مع عودة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتانياهو من واشنطن وفشله في تخفيف حدة التوتر في العلاقة مع الرئيس الأميركي، باراك اوباما، تصاعدت الأصوات المحذرة من ان تقود حكومة اليمين الإسرائيلي الى تراجع خطير في هذه العلاقة التي لا يختلف اسرائيليان ان الدولة العبرية لا يمكنها ان تتمتع بالمكانة التي تتمتع بها اليوم في العالم من دونها. وعلى رغم اعلان اوباما وقبله نائبه، جو بايدن، خلال زيارته اسرائيل ان بلاده ملتزمة بمواصلة دعم امن اسرائيل بل ان «امن الدولة العبرية من امن الولاياتالمتحدة»، الا ان تطور الأحداث منذ الإعلان عن مشروع البناء الاستيطاني «رمات شلومو» في اثناء زيارة بايدن وحتى الإعلان عن المشروع الجديد في القدس، في اثناء لقاء نتنياهو اوباما في واشنطن، زاد القلق الاسرائيلي من خطر حقيقي على هذه العلاقة وحذر كثيرون من تأثير مواصلة السياسة التي تقودها الحكومة الحالية مستقبلاً بالتذكير على الصعيد المالي والعسكري في اسرائيل. واجمع هؤلاء على ان اسرائيل لا يمكنها تحقيق اهدافها الامنية والاستراتيجية وحتى السياسية من دون دعم أميركي. ولا يمكنها بالطبع تطوير اقتصادها وتنميته اذا ما توقف هذا الدعم. وجاء سفر وزير الدفاع، ايهود باراك، الى واشنطن مع رئيس الحكومة ولقائه مستشار الامن القومي الأميركي، جيمس جونز، ليؤكد على وجود هذا القلق. وتحمل هذه الزيارة رسالة واضحة بل ترجمة للتصريحات الاميركية بأن واشنطن ستواصل دعمها الأمني لاسرائيل وبأن امن الدولة العبرية من أمن الولاياتالمتحدة. رؤساء الحكومات الاسرائيلية، من دون استثناء، حرصوا على الحفاظ على علاقة جيدة مع الادارة الاميركية، بصرف النظر عن سياسة رئيسها ليس فقط لضمان مواصلة الدعم العسكري الذي يمنح الثقة لقادة اسرائيل من سياسيين وعسكريين بإطلاق تصريحاتهم بكل ما يتعلق بقوة الردع والتفوق العسكري، انما ايضاً المساعدات المدنية التي لا تحصل عليها اسرائيل منذ ثلاث سنوات. ووفق الوعد الذي قدمه الرئيس الاميركي السابق، جورج بوش، لرئيس الحكومة الاسرائيلية السابق، ايهود اولمرت ستزيد اميركا المساعدات العسكرية لتصل الى 3 مليارات دولار في السنة حتى عام 2018، وبناء على ذلك ارتفعت المساعدات السنوية الى 2.8 مليار دولار، وهي ستستمر في الارتفاع لمدة عشر سنوات. ولتسهيل تنفيذ هذا الوعد تودع وزارة المالية الأميركية في بداية كل سنة مالية المساعدات السنوية في حساب مع فائدة، يعود لصالح اسرائيل. وقيمة هذا الحساب 630 مليون دولار مخولة اسرائيل بأن تشتري فيها منتجات وخدمات من البلاد، ما تعتبره اسرائيل حافزاً كبير الوزن لتنمية الصناعات المحلية. خبراء اقتصاديون في اسرائيل يرفضون تسمية المساعدة التي تقدم لاسرائيل «مساعدة عسكرية» ويعتبرون هذه التسمية «مضللة» والاصح تسميتها «معونة اقتصادية» وبرأيهم انه لو لم تمنح الولاياتالمتحدة اسرائيل وسائل قتالية متطورة من انتاجها لاضطرت اسرائيل الى أن تخصص هذه الاموال من مصادرها في الموازنة بتقليص 12 مليار شيكل (الدولار الأميركي يساوي 3.7 شيكل) كل سنة على الاقل وهذا سينعكس تقليصاً للمخصصات، والامتناع عن الاستثمار في البنى التحتية، وتقليصاً لدعم البحث والتطوير، وكبحاً لجماح الاجور وفي المقابل فإن الاقتصاد الاسرائيلي سينمو بوتيرة ابطأ بكثير ومستوى المعيشة ان لم يتراجع فسيتوقف عن الارتفاع. وعندما تسمى المساعدات ب «المعونة الاقتصