ساد الرعب والهلع الجزء الغربي الجنوبي من مدينة بيروت، ظهر امس، حين أطلق مسلح ينتمي الى احدى المجموعات الاسلامية الأصولية المسلحة قذيفتي "آر.بي.جي." على السفارة الروسية في كورنيش المزرعة، أحد الشرايين الأساسية للعاصمة اللبنانية، واحتجز من مبنى مطل على السفارة بعض افراد عائلة وأطلق منه الرصاص وقنابل يدوية على القوى الأمنية فقتل واحداً وجرح سبعة، اثنان منهم جروحهما بالغة، الى ان تمكنت قوى الأمن بمساندة وحدة من الجيش من اقتحام المبنى بعد زهاء ساعة ونصف ساعة وقتل المسلح. وضبط في المكان قاذف "آر.بي.جي." وبندقية كلاشنيكوف وعدد من القنابل اليدوية وأوراق في حوزة المسلح تدلّ الى انه ارتكب العملية دفاعاً عن الشيشان. وعثر في حوزته على رسالة وداع موجهة لأبنائه ويهاجم فيها روسيا وهجومها على غروزني، وأنه يريد قتل ما أمكنه من الروس دفاعاً للشيشان وانتصاراً وانتقاماً للهجوم عليها. وكان يحمل في جيبه بياناً بعنوان "نداء غروزني" يؤكد فيه أنه أراد الإستشهاد من أجلها. وتبيّن انه فلسطيني اسمه احمد رجا ابو خروب، وملقّب بأبي عبيدة، من مواليد 1969 في مخيم النبطية وينتمي الى "عصبة الأنصار" بزعامة احمد عبدالكريم السعدي الملقب ب"أبو محجن" المحكوم غياباً بالاعدام في قضية اغتيال الشيخ نزار الحلبي رئيس جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية "الاحباش"، ومقيم في حيّ الطوارئ المعروف بحي "أبو محجن". ويُعتبر من اقرب المقرّبين الى المسؤول العسكري في العصبة الملقب ب"ابو عبيدة" ايضاً. وأجمعت المعلومات وشهود عيان ل"الحياة" على ان شخصاً كان متخفياً في مبنى العريسي المعروف بمبنى "العجة"، قرب ثكنة الحلو، على بعد نحو مئة متر شمال السفارة المشرف عليها. وبعيد الحادية عشرة والنصف قبل الظهر، دوّى انفجاران قويان سرعان ما تبيّن انهما من قذيفتي "آر.بي.جي." أطلقهما المسلح في اتجاه السفارة، فأصابتا حائطاً في مبناها الشرقي حيث شباك القنصلية. وراح يُطلق النار بغزارة نحو المدخل وسيارتين ديبلوماسيتين كانتا متوقفتين أمام مدخلها. فتبادل الحراس اطلاق النار معه. في حين أطلق المسلح النار على رجل شرطة كان يتولّى تنظيم السير قرب ثكنة الحلو، فقُتل على الفور. وهو العريف جهاد خليل من بلدة الفاكهة - بعلبك. وخلت الشوارع من المارة وقطعت الطرق. وتحوّلت المنطقة ساحة حرب حقيقية بعدما أقفلت الطرق المؤدية اليها وراح عناصر القوى الأمنية يُطلقون النار بغزارة في اتجاه المبنى الذي تمركز المسلح فيه واحتجز زوجة رئيس مجلس الإنماء والإعمار محمود عثمان وابنته وخادمته. المحال التجارية والمكاتب على جانب الكورنيش سادها سكون مخيف على رغم ان اصحابها والزبائن لم يغادروها اثناء المعركة التي وصلت "الحياة" الى ساحتها قبل ان تنتهي وقبل ان تصل الى المكان وحدات كثيرة من الجيش. فالمعركة أدارها اولاً عناصر قوى الأمن الذين طوّقوا المبنى ودخلوا اليه بعد ان استقدمت "وحدة النخبة" فيها وكتيبة التدخل السريع بقيادة قائد شرطة بيروت العميد وليد قليلات لاقتحام