لم يكن المناضل الليبي الشهيد عمر المختار بحاجة للفيلم الذي حققه عنه المخرج السوري الأميركي مصطفى العقاد بعنوان "أسد الصحراء" لكي يدخل مسرح التاريخ من بابه العريض. فالحال ان المختار كان اسطورة من اساطير العمل الثوري النضالي خلال الثلث الأول من القرن العشرين، بفيلم او من دون فيلم. فالحال ان ذلك المجاهد الذي صوره "اسد الصحراء" من ابطال رعاة البقر وكمتمرد يصر على الفعل بعناد مشاكس حتى ولو كانت الهزيمة هي النتيجة الحتمية لعمله، كان في الحقيقة نموذجاً للعناد الوطني، وللفعل الخلاّق، وللداب النموذجي، وسط وضعية امتلأت بالانشقاقات وأعمال الغدر. لقد جاء القبض على عمر المختار من قبل جنود الجنرال الايطالي غراتسياني، واعدامه يوم الخامس عشر من ايلول سبتمبر 1931، ليضع حداً لحياة من الكفاح الثوري من اجل حرية الوطن. فعمر المختار ظل يجاهد من 1911 حتى يوم اعدامه، وإذا كان التاريخ قد خلّد لنااسمه، من دون اسماء سائر رفاقه في النضال ضد الاستعمار الايطالي، فما هذا الا لأن عمر المختار يختلف عن الكثيرين من قادة الثورة الوطنية الليبية في كونه مثقفاً اتى من صفوف الشعب لا من رحم التجمعات القبلية التي كانت تقاتل الايطاليين حيناً وتفاوضهم حيناً، وتلعب في كل الاحوال لعبة المد والجزر السياسية. كان عمر المختار من طينة اخرى: من طينة لا ترى امام اعينها سوى هدف بسيط واحد: اخراج المستعمر من تراب الوطن. ولم يكن المختار يرغب في ان يفهم اي شيء آخر. من هنا كان الايطاليون يدركون ان ذلك المدرس الملتحي، الذي ظل يحمل السلاح ويقود المجاهدين على رغم تقدم السن به، يشكّل خطراً كبيراً عليهم، في وقت عرفوا فيه - بين الحين والآخر، وباغراءات شديدة التنوع - كيف يطوّعون الكثيرين من قادة الحركة الوطنية ويستميلونهم. ولأن الايطاليون كانوا يدركون هذا، كان من الطبيعي لهم ان يسارعوا الى التخلص من عمر المختار في ذلك اليوم الحار من العام 1931 وهو الذي كان واصل القتال منذ 1922 بعد تراجع الشرائح الاخرى، وعلى الرغم من ازدياد البطش الايطالي مع وصول فاشيي موسوليني الى السلطة وتراجع السلطات الايطالية المحتلة عن الوعود والمعاهدات كافة التي كانت عقدتها مع القادة الليبيين قبل ذلك كانت هزائم عدة قد حاقت بالثوار، وفي الوقت نفسه كان الايطاليون قد اصيبوا بدورهم بالعديد من الهزائم. وعند بداية العشرينات بدا وكأن الثورة اجهضت تماماً. غير ان عمر المختار تسلّم، الى جانب رفاقه من امثال يوسف ابو رحيل وعثمان الشاوي، قيادة الجهاد، فاستأنف القتال من جديد وراح الكرّ والفرّ يتعاقبان، الى درجة بدا معها وكأن الايطاليين على وشك الانهزام، وذلك طوال تسعة اعوام كاملة كان خلالها المختار ينتقل من منطقة الى اخرى مؤلباً الشعب على الثورة ضد هذا المحتل. وأدرك الايطاليون ان التفاهم غير ممكن مع هذا النوع من الثائرين، ولهذا، ما ان تمكنوا من القرض عليه قرب بنغازي حتى اعدموه في سلوك على بعد ستين كيلومتراً الى الجنوب من بنغازي واضعين بهذا نهاية لحياة اسطورية.