أثار اكتشاف المخطوطات التي كتبت على لفافاتٍ من الجلد الرق وعلى البردي، وحفظت في جرار خزفية في المغاور القريبة من الطرف الشمالي الغربي من البحر الميت، عاصفة من التكهنات بين الأوساط العلمية والدينية وبين الناس البسطاء في الخمسينات. فقد راجت تصورات عن احتواء اللفافات على نصوصٍ تؤدي الى ثورة شاملة في الفهم التقليدي لنشوء المسيحية، وتعطي صورة واضحة عن تطور الديانة اليهودية. غير أن هذه "الثورة" لم تحدث، وخابت آمال الكنيسة في تقديم براهين ووثائق تاريخية تتعلق بحياة ونشاط يسوع المسيح تدعم عقيدتها وسيطرتها الروحية. وفي الوقت ذاته خابت آمال معارضي الكنيسة في العثور على أدلة تنقض أُسس المسيحية. إلا أن ذلك لا يقلل من القيمة العلمية والأهمية الدينية القصوى لهذه الوثائق في فهم الأحوال الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والدينية التي سادت في فلسطين في وقت ظهور المسيحية. استعملت منجزات العلم في دراسة مختلف الجوانب المتعلقة بمخطوطات البحر الميت التي عثر على أول نماذجها في منطقة البحر الميت بفلسطين قريباً من أريحا قبل أكثر من نصف قرن من الزمان. ومن بين القصص المثيرة لاستعمال العلوم والتكنولوجيا في دراسات مخطوطات البحر الميت، التعامل مع اللفافة المعروفة باسم اللفافة النحاسية. وقد وجدت هذه اللفافة المثيرة للجدل في العام 1952 مدفونة في مدخل المغارة رقم 3 التي سبق وأن اكتشفها البدو قبل علماء الآثار. وتكونت اللفافة في الأصل من ثلاث صفائح نحاسية رقيقة بسمك ثلاثة أرباع المليمتر، وقد تعرض النحاس الى تلف خطير بسبب التأكسد ما يعني أن لمسها كان سيؤدي الى تفتت النحاس المتآكل وتحوله الى ما يشبه التراب. لذلك عالج الخبراء اللفافة بمواد حافظة ووضعوها في خزانة زجاجية خاصة من دون أن يتمكنوا من فتح اللفافة. وبعد مداولات طويلة نقلت اللفافة الى كلية التكنولوجيا في مدينة مانشستر البريطانية لفتحها باشراف البروفسور بيكر الذي صمم جهازاً خاصاً لقطع صفائح اللفافة بشكل طولي وحفظها. وبعد انتهاء عملية تقطيع اللفافة الى شرائط والتي دامت أشهراً عدة، تبين أن طولها 4،2 متر وارتفاعها 39 سنتمتراً. وتتحدث اللفافة عن دفن وإخفاء كنوزٍ من الذهب والفضة ومواقع هذه الكنوز. ويعتقد العلماء بأن اللفافة تتحدث عن كنوز خيالية، ومن المحتمل أن تكون قد كتبت بعد العام 70 ميلادية، عام تدمير الهيكل على يد الرومان إثر إخمادهم انتفاضة اليهود الثانية. ولذلك ربما تتحدث اللفافة عن كنوز الهيكل ضمن التصور المسيحاني انتظار قدوم المسيح، وهي فكرة كانت منتشرة في ذلك العصر مهدت لظهور الدين المسيحي. ومن المعتقد أن اللفافة لا تنتمي الى منجزات الجماعة القمرانية على رغم العثور عليها في المغارات القريبة من قمران. الكاربون المشع وتحديد عمر المخطوطات وللتأكد من التحديد الصحيح لعمر المخطوطات عن طريق ما يعرف بالباليوغرافيا، أي الدراسة المقارنة للغة والخط ونوعية الرق الخ، استعمل العلماء التقنية النووية باستعمال الفحص المعروف باسم فحص الكاربون 14 المشع. ويستعمل هذا الفحص في حالة المواد العضوية فحسب مثل الخشب أو الجلد أو العظام أو أية مادة عضوية أُخرى. ويعتمد الفحص هذا على الحقيقة العلمية التي تقول أن الكاربون الذي يشكل العنصر الأساسي في المادة العضوية الى جانب الهيدروجين يوجد في الطبيعة بشكل الكاربون 12 وبكميات ضئيلة على شكل النظير المشع المعروف باسم كاربون 14 ويعني الرقم 12 أو 14 الكتلة الذرية لعنصر الكاربون. ويتكون الكاربون 14 الكاربون المشع في الطبيعة من النتروجين الموجود في الهواء بعد اكتسابه نيوتروناً جُسيم متعادل الشحنة الكهربائية وفقدانه بروتوناً جُسيم موجب الشحنة الكهربائية وذلك بتأثيرٍ من الاشعة الكونية. والكاربون المشع عنصر غير مستقر، يبلغ نصف عمره الاشعاعي 5730 سنة تتحول خلاله ذرات الكاربون المشع الى ذرات نتروجين بعد إطلاقها ألكتروناً وكمية من الطاقة. ويدخل الكاربون المشع في تركيب المادة العضوية عن طريق النبات الذي ينتقل الى الحيوان، بالتالي يمكن قياس الفترة المنقضية بعد "موت" المادة العضوية بقياس كمية الكاربون المشع المتبقية والتي تتناقص بمرور الزمن. وقد اكتشف طريقة الفحص هذه العالم فرانك لِبّي في العام 1964. غير أن هذه الطريقة لم تكن دقيقة عند بدايتها بسبب بدائية أجهزة القياس المستعملة، وكانت دقة تحديد عمر اللقى التأريخية العضوية ضئيلة وبلغت نسبة الخطأ 230 سنة، أي أن تحديد سنة "موت" المادة العضوية في لقية آثارية يمكن ان يكون أية سنة خلال فترة زمنية تمتد الى 230 سنة. غير أن نسبة الخطأ بدأت بالتقلص مع تحسن تكنولوجيا القياس بدخول الكومبيوتر والأجهزة الألكترونية المتقدمة فأصبحت 40 سنة. وقام العلماء في جامعة أريزونا أخيراً بفحص نماذج أُخذت من 18 لفافة ومن قطعتي قماش وجدت في أربع من المغارات القريبة من قمران باستعمال محلل الطيف الكتلي التعجيلي Accelerator Mass Spectrometer. وبيّن الفحص أن النصوص تعود الى فترات متفاوتة تقع بين القرن الثالث قبل الميلاد والعام الميلادي 68. وتدعم هذه النتائج التواريخ التي توصل اليها علماء الآثار، وتؤكد الفرضية القائلة بأن أصحابها خبأوها في المغارات قبل قدوم الجيش الروماني بقيادة فسبازيان الذي سحق الانتفاضة اليهودية ودمر الهيكل. الرؤية باستعمال الأشعة تحت الحمراء استعمل العلماء طريقة المسح بالأشعة تحت الحمراء لقراءة النصوص التي يصعب رؤيتها في الضوء الطبيعي الاعتيادي بسبب التغيرات التي طرأت على الحبر وجلد الرق الذي كتبت عليه النصوص. ويعتبر مدى الأشعة تحت الحمراء أوسع بكثير من مدى الضوء المرئي، ولذلك يقسم الى ثلاثة أقسام: الأشعة تحت الحمراء القريبة وتمتد من 700 - 800 نانومتر الى 2500 نانومتر، والأشعة الوسطى التي تمتد بين 2500 الى 25000 نانومتر، ثم الأشعة تحت الحمراء البعيدة، وهذه أمواج يبلغ طولها 300000 نانومتر. غير أن مدى طول الموجات المستعملة من بين أمواج الأشعة تحت الحمراء كان بحدود 1000 نانومتر حيث كان بالإمكان تصوير الحدود الفاصلة بين الحبر والورق باستعمال وسائل تصوير خاصة. وبظهور التصوير الرقمي وتطور الحاسبات الألكترونية في التسعينات تفتحت امكانات واسعة لجمع وتقييم وتحليل المعطيات التي تجمعها أجهزة القياس. بذلك أصبح بالامكان استعمال أمواج الأشعة تحت الحمراء الواقعة بين 1000 - 3000 نانومتر بهدف إظهار النصوص عن طريق التصوير الرقمي المتواصل لمسح اللقية بالاشعة تحت الحمراء. واستعملت هذه الطريقة بادئ الأمر في العام 1993 من قبل البروفسور بيرمان باسادينا - كاليفورنيا عندما تمكن من قراءة كلمة موجودة على نتفة من أبوكريف الخليقة التصقت فوقها قطعة من الرق بعد أن فشل تكنيك التصوير بالأشعة تحت الحمراء التقليدي. وأخيراً تبينت الكلمات "كتبَ كلمات نوح". والأبوكريف هي كلمة يونانية تستعمل للدلالة على نصوص العهدين القديم والجديد التي لم يعترف بقانونيتها وتسمى أيضاً الأسفار غير القانونية. فحص الخزفيات في المفاعلات النووية في فترة سابقة من هذا العام جرى في جامعة بودابست للهندسة، قسم التكنولوجيا النووية وبإشراف الدكتورة مارتا بالاّ، فحص عينات أُخذت من 25 جرة خزفية حفظت فيها مخطوطات البحر الميت لمعرفة المكان الذي صنعت فيه، وبالتالي التوصل الى معطيات مهمة تساعد في حل إشكالية تحديد موقع كتابة المخطوطات. وتعتمد الطريقة المستعملة في تحديد مكان صنع الخزف وطريقة حرقه، والمسماة بالتحليل عن طريق التفعيل النيوتروني، على قصف العينة بأشعة من النيوترونات قليلة الطاقة في مفاعل نووي، مما يؤدي الى تهييج العناصر المكونة للخزف أي رفع طاقة الذرات وتهييجها. وتقوم هذه الذرات المتهيجة بعد وقف القصف بالنيوترونات ببعث الطاقة الممتصة بشكل أشعة غاما، لتعود الى مستوى الطاقة الطبيعي قبل القصف. عندئذ يقوم العلماء بقياس الطاقة المنبعثة التي تشعها الذرات بصورة أشعة غاما. وكل عنصر يشع بشكل يميزه هو وحده، وهذا أساس التحليل النوعي للعينة. وبقياس كمية الطاقة المنبعثة، يمكن تحديد كمية وتركيز العنصر المعني في العينة، وهذا هو التحليل الكمي. وباستعمال طريقة التهييج النيوتروني، يمكن تحديد نوعية وكمية العناصر الموجودة بتركيز غير محسوس في العينة، بذلك يعطي هذا التحليل ما يسمى ببصمات أصابع الخزف. وبمراجعة أرشيفات الآثاريين التي تحوي معطيات آلاف من أنواع الخزف المعروف، يمكن تحديد مكان صناعة القطعة الخزفية المعنية، بل في بعض الأحيان تحديد الفرن الذي تم فيه حرق الفخار. ومن المعروف أن التنقيبات كشفت عن فرن لصناعة الفخاريات في موقع قمران، وبذلك قد تساعد نتائج الفحص في تحديد مصدر الجرار. وقد تحسم هذه النتائج النقاش القديم الدائر حول مصدر المخطوطات، فهناك من يقول أن الجرار جلبت من القدس وخبأت في المغارات لانقاذ الكتب المقدسة من زحف الجيش الروماني أثناء حرب اليهود في العام 66 - 70 ميلادية، وهناك من يؤكد أن المخطوطات كتبها أعضاء جماعة دينية انعزلت في قمران. وتدل النتائج الأولية على أن الاحتمال الأكبر هو أن الجرار من صنع سكان قمران ذاتها، من دون نبذ احتمال جلبها من القدس تماماً في هذه اللحظة. وتتعاون جامعة بودابست للهندسة مع الجامعة العبرية ومدرسة الكتاب المقدس Ecole Biblique لانجاز هذا البحث. بعد عقود من احتكار اللجنة الدولية المكلفة بدراسة المخطوطات لحق الاطلاع عليها، أصبح بالامكان اليوم الحصول على صور دقيقة لآلاف النتف وأجزاء المخطوطات التي لم تترجم أو تنشر بعد. وبدأت هذه العملية في أوائل التسعينات بعد أن أطلقها البروفسور ستراغنل رئيس اللجنة الدولية المكلفة بدراسة المخطوطات الذي استقال بسبب تصريحٍ له في جريدة "ها آرتس" العام 1990 أغضب الاسرائيليين، وتتوجت بطبعة خاصة على قرص CD-ROM صدرت في العام 1997 ويعني ذلك استعمال الكومبيوترات وطرق التصوير الرقمي لتحليل النصوص، ما يعطي دفعة لم يسبق لها مثيل في دراسة المخطوطات، الأمر الذي عبر عنه البعض بنقل العمل المتحفي والمختبري الى مكاتب العلماء لفك رموز المخطوطات.