المبنى وانقاذ الرهائن. وحين حاول رجال الأمن الصعود الى الطبقة حيث تمركز المسلح، رمى قنابل يدوية عليهم ما أدى الى اصابة بعضهم. وفي الوقت نفسه، كانت وحدات من الجيش اللبناني تؤازرها المدرعات تعمل على تطويق المنطقة من اتجاهات عدة وتتمركز على أسطح الابنية واخرى سورية كانت متمركزة في محيط السفارة، في حين قام خبراء في المتفجرات بعمليات تفتيش واسعة في المنطقة خشية ان تكون مزروعة بالمتفجرات وخشية ان يكون هناك عدد آخر من المسلحين. توقّف اطلاق النار، على أصوات بعض عناصر الأمن الذين خرجوا من المبنى وأخذوا يطلبون من رفاقهم الموجودين في الشارع ايقافه، لاخراج أحد رفاقهم الذي جُرح في المواجهة، صاح بعد ذلك رجال الأمن من مدخل مبنى "العجة" قائلين: قتلناه. وقالت مصادر أمنية ان أحد رجال الأمن الذين أصيبوا ، عاجل المسلح باطلاق رشقات متتالية عليه، ورجّحت المصادر ان يكون المسلح نفسه قد أصيب ببعض شظايا القنابل التي رماها، نظراً الى ضيق المكان بين سلّم المبنى ومدخل احدى طبقاته، ما أعاق حركته وسهّل اصابته. اذ أدت العملية الى جرح سبعة عناصر من قوى الأمن، عُرف منهم المعاون مصطفى الحاج حسن، وسامر الدايخ، وبلال خياط، فان العميد قليلات أخرج المحتجزات الثلاث ونقلهن الى ثكنة الحلو، ريثما يجري تفتيش المبنى لعل مسلح آخر يختبىء فيه. ومن ثم تمّ اخراج جثته. أصحاب المحال التجارية لم يدرِ كثر منهم حقيقة ما حصل. ولم يعرفوا عدد المهاجمين، وتفاوتت تقديراتهم بين واحد وأربعة. وقال حسين صاحب مكتب سفريات ل"الحياة" "سمعنا دويّ انفجارين اولاً ثم اطلاق نار. فنظرت من النافذة فرأيت رجلاً ملثماً في المبنى المقابل في الطابق الرابع أو الخامس. ثم أطلّت خادمة سري لانكية وقالت ان هناك ثلاثة آخرين. فانتشر عندها عناصر قوى الأمن وصعدوا الى البناية". أما صاحب الصيدلية المجاورة الذي بدا خائفاً وتردد في الكلام فقال "ان المهاجمين صعدوا الى تلك البناية لان شقيقي القاضي حسن عثمان الذي قُتل في قصر العدل في صيدا محمود وسليم يسكنان فيها. لا أظن انهما مقصودان". وموظفو محل "العجة" في مدخل البناية فلم يروا شيئاً. وقالوا "حين سمعنا دويّ القذيفتين أقفلنا المحل وبقينا هنا. ولم نر احداً يدخل الى المبنى على الاطلاق". لكن موظفة أوضحت انها سمعت بعض العناصر يقولون "قتلنا واحداً وهرب الثاني". حال موظفي المصرف في الطابق الاول ليست أفضل، فهم سمعوا دويّ القذائف والرصاص في محيط المبنى ولم يعرفوا شيئاً الا بعد نحو ساعتين حين أخرجت الجثة فرأوها. وروت احدى الرهائن التي احتجزها المسلح في المبنى ان المهاجم كان يقول ان احدى أمنياته ان يقتل روسياً وانه لن يقدم على قتل نفسه أو يسلّم نفسه، انما سيدع القوى الامنية تقتله ليصبح بذلك شهيداً. وأوضح القائم بالاعمال الروسي أندريه كولياكوف، ان ثلاث قنابل يدوية سقطت في محيط السفارة الروسية وقال انه خلال تفقّده المبنى بعد الظهر امس عثر على الفجوة التي أحدثتها احدى القنابل"، مشيراً الى عودة الهدوء الى محيط السفارة بصورة كاملة".