تراجعت فرص عقد قمة رباعية في شرم الشيخ تضم اسرائيل والسلطة الفلسطينية ويحضرها الرئيسان بيل كلينتون وحسني مبارك، لمصلحة انعقاد القمة العربية في القاهرة في موعدها المحدد يوم 21 تشرين الأول اكتوبر الجاري. وعلمت "الحياة" من مصادر مصرية مطلعة، ان موضوعاً واحداً سيكون امام القمة العربية هو القدس والمسجد الأقصى، وسبل تقديم الدعم للفلسطينيين، وتصحيح مسار التفاوض الفلسطيني - الاسرائيلي. وقالت المصادر ان عمرو موسى وزير خارجية مصر سيقوم بجولة خليجية سريعة لشرح الجدول المقترح لأعمال القمة، وان البحث كله سيكون محصوراً بالقضية الفلسطينية. وبرز امس، اتصال هاتفي تم بين الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وهو الأول من نوع، أكد فيه الرئىس الأسد دعم دمشق للشعب الفلسطيني. وأوضح الناطق باسم الرئاسة السورية جبران كورية في بيان ان الأسد "استنكر الاعمال العدوانية الاسرائيلية ضد الشعب العربي الفلسطيني والمقدسات الدينية"، وانه "حمل اسرائيل المسؤولية الكاملة عن الوضع المستجد الخطير في فلسطين وعلى الحدود اللبنانية". واشار الى ان عرفات "شكر للرئيس الأسد دعم سورية للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وتضامنها معهم". وكان موسى قد أعلن اثناء زيارته الثانية الى دمشق خلال 48 ساعة انه "لا توجد قمة متوقعة في شرم الشيخ... والحدث المهم، الرئيسي والأساسي هو القمة العربية". ويبدو ان سبب تجاوز عقد قمة شرم الشيخ، هو اصرار رئيس وزراء اسرائيل ايهود باراك على اعلان الجانب الفلسطيني وقف اطلاق النار المواجهات تنفيذاً للانذار الاسرائيلي الذي انتهت مدته مساء الاثنين، ما يعني اعتراف السلطة الفلسطينية بأنها "المسؤولة عن العنف"، بينما يصر عرفات على مطالبة اسرائيل بالموقف نفسه. وبسبب هذين الموقفين المتعارضين رأى كل من كلينتون ومبارك ان الوضع لم ينضج بعد لعقد مثل هذه القمة. لكن واشنطن لم تيأس من امكان عقد مثل هذه القمة، وأكدت مصادر البيت الأبيض أن أحداً من الأطراف لم يرفض الفكرة، لكن الحماسة لها غير موجودة. وقالت إن كلينتون مستمر في اتصالاته لعقد هذه القمة، وانه استمر في اتصالاته مع قادة المنطقة حتى ساعة متقدمة ليل الاثنين من أجل تأمين عودة الهدوء. وعاود اتصالاته بهم مساء امس. ورحب البيت الأبيض بقرار الحكومة الإسرائيلية تمديد المهلة المعطاة للفلسطينيين بضعة أيام من أجل اعطاء الجهود الديبلوماسية فرصة، ووصف مسؤول أميركي القرار الإسرائيلي بأنه "خطوة ايجابية". وعبر المسؤولون الأميركيون عن بعض التفاؤل نتيجة القرار الإسرائيلي وأيضاً نتيجة المحادثات بين عرفات وأنان وإمكان عودة الهدوء إلى المنطقة. وتمنى هؤلاء المسؤولون أن يصدر عرفات بياناً يدعو فيه إلى وقف العنف وعودة الهدوء. وحتى الآن لم يغير كلينتون موعد سفره إلى بنسلفانيا ونيويورك منتصف هذا الأسبوع. وفي اسرائيل ذكر بيان صادر عن مكتب باراك انه "لم يتضح بعد ما إذا كانت هذه القمة ستعقد". وكان باراك وجه انذاراً السبت الماضي لمدة 48 ساعة الى عرفات، ولكنه مدد هذا الانذار "ثلاثة أو أربعة أيام" على رغم انه اعترف بأن الفلسطينيين لم يلبوا مطلبه ب"وقف العنف". وسخر عرفات من انذار باراك الجديد قائلاً للصحافيين: "انه انذار وراء انذار وراء انذار". واعتبر الوزير الفلسطيني نبيل شعث ان تهديدات باراك هي "اعلان حرب" على الشعب الفلسطيني. وكما تراجع باراك عن انذاره للفلسطينيين، تراجع عن انذاره للبنان، وبدلاً من تهديداته بضرب لبنان خلال 4 ساعات اذا لم يعد حزب الله الأسرى الاسرائيليين الثلاثة، أعلن امس ان اسرائيل "تحتفظ لنفسها بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين". وهو ما يعني تأجيل الرد الى أجل غير محدد، طمعاً بنجاح الوساطات الدولية والافراج عن الأسرى، فيما أعلن شلومو بن عامي وزير الخارجية بالوكالة، ان اسرائيل تطالب بالإفراج غير المشروط عن جنودها. في هذه الأثناء، كانت تحركات كوفي أنان، الأمين العام للأمم المتحدة، أبرز تحرك وساطة على الأرض، فقد اجتمع مع عرفات، ثم التقى باراك، ليعود ويجتمع مجدداً مع عرفات. ويعمل أنان باتجاهين: التهدئة ووقف المواجهات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والتوسط للافراج عن الأسرى الإسرائيليين. وفي هذا النطاق قال أمس في القدس إن الجنود الإسرائيليين الثلاثة "بصحة جيدة ويلقون معاملة حسنة"، ولم يفصح عن مصادر معلوماته. ورحب انان بتمديد مهلة الانذار، وقال في مؤتمر صحافي مشترك مع باراك في القدس. وبدأت الديبلوماسية البريطانية تحركاً جديداً أمس، بالإعلان عن جولة سيبدأها روبن كوك وزير الخارجية إلى المنطقة تقوده إلى إسرائيل والسلطة الفلسطينية والأردن وسورية. ولكن تمديد الانذارات الإسرائيلة، أو التراجع الضمني عنها، لم يخفف كثيراً من وطأة الاشتباكات والهجمات على الفلسطينيين، وقالت مصادر طبية ان 39 فلسطينياً اصيبوا بجروح، بينهم ثلاثة في حال الخطر في رام الله. فبعدما أعلن باراك تمديد الانذار للفلسطينيين، أعطى "أوامر للجيش لتوسيع حقل عملياته من أجل حماية الجنود والمدنيين بكل الوسائل المناسبة"، حسبما أعلن اسحق هرتسوغ الأمين العام للحكومة في بيان رسمي. وأفادت الاذاعة ان الجيش "تلقى تعليمات باستخدام المصفحات والمروحيات القتالية". وفي الوقت نفسه قدم ارييل شارون زعيم حزب ليكود المعارض، دعمه للحكومة من الخارج "طالما أن موجة العنف الفلسطيني مستمرة"، وأضاف ان "الحكومة يجب أن تكون هجومية أكثر". وأبقت الحكومة الإسرائيلية على اغلاق الأراضي الفلسطينية وحصارها، بعدما كانت أعلنت أن الاغلاق سينتهي مساء الاثنين مع انتهاء عيد الغفران، وقررت، بحسب الاذاعة، الرد من الآن وصاعداً "بعدوانية"، كما قررت الحد من تنقلات المسؤولين الفلسطينيين عبر أراضيها، واغلاق المعبر الآمن الذي يربط قطاع غزة بالضفة الغربية، وتمديد اغلاق مطار غزة حتى اشعار آخر. وبرزت أمس بشكل أوضح نشاطات المستوطنين العدوانية، فسعى مستوطنو كريات أربع قرب الخليل إلى قطع الطريق إلى قرية حلحول، وهاجم مستوطنون قرية يتما قرب نابلس، وهاجموا الأهالي وسقط جريحان حسبما أفاد شهور عيان، وتظاهر الفلسطينيون في نابلس مطالبين بالثأر. وأعلن مسؤول في جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني ان مستوطنين يحرسهم جنود إسرائيليون هاجموا الشاحنات الفلسطينية عند معبري ايريز وكارني في قطاع غزة، وأحرقوا 20 شاحنة وحطموا عشرات السيارات. في غضون ذلك، بدأت منظمات حقوق الانسان تحركاً للبحث في الانتهاكات الاسرائيلية وعمليات القتل، في المواجهات الاخيرة. واعلنت الاممالمتحدة في جنيف امس، ان جورجيو جاكوميلي المقرر الخاص للامم المتحدة سيتوجه اليوم الى المنطقة في زيارة تستمر خمسة ايام، للتحقيق في انتهاكات محتملة لحقوق الانسان. واعربت لجنة حقوق الانسان عن "قلقها البالغ" بشأن الوضع. وستجتمع لجنة حقوق الانسان منتصف الاسبوع المقبل في جنيف في جلسة خاصة لبحث الانتهاكات الاسرائيلية، بطلب من 35 دولة من اصل 53 دولة اعضاء في اللجنة. وفي لندن طلبت منظمة العفو الدولية فتح "تحقيق دولي مستقل وعاجل" من جانب الاممالمتحدة بشأن المدنيين الذين قتلوا منذ 29 ايلول سبتمبر في اسرائيل والاراضي المحتلة وجنوب لبنان. وأرسلت منظمة العفو وفداً الى اسرائيل والاراضي الفلسطينية للتحقيق في اعمال العنف.