من السهل ان يضحك الممثل الفكاهي الناس في ايام السلم ومن الصعب ان يفعل الشيء نفسه في عز الحرب والموت المروع والبطيء على السواء. قام بالمهمة الاولى لأكثر من ثلاثين عاماً ممثلون قلّ نوعهم في الجزائر وخارجها وكاد ينعدم وينقرض مع مسلسل رحيلهم واحداً تلو الآخر، ومن هؤلاء رويشد - الذي ختم القائمة الى حين - وبوبفرة حسان الحسني والمفتش الطاهر كولومبو الجزائر وسيراط بومدين صاحب جائزة احسن ممثل في مهرجان قرطاج المسرحي عن دوره الماراطوني في مسرحية "الاجواد" للمخرج الراحل عبدالقادر علولة. ولأن الضحك أدب اليأس… خرج الممثل الفكاهي الشاب الاخضر بوخرص من رحم الحرب والبؤس والاصقاع السفلى، وقاوم على طريقته متأثراً بمعلميه الراحلين الاولين معيداً الابتسامة والضحكة العميقة الى شفاه ونفوس الجزائريين الذين اصبحوا يخيفون بوجوههم العابسة في زمن جزائري رادف المأساة في اسمى تجلياتها التراجيدية. في لقاء جمعنا بالاخضر بوخرص بباريس بمناسبة زيارة خاصة، التقت "الحياة" "مستر بين" الجزائر كما يلقبه البعض وحاورته مُعرفة بهذا الشاب الذي تربى في احضان المسرح الهاوي - او اللامحترف - كما يفضل القول - قبل ان يتألق خلال الاعوام الاخيرة في التلفزيون والسينما. كيف يقدم الاخضر نفسه شخصياً وفنياً لقراء "الحياة"؟ - انا من مواليد عام 1965 بمدينة برج بوعريريج الواقعة شرق الجزائر، وهي مدينة عريقة بتقاليدها الغنية وبكرم وأنفة سكانها، وخرج منها علماء ومثقفون وفنانون وممثلون تجاوزت شهرتهم الحدود الوطنية، ويشرفني ان اكون من مواليد هذه المدنية التي انجبت الممثل والكاتب المسرحي القدير محمد بن قطاف. تربيت في محيط اجتماعي متواضع، واكذب اذا قلت ان عوامل عائلية معينة اثرت في توجهي المبكر نحو التمثيل. عن بداياتي الفنية… اؤكد انني لم اتخرج من معهد مسرحي ما… ووجدت نفسي امثل في المخيمات الصيفية وفي جمعية محمد بوراس الشبانية. وخلال عملي في هذه المخيمات…، اتصلت بفرق مسرحية مكنتني في وقت قياسي من تأكيد موهبتي المسرحية، ومنها فرقة "الموجة" التي اشتهرت في مدينة رغاية شرق العاصمة بفضل مجموعة من ممثليها الشبان الذين برزوا في المهرجان الوطني لمسرح الهواة الذي يقام سنوياً في مدينة مستغانم غرب الجزائر منذ عام 1967 كما تعرف، ولقد كان الممثل والمخرج عمر فطموش ابرز المسرحيين الهواة الذين شجعوني ونصحوني بالعمل والتكوين باعتبار المسرح اصعب الميادين الفنية على الاطلاق، ويحتاج الى دراية علاوة عن الموهب المبدئية. يبدو انك لا ترتاح لتعبير مسرح الهواة… لماذا؟ - بالرغم من انني لا ادعي السيطرة على كل المفاهيم الفنية في مجال المسرح الا انني لا اتردد في رفض تعبير الهاوي للرد على بعض المحترفين الذين يتباهون باحترافيتهم الى درجة السخرية من الهواة في الوقت الذي نعرف فيه ان الهواية مفهوم ينطبق على الهواة والمحترفين على السواء من جهة، كما ان التفرقة كثيراً ما تعتبر مهنية والا بداع لا يقل عند الهاوي عن مثيله عند المحترف من جهة اخرى، ناهيك عن ان هاوي اليوم يصبح محترفاً غدا. والمعروف ان هذا الخلط يكرس في بلداننا العربية بشكل فوضوي ثم ان ليس هناك ما يشجع على الاحتراف ما دام المسرح بعيداً عن اهتمامات قادة المجتمع، ولا فرق بين الهواة والمحترفين في مجتمعات متقدمة ترعى ارقى انواع الفنون. هل من تذكير بالأعمال التي شاركت فيها، وخاصة تلك التي طبعت حضورك في منتصف التسعينات في كل من رغاية وبودواو مدينتان صغيرتان تقعان شرق العاصمة بالرغم من معرفتهما للارهاب؟ - أخص بالذكر "ناس الغابة" و "الريح والمذبوحين" - وكما تعرف وبسبب ندرة النصوص - كتبت واخرجت المسرحيتين لصالح المسرح لمدينة بودواو خلال اعوام 1996 و1997 و"ملحمة فاطمة نسومر" التي كتبها الاستاذ الصادق بخوش وقدمنا هذه المسرحية في مدينة "بومرداش" الجامعية والعلمية. ومنذ 1997… مثلت في عدة سكتشات تلفزيونية نالت شهرة وطنية واخرى اذاعية، وانا بصدد الاستعداد للتمثيل في مسرحية جديدة تقدم قريباً ناهيك عن مشاركتي في ثلاثة افلام تلفزيونية وهي القطار السريع "الجزائر وتونس"، و"زواج بالمراسلة" وربما سيكون انتاجاً مشتركاً بين الجزائر ومصر" و اخيرا "شهر العسل". في شهر رمضان الكريم… انت من الممثلين الشباب الذين صنعوا سعادة المشاهدين امام اطباق الحلوى وفناجين الشاي والقهوة. كيف ترى قيمة هذه الأدوار التي قد "تقزم" موهبتك المسرحية التي اعتقد انها ليست كوميدية محضة وبالأحرى "فكاهية"؟ - لقد مكنتني هذه الادوار من شهرة انا بحاجة اليها وادخلتني الى كل البيوت، وهي اذ لا تتنافى مع قدرتي على اداء ادوار تراجيدية ودرامية بوجه عام فانني اتمنى ان تتنوع المسلسلات الرمضانية حتى تسمح لي باظهار قدراتي التمثيلية كاملة وغير منقوصة. لكنك لا تنكر انك اقرب الى الفكاهة؟ - وجدت نفسي في الفكاهة التي لم تكن اختياراً، وانا بطبعي فكاهي احب التنكيت والضحك، وليس من السهل اضحاك المشاهدين وتفادي الابتذال، والممثل الموهوب قادر على أداء ادواء كوميدية ودرامية، وشخصياً اضع الفكاهي في مرتبة الحكيم. بامكاني القيام بأدوار درامية ولكن افضل في الوقت الحالي الادوار الفكاهية لضمان شعبية اكبر ولا اريد حالياً ان "اطلق" الجهور الذي احبني ومنحني ثقته. هل من شخصية تتمنى تمثيلها بعيداً عن الأدوار الفكاهية تأكيداً لصحة موهبتك؟ - شخصية تاريخية تتناسب وقدراتي وشخصيتي، قد تأثرت كثيرا بالدور الذي قمت به كمساعد مخرج في مسرحية "فاطمة نسوم" بطلة امازيغية ومكافحة التي اخرجها سعود العايب. اللافت للانتباه في مشوارك انك تفضل كثيراً ادوار المسنين. ما السر في ذلك؟ - انهم جزء من حياتي الاجتماعية اليومية من جهة… وعربون اعتراف بالفئة التي احترمها كثيراً واعتبرها مدرستي الاولى بحكم امتلاكها للتبصر الضروري الناتج عن الخبرة والتجربة من جهة اخرى. كما ان دورك في فيلم "كرنفال في دشرة" حي قروي كان خطوة نحو شهرة جديدة… أليس كذلك؟ - بالفعل هذا ما حصل… ولقد مكنني المخرج محمد أوقاسي من توظيف تجربتي التمثيلية في التلفزيون والمسرح على السواء. بما انك احد الممثلين المحسوبين على الفكاهة… من هم الممثلون الكبار الذين تأثرت بهم…؟ - شارلو شارلي شابلن ولوي دي فيناس وستيف كاسمان ومستر بين الانجليزي. لذلك يسميك البعض "بمستر بين" الجزائر… - هذا شرف لي… وعلى فكرة انني بصدد التفكير بأعمال في نفس قالبه لكن بمشاركة ممثلين اخرين. لو اطلب منك ان تعرف بنفسك من جديد فكاهياً اثباتاً لموهبتك… ماذا تقول؟ - انا "ماصو" الفكاهة اي بناء الفكاهة. ماصو - MASON تعني البناء بالدارجة الجزائرية.