البروفسور غيزا كوموروتسي Gژza Komoroczy هو رئيس قسم الدراسات الآشورية والعبرية في جامعة "لورانت أُتْفُش" للعلوم في بودابست، وهو خبير في السومريات والدراسات الآشورية وضليع في العبريات. نشط كوموروتسي في البحث والتأليف ونشر الكثير من الكتب والدراسات عن الأدب والشعر السومريين، وأدب وادي الرافدين عموماً وترجم النصوص الأدبية من لغاتها الأصلية مباشرة الى اللغة المجرية، وكان من بين أوائل العلماء المجريين الذين ترجموا نصوصاً كاملة من مخطوطات البحر الميت. نشط أيضاً في ميدان نشر العلوم المبسّطة عبر الإذاعة والتلفزيون والصحافة المكتوبة، بإعداده وتقديمه لمسلسلات شيقة عن حضارات الشرق الأوسط تربّت عليها أجيال من التلاميذ المجريين. اخترنا موضوع مخطوطات البحر الميت لإجراء حوار معه، ولمعرفة الحال الراهنة لموضوع المخطوطات الذي شغل الرأي العام لخمسة عقود ولا يزال. بعد التطورات العاصفة التي شهدها ميدان دراسات مخطوطات البحر الميت في السنوات الأخيرة ونشر المخطوطات، هل يمكننا القول ان الفضائح المتواصلة منذ نحو نصف قرن قد انتهت الآن؟ - من الناحية العلمية يمكننا القول ان موضوع مخطوطات البحر الميت قد وصل الى حال من الإستقرار، لأن كل النصوص التي وجدت في المغاور المحيطة بقمران نشرت الآن، اي انه يمكن لأي شخص في أي مكان من العالم أن يطلع على أي نصوص لدراستها من الناحية التأريخية أو الفلسفية أو الدينية، فهذه النصوص متوافرة بطبعات عدة مكتوبة أو على أقراص كومبيوتر. في الحقيقة كانت الفضائح متصلة باحتكار إصدار المخطوطات، وتبلورت حول مواقف سياسية - دولية ودينية. ومن المحتمل أن تستمر هذه المواقف بعد هذه اللحظة أيضاً، بيد أن دور هذه المواقف يضمحل باستمرار منذ نشر صور المخطوطات ونتف المخطوطات الأصلية وجعلها في متناول الجميع. ويمكن القول ان موضوع مخطوطات البحر الميت اتخذ منحى طبيعياً، فليتحاور السياسيون حول القضايا السياسية، ولينشغل المؤرخون بالقضايا التاريخية. مرّ وقت منذ أن صاغ العالِم آيزنمان وآخرون نظريات عن إعادة تفسير الجوانب التأريخية للمخطوطات وربطها بنشوء المسيحية من دون أن ينجحوا في استقطاب الكثير من علماء القمرانيات. هل نبذ العلماء كل ما جاء به آيزنمان، أم نجد فيه ما ساعد على دفع علوم القمرانيات الى الأمام؟ - دفع الشك الذي عبّروا عنه الى اقتناع الجميع بضرورة نشر كل مخطوطات البحر الميت. والشك تركّز على سعي الفاتيكان او اطراف من الكنيسة الكاثوليكية منع وصول نصوص معينة الى العلماء أملاً في إبقاء بعض المعلومات المحرجة المتعلقة بتكوّن المسيحية طي الكتمان. هذا كان الشك الذي عبّروا عنه، وقد نشرت المخطوطات أملاً في تبديد هذا الشك. من هذه الناحية كان نشاط آيزنمان عاملاً في دفع القمرانيات الى أمام، مثلما كان نشاط العالِم الإنكليزي المجري الأصل غيزا فَرْمَش الذي كان يردد في المحافل الدولية أن عدم نشر مخطوطات البحر الميت يعتبر فضيحة القرن العشرين. ويبدو ان الشكوك التي عبّر عنها آيزنمان وأتباعه عارية من الصحة. إذ بعد ان غدت المخطوطات بمتناول الباحثين اصبح من الواضح ان أحدث هذه النصوص سبقت تكوّن المسيحية بنصف قرن، اي انه لا يوجد فيها ما يتعلق بيسوع او بالمسيحية. من هذا المنطلق اذاً غدا الشك باطلاً، والفضيحة ساعدت على إعادة اهتمام الجمهور بالمخطوطات، وعلى ان تقوم اسرائيل، التي تمارس سيطرتها على موقع قمران واللقى التي عثرت فيه الموجودة في المتاحف الإسرائيلية، بتوفير ظروف طبيعية لدراسات قمران. الفضيحة كانت من دون سبب لكنها لم تكن من دون نتائج. كيف دعمت طرق الفحص العلمية والفيزيائية استنتاجات علماء الآثار؟ - عندما عثر على اللفافات في عامي 1947 - 1948، وبدأت اللقى الآثارية بالظهور اثناء التنقيبات التي انتهت في عامي 1952 - 1953 ساد اضطراب في الأوساط العلمية. فهذه هي المرة الأولى التي يعثر فيها على لفافات رق وبردي في منطقة وادي الأردنوفلسطين، ولم يتمكن أحد من تحديد عمر النصوص وكيفية تحديد عمرها. من ناحية ثانية، كان محتوى النصوص يذكّرنا لدرجة كبيرة بنصوص السجال الديني التي كتبت في القرون الوسطى. وهناك عدد من التقارير الموثوقة في السابق تشير الى وجود المخطوطات، فقد ذكر القدماء العثور على مخطوطات في هذه المنطقة وفي المغاور، وعثر البدو والرهبان المسيحيين واليهود الذين كانوا يعيشون في القدس على مخطوطات1، مثلاً وصلت "المخطوطة الدمشقية"2 الى القاهرة بعد ان عثر عليها في منطقة قمران وتمّ استنساخها، إذ عثر على نسختين من المخطوطة في القاهرة. ومن الممكن تحديد عمر المخطوطات بطريقتين: الأولى، دراسة محتواها والأسماء الواردة فيها والأحداث التي تشير اليها والخلفية الدينية والتاريخية لها. والثانية، فحص اللقى الآثارية، مثل النقود المعدن المجاورة للمخطوطات وكيف سكّت النقود، وفحص مادة المخطوطات، الرق أو البردي، وطريقة صناعتها، وفحص الحصران والسيراميك. في ذلك الوقت اثارت طريقة فحص الكاربون المشعّ اهتماماً عالمياً. وتعتمد الطريقة على تحديد كمية الكاربون المشعّ نظير الكاربون الإعتيادي. وكانت لهذه الطريقة ايجابياتها الى جانب الكثير من نقاط الضعف، ويمكن القول ان استعمال الفحص لا يعطي نتيجة قاطعة، بل يوفر معطيات تقريبية. وأجري الفحص على قطع صغيرة من المخطوطات في اوائل الخمسينات. ويتم الآن في جامعة بودابست للهندسة فحص تركيب الجرار التي عثر فيها على المخطوطات، كما اجريت فحوصات اخرى مثل دراسة اجزاء الطين المحترق عند المواقد لمعرفة مدى اختلاف المحور المغناطيسي الأرضي في ذلك الوقت عن موقعه الآن. واليوم بعد نصف قرن من البحث يمكن القول بأن تحليل محتوى المخطوطات والإستنتاج الكرونولوجي الزماني تلاقى مع نتائج الفحص التقنية والفيزيائية. وتعطي التحليلات التي اجريت على الرق والفخار معطيات متشابهة، وتؤكد ان النصوص تعود الى فترة تمتد لقرنين قبل الميلاد ولقرن بعده. اما اذا استندنا الى مضمون النصوص والعلاقة مع الأحداث التأريخية فيمكننا القول ان النصوص كتبت بين 140 ق.م. و30 ميلادية. التحديدان يتطابقان مع بعض ولا يتناقضان وهذا أمر يجلب الطمأنينة الى صحة الإستنتاجات. هل يمكن اعتبار صدور ثلاثة كتب باللغة المجرية العام الماضي، وكلها ترجمات لمخطوطات قمرانية هو تلخيص للحال التي وصل اليها علم القمرانيات، بمعنى انه حان الآن وقت تلخيص النتائج وطرح الإستنتاجات؟ - كتاب غيزا فرمش هو عمل علمي يستهدف تقديم وسيلة مساعدة في التعليم والبحث، غدا المرجع الأساسي لكل الباحثين في علوم الفيلولوجيا علم الألسنيات والأديان المقارن، وهو ترجمة للنص الإنكليزي الذي صدر قبل عقدين وأصبح نصاً قياسياً في هذا العلم. وحافظ غيزا فرمش على علاقاته بالأوساط العلمية المجرية على الدوام، واحتضنت دار نشر اوزيريس المجرية مشروع ترجمة ونشر كل اعماله، وبذلك تصدر من هذه الدار ترجمة لأحد كتبه سنوياً. الكتابين الآخرين هما ترجمات لنصوص قمران، فكتاب إدا فروليش هو ترجمة كاملة نسبياً لمخطوطات البحر الميت من دون ان تسعى الباحثة فروليش الى صياغتها كمجموعة أدبية أو وضع تعليقات إضافية على الترجمة. ولم تنشر هذه النصوص في المجر مسبقاً. اما كتابي فهو الجزء الاول من مجموعة ستضم جزءين او ثلاثة اجزاء اعمل على انجازها الآن، وهي اعادة ترجمة للنصوص التي نشرتها في كتابي الصادر في العام 1961، ويمكن القول ان صدور عدد من الترجمات في آن واحد في المجر هو امر ايجابي. تأمل عدد ترجمات القرآن او الكتاب المقدس الموجودة الآن باللغة المجرية، إذ توجد خمس ترجمات للقرآن أولها صدر في بداية القرن التاسع عشر وآخرها قبل سنوات، وبينها ترجمة علمية لروبرت شيمون. وهذا التعدد مفيد لمن يدرس نصاً ما بلغة غير اللغة الأصلية، فالترجمة ليست نقل النص من محيط لغوي الى محيط لغوي آخر فحسب. بالنسبة لنصوص قمران، فقد كتبت من دون تنقيط او تحريك، وتقع على المترجم او الباحث مهمة اكتشاف حدود الجملة، لذا لا نجد ترجمتين مشابهتين لبعض. عثر المنقّبون على الكثير من النصوص في منطقة البحر الميت، فإلى جانب النصوص العبرية والآرامية هناك نصوص يونانية ولاتينية ونبطية وحتى عربية. عن هذه نسمع القليل، ما هو تفسير ذلك؟ - قمران هو موقع سكني في الصحراء المعروفة باسم صحراء اليهودية، وهي تسمية من العهد القديم. وواحة أريحا هي الأقرب الى موقع قمران، لربما هي اجمل واحة في الشرق الأوسط، وكان لأريحا وسكانها علاقاتهم بسكان قمران. الواحة الثانية القريبة من قمران هي عين جدي والثالثة عين فسخا ومن المحتمل ان يكون المقرانيون قد سكنوا فيها ايضاً. ويسمي القمرانيون منطقتهم بأرض دمشق، ويعني ذلك ان هذه المنطقة كانت جزءاً من الشرق الأوسط بتعدد لغاتها ودياناتها وتحدرات سكانها. بقرب موقع قمران عثر المنقّبون على آثار لاجئين هربوا في زمن الإسكندر الكبير من وجه الجيوش اليونانية، كما عثروا على نصوص تعود الى التجار الآراميين الذين قطنوا شرق الأردن، وقد هربت عائلة آرامية من تعقب الرومانيين واختبأت في المنطقة وأخفت هناك ممتلكاتها. وعبر تلك الأصقاع امتد الطريق التجاري الذي استعمله النبطيون. كما اقام الرومانيون هناك معسكراً لفترات طويلة، اي ان موقع قمران كان نقطة عسكرية رومانية. وتواجد في المنطقة البدو وعرب أريحا - والبدو هم غير العرب -، وتاجر الأريحيون بالثروات المعدنية للبحر الميت ونقلوها الى مناطق بعيدة. لكل ذلك وجد علماء الآثار لقى آثارية تمثل هذه الشعوب والأقوام. لكن غالبية النصوص كانت بالعبرية والآرامية وهي تعود الى تلك الطائفة اليهودية، الى جانب نصوص قليلة تعود الى طوائف مسيحية يونانية وكذلك نصوص عربية هي نصوص اقتصادية - تجارية في أغلبها، وهناك اشارات الى وجود نصوص مسيحية عربية. وعثر العلماء على عملات معدنية من العصور كافة. هل يمكن اعتبار الإشارات التي صور على اساسها بعض العلماء القمرانيين كقوم مقاتلين استندت الى الآثار التي خلفها هؤلاء الرومان؟ - القضيتان منفصلتان. اشارت الدراسات الآثارية الى ان الحامية العسكرية الرومانية وجدت في قمران لفترة في القرن الأول قبل الميلاد، ثم جاءت الجماعة اليهودية التي انتقلت من القدس، وبعد تدمير قمران بفعل زلزال شديد خلت من سكانها الى ان سكنت مجدداً بعد نهاية الحرب اليهودية في العام الميلادي 74 اثر سقوط قلعة مصادا. من جهة اخرى، كان القمرانيون طائفة يهودية وقفت بالضد من الاتجاه اليهودي الرسمي في القدس، واعتمدت التطبيق المتطرف والحرفي للتعاليم الموسوية - الهارونية. مثل هذه الاتجاهات كانت موجودة في اماكن اخرى، وعندما اندلعت الحرب المعروفة بالحرب اليهودية في العام 69 ميلادية، وكذلك في الأعوام 132 - 135 ميلادية ابان انتفاضة بركوسيبا3 ضد الرومان، أسهمت الطوائف الدينية المختلفة في الصراع ومنهم بعض القمرانيين. فقد انضم جزء من اليهود الذين انعزلوا في الصحراء الى الثوار، متصورين ان الحرب ضد الرومان هي الشرط والمقدمة لتحقيق الحكم الذاتي الديني اليهودي. في آخر ايام الحرب اليهودية لم تستمر في القتال سوى الجماعات الأكثر تعصباً، ومن المحتمل ان يكون بعض القمرانيين قد حاربوا مع آخر جماعة تحصّنت في قلعة مصادا. والدليل على ذلك العثور على نصوص تعود الى الطائفة القمرانية في موقع مصادا. ولا يعني ذلك ان القمرانيين انتفضوا ضد الرومان، بل ان بعض القمرانيين انضموا الى الثوار الذين انطلقوا من الجليل والقدس. وقد دمّر موقع قمران على يد الجيش الروماني بقيادة فسبازيانوس الذي اصبح امبراطور روما في ما بعد. ألا توجد علاقة للحروب اليهودية بالتصورات التي وجدها العلماء في "لفافة الحرب" القمرانية؟ - تعود فترة كتابة لفافة الحرب الى نهاية القرن الثاني - بداية القرن الأول قبل الميلاد، والعدو الذي كتب عنه القمرانيون هو "الكِتّييم"، وهي تسمية الكريتاويين التي تعني بشكل اوسع القادمين من الغرب. في ذلك الوقت لم يكن لروما تأثير يذكر على احداث الشرق الاوسط، مقابل التأثير المباشر للسلوقيين - وهم الحكام اليونانيين الذين خلفوا الإسكندر المقدوني، اي ان الخلفية التأريخية للفافة الحرب تتعلق بالسلوقيين والصراعات في تلك المنطقة. ولاحقاً أطلق اسم الكتييم على الرومان ايضاً. بعد الحرب اليهودية، ولربما في النصف الاول من القرن الثاني الميلادي، اختفى القمرانيون من مسرح التأريخ. كيف استمرت الفكرة التي عبّر عنها القمرانيون بعد اضمحلال جماعتهم، ما هي تأثيرات الفكر القمراني على الطوائف الأخرى، خاصة الطوائف المعمدانية التي سكنت شرق الأردن؟ - هذا سؤال يصعب الإجابة عنه بشكل مرضٍ. الفكرة القمرانية الأساسية اي نمط حياتهم الذي مارسوه، انقرضت تماماً، الجماعة القمرانية انتهت بشكل كامل. لكن الأمر ليس بهذه البساطة، فالإنعزال الديني القمراني وجد جذوره في القرن الثاني قبل الميلاد عندما واجهت الأديان في فلسطين ازمة ثقافية حادة بسبب التأثيرات الهيلينية، وعندما اصطدم اليهود بالأفكار اليونانية. وظهرت ثلاث آراء لحل هذه الأزمة، فقالت جماعة بتحديث الدين مع الإبقاء على الأساس المعهود، الجماعة الثانية دعت الى تحديث الدين في الوقت نفسه بدأ التقارب مع الثقافة اليونانية وأخذ العناصر الهيلينية. اما القمرانيون فقد حاولوا "تحديث" الدين بإحياء التقاليد الدينية القديمة، بطريقة التشدد على اتباع التعاليم. هذه أنماط ثلاثة يمكن العثور عليها لاحقاً في الدين اليهودي وبرزت في كل منعطف وأزمة مرّ بها. وفي المسيحية ايضاً نجد عملية مشابهة عندما انقسمت الى الكنيسة الرومانية والبيزنطية في القرون الرابع - الخامس الميلاديين، وكذلك في الإسلام عندما برز الصراع على الخلافة مما مهّد لظهور شيعة علي، والشيعة يمثلون تصوراً دينياً يختلف عن التيار الإسلامي الرئيسي. من هذا المنطلق يمكن اعتبار القمرانية نوعاً من انواع رد الفعل الدينية لمشاكل التحديث او مشاكل عصر معين. في منطقة شرق الأردن نجد تنوعاً ثقافياً ودينياً كبيراً حسبما ذكر يوزفوس فلافيوس. فإلى جانب التجمعات اليهودية نجد تجمعات تكون سكانها من مزيج من اليهود والأنباط والعرب، عبروا عن ثقافات متمازجة. هذه التجمعات سارت نحو الفكر الهيليني - الروماني بعد الإحتلال العسكري الروماني وبتأثير منه، وتكوّنت الصورة الدينية المتنوعة التي تضم اليهود والمسيحيين وأتباع الديانات الجاهلية. ولم يكن العنصر اليهودي في شرق الأردن ضئيل الشأن، فأجمل المعابد اليهودية وأقدمها تقع في الأردن، وكذلك للعنصر المسيحي دوره، فقد انتشرت الأديرة المسيحية في كل المنطقة وامتدت عبر وادي الأردن الى شبه جزيرة سيناء حيث توجد أقدم الأديرة في العالم. من المعروف ان القمرانيين آمنوا بالفلسفة الثنائية التي يعود اصلها الى الثنائية البابلية والإيرانية. الى اي مدى ميّز هذا الفكر الإتجاهات اليهودية الأخرى؟ - الثنائية فكر يميّز الأديان الإيرانية، بالتحديد الزرادشتية. وجاء تدوين الأفستا في وقت تلى تدوين المخطوطات القمرانية، وكان العصر الهيليني اثناء الحكم السلوقي والأخميني يعني وسطاً ناقلاً جيداً للأفكار فانتشرت في كل الشرق الأوسط. وتعكس مخطوطات قمران الثنائية الدينية بشكل رائع، على رغم العثور على براعم الفكر الثنائي في ثنايا كتب العهد القديم، خصوصاً في كتب الحكمة. اما الصيغة الدنيوية للفكر الثنائي فتبرز في الفكر الغنوصي الهيليني. جوهر الفكر الديني الثنائي يقول بأن العالم تتحكم به قوتان الخير والشر، الضوء والظلام، الخالق وآلهة العالم المادي الشريرة، وأن التاريخ هو نتاج لصراع هاتين القوتين. من هذا المنطلق نجد اليوم ايضاً عناصر الفكر الثنائي في الإعتقاد العام، خذ مثلاً الحديث عن القوتين العظميين والمعسكرين المتضادين عندما حاول في السابق البعض تصوير الصراع بين المعسكر الإشتراكي والمعسكر الرأسمالي، او ما يجري اليوم من محاولات تصوير الصراع بين الإسلام والمسيحية، هذه كلها محاولات لا علمية تعود جذورها الى الفلسفة الدينية الإنتقائية Speculative التي انتشرت قبل نحو 3000 سنة. الثنائية القمرانية تصوّر صراع الخير والشر، النور والظلام، وتتصور هذا الصراع بأنه صراع مستمر عبر التأريخ لكنه يصل الى نقطة تمثل معركة عظمى تنتصر فيها قوى الخير، ونجد هذه الأفكار في لفافة الحرب. انه تفكير ساذج اسطوري، لكن وصف الأحداث في اللفافة أخّاذ: مسيرة الجيش السلوقي بكل التفاصيل والأسلحة وبضمنها الفيلة، ويصف القوة الخارقة للمقاتلين الذين يصيبهم الرمح فيقتلون ثم لا يلبثون ان ينهضوا فيكملون قتالهم، وبالطبع انتهى الصراع بفوز الخير والنور. الثنائية إذاً بناء فكري يحاول تفسير العالم بصراع قوتين متضادتين، جذوره إيرانية كما قلت وأعطى القمرانيون شكلاً دينياً له. 1- تشير رسالة كتبها تيموثيوس الأول 726 - 819 متروبوليتا سلوقيا على دجلة جنوببغداد هي تل عمر الحالية الى العثور على نصوص عبرية في مغارة قرب أريحا نحو عام 800، كذلك توجد اشارات في اعمال اوريغينيس الاسكندري من القرن الثالث الميلادي بصدد العثور على مخطوطات عبرية في أوان فخارية قرب أريحا. 2- عثر على المخطوطة الدمشقية قبل قرن من الزمان في جنيزة كنيس يهودي بني في العام 882 بفسطاط القاهرة، وأثبت العلماء ان هذه المخطوطة من انتاج الجماعة القمرانية. 3- بر كوسيبا قائد اليهود المنتفضين في الثورة اليهودية الاخيرة ضد الرومان، عرفه اتباعه باسم بر كوخبا اي إبن الكوكب باللغة الآرامية، وهذا الإسم اكثر استعمالاً من اسمه الأصلي.