إستيقظ مازن صباح أحد أيام الشتاء ونظر من النافذة فإذا القرية كلّها بيضاء. الطرقات بيضاء. الأشجار بيضاء. السطوح بيضاء. والجبال البعيدة بيضاء. هَمَّ مازن بالخروج من البيت كي يلعبَ على الثلج، لكنه امتنعَ عن ذلك عندما تذكّر كلام الطبيب. فقد قال الطبيب ليلة البارحة: - مازن مُزكِّم، ولا يجوز أن يتعرّض للبَرْد. عطسَ مازن عطسة شديدة، وأحسّ ببرْدٍ في أطراف أصابعه فركض إلى المدفأة وتدفّأ ثم عاد من جديد إلى النافذة. رأى مازن الثلج الأبيض الناعم يغطّي أرض الشارع، ورأى أصدقاءه - غير المُزكِّمين - يتراكضون وهم يتراشقون بكُرات الثلج، ويتصايحون بمرح وحبور، فحزِنَ لأنه لا يستطيع مشاركتهم اللعب. وأشرقت الشمس فجأة، فازداد المنظر جمالاً، وحطّ رفّ من عصافير الدُّوري على إحدى الأشجار، فانهارَتْ من بين الغصون قطعة ثلج كبيرة وسقطت على طرف النافذة. فتحَ مازن النافذة ليأخذ قبضة من الثلج، فدخلَ دوريٌّ إلى البيت وجثم على الكرسي وأخذ يسعل بشكل متواصل. عندما انتهى الدُّوري من سعاله قال لمازن: - آه .. قتلني الزُّكام .. هل أجد عندك دواء لهذا السّعال؟ أجاب مازن بفرح: - أجل. ثم ركض إلى المطبخ وأحضر للدُّوري ملعقة مملوءة بدواء سائل. رشَفَ الدُّوري الملعقة رشفة واحدة، ثم نفضَ جناحيْه من الثلج العالق بهما، وطار إلى قرب المدفأة. عطس مازن في تلك اللحظة ثلاث عطسات متتالية، فالتفَتَ إليه الدُّوري مدهوشاً وقال: - هل أنت أيضاً مزكّم؟ أجاب مازن: - أجل .. وقد منَعني الطبيب من مغادرة البيت واللعب مع أصحابي في الخارج. قال الدُّوري: - لمَ لا نلعب هنا؟ فالجوّ دافئ وجميل. قال مازن: - سنلعب لعبة "الغمِّيْضة": تختبئ أنت وأبحث أنا عنك. ثم أختبئ أنا وتبحث أنت عنّي. أغمضَ مازن عيْنَيْه فطار الدُّوري إلى سطح الخزانة واختفى هناك .. بحث عنه مازن فلم يجدْه. لكنّ الدُّوري زقزق ضاحكاً فعرف مازن مكانه فقال: - إنك على سطح الخزانة. لقد خسِرْتَ. هيّا اخرج من مخبئك. قال الدُّوري: - لم أخسر. فالشرط هو أن يرى واحدنا الآخر لا أن يعرف مكانه فقط. قُل إنك فشلت في العثور عليَّ حتى أخرج من مخبئي. إضطرّ مازن أمام عناد الدُّوري، أن يعترف بأنه خسر. فقفز الدُّوري عند ذلك عن سطح الخزانة وهو يطلق ضحكة انتصار. غضب مازن من سخرية الدُّوري وطلب منه أن يُغمض عينيه، فأغمضهما. فخفّ مازن واختبأ داخل الخزانة وأطبق وراءه الباب. بحث الدُّوري عنه هنا وهناك فلم يجده. عندها أخذ مازن يغنّي من داخل الخزانة فقال له الدُّوري: - أنا أعرف أين أنت. لقد خسرت، هيّا اخرج من داخل الخزانة. قال مازن: - لن أخرج حتى تعترف بأنك فشلت. فالشرط هو أن تراني لا أن تسمعني. إعترفَ الدُّوري بفشله. فخرج مازن من الخزانة مقهقهاً .. ثم بدأت جولة لعب جديدة. قضى مازن والدُّوري ذلك النهار وهما يلعبان ويتصايحان بمرح وحبور. عند المساء، أراد الدُّوري أن يذهب إلى بيته فودَّعه مازن قائلاً: - إِنَا النِّقاء. أجاب الدُّوري وهو يطير عبر النافذة: - إِنَا النِّقاء. لم يكن باستطاعة مازن والدُّوري أن يقولا لبعضهما: "إلى اللقاء .. إلى اللقاء" .. لأنّهما كان مُزكِّمين! بَرْد البَرْدُ في التُّرابِ البَرْدُ في السَّحابِ البَرْدُ في ثيابي البَرْدُ في كتابي البَرْدُ في طعامي البَرْدُ في شرابي البَرْدُ في سؤالي البَرْدُ في جوابي أوقَدْتُ خلف بابي عوداً من الثّقابِ فأَسْقَطَ الصَّقيعا في غرفتي صريعا!!