان لوران على رسم الكتفين مع أثواب طويلة متأرجحة بقماشها الناعم. وللمساء يستخدم سان لوران مجموعة عناصر مثل "شراريب" القماش، والتخريم والتطريز والتزيين بالريش والفرو وإلصاق الرسوم على القماش، وكلها مدمجة بمهارة معلّم. وحافظ فالنتينو على خطه الأصيل، مع أناقة تتميز بالاهتمام بالتفاصيل الدقيقة، والفخامة المصقولة ببساطة نادرة. كما أبدع كريستيان لاكروا اندماجاً باهراً ومحيّراً بين العصرية والشاعريّة. وذلك في المزج اللامحدود بين الألوان، أفسح الطريق أمام التناغم والتباين مع أن تصاميمه حافظت على رشاقتها المعتادة من الخيال المبدع. من جهته، قدّم كارل لاغرفيلد نفسه في شانيل كمصمّم يختزن إبداعات لا تعرف الكلل. إذ أسبغ على أزيائه وجهاً جديداً لهذا الموسم. وتلاشت الأزرار الذهبية وظهرت الأحزمة بجلد معدني، وتحوّلت الياقات الى حواش مصقولة. وبالنسبة الى جان كلود دوكاستلباجاك، فقد حقق في هذا الموسم أحلاماً عدة كانت تراوده. إذ بعد 30 عاماً في مجال تصميم الألبسة الجاهزة، أعطته "غرفة النقابة" الضوء الأخضر ليتمكّن من تصميم الأزياء التي تندرج ضمن "الهوت كوتور". قدّر دوكاستلباجاك هذا الشرف الذي أعطي له، لكن من دون التخلي عن حسّ الفكاهة وميله الى العبث في بعض تصاميمه. باختصار تظهر ال"هوت كوتور" هذا الموسم كأنها تعيد صياغة هوية جديدة لها. فقد آل المصممون على أنفسهم وضع تصاميم متّسمة بالمظهر الرّصين والمحافظ، مع طغيان واضح للألوان المشرقة والأنسجة "الهوائية". أما الحرير فهو كلمة السر في كل أزياء هذا الشتاء، وتتميّز معظم المجموعات بالتطريزات واللمسة الفنية اليدويّة التي تظهر بوضوح الجهة العصريّة للتقنيات اليدوية التقليدية.