لم يكن مروره عابراً في التاريخ المصري الحديث. فهذا الرجل الذي ولد في 1860 في قرية ابيانه شمالي الدلتا لأسرة من الأعيان، والتحق بالأزهر في 1873 بعد ان قرأ القرآن ودرس الحساب في كتاب القرية، كان من المقدر له ان يساهم، طوال الربع الاول من القرن العشرين في بناء الروح الوطنية في مصر الحديثة. من هنا حين توفي سعد في الثالث والعشرين من آب اغسطس 1937، كان من الطبيعي لكل مصري ان يشعر بفداحة الخسارة التي مني بها الوطن. منذ وصوله الى القاهرة للدراسة في الازهر، انضم سعد زغلول الذي سيصبح بعد ذلك بطل 1919 ورمزها الى حلقات مريدي جمال الدين الأفغاني وتعرف على الشيخ محمد عبده الذي عينه محرراً في "الوقائع المصرية" حين صار هو رئيساً لتحريرها. في ربيع 1882 صار سعد زغلول موظفاً في وزا رة الداخلية، غير انه سرعان ما سيطرد من وظيفته تلك بعد الاحتلال البريطاني لمصر في العام نفسه بسبب مشاركته في الثورة العرابية. وفي 1883 سيقبض على سعد زغلول وقد اضحى محامياً بتهمة الانتماء الى جمعية تدعى "الانتقام"، غير ان الافراج عنه سيتم بعد شهور، ليتفرغ في البداية للمحاماة. منذ ذلك الحين صارت سيرة سعد زغلول سيرة مناضل يواصل تنقله بين الحرمان والوظائف العليا. ويناهض الانكليز ويزيد من اشعال لهيب الانتفاضة الشعبية ضدهم: ففي 1892 عين قاضياً ودرس الفرنسية ونال شهادة الحقوق ثم تزوج من ابنة مصطفى فهمي رئيس الحكومة. وفي 1906 عين وزيراً للمعارف بعد حادثة دنشواي، فجعل همه مقارعة استبداد الانكليز والامعان في ترقية المصريين في وظائفهم، كما انشأ مدرسة القضاء الشرعي. في 1910 صار سعد زغلول وزيراً للعدل، وازدادت حدة خلافاته مع الانكليز كما مع الخديوي سواء بسواء، وانتهى الامر باقالته، غير انه اذا كان قد ترك الحكومة فانه عاد الى السياسة عن طريق الانتخابات النيابية حيث فاز في دائرتين في القاهرة. بعد الحرب العالمية الاولى شكل سعد زغلول مع العديد من زملائه ومن بينهم عبدالعزيز فهمي وعلي شعراوي وفداً اتجه في نضاله صوب المطالبة برفع الحماية الانكليزية عن مصر، فكان بذلك تأسيس حزب "الوفد" الذي قاد ثورة 1919 بزعامة سعد. وفي ربيع 1919 نفاه الانكليز الى جزيرة مالطا، لكنهم سرعان ما اضطروا الى اعادته الى مصر هو وصحبه املاً في تهدئة الثورة الشعبية التي تفاقمت. وكانت عودته مناسبة لاندلاع تظاهرات شعبية مريعة. بعد ذلك وصلت المفاوضات بين سعد والانكليز الى طريق مسدود وتحرك الشعب من جديد، فنفي الزعيم الى جزر سيشيل ثم نقل الى جبل طارق. وفي نيسان ابريل 1923 اطلق سراحه مرة اخرى. فكانت عودته الى مصر هذه المرة عيداً كبيراً انطلق فيه الشعب يكتسح الشوارع والساحات. بعد ذلك كانت الانتخابات النيابية التي اعطت اكثرية المقاعد للوفد، وفي كانون الأول ديسمبر شكل سعد زغلول وزارته البرلمانية التي سرعان ما استقالت بعد شهور، فانتخب رئيساً للمجلس النيابي الذي حله الانكليز في اليوم نفسه. وفي 1926 ائتلف سعد مع الاحرار الدستوريين ضد الملك والانكليز. وانتخب رئيساً للمجلس الائتلافي حتى وفاته في 23 آب اغسطس 1937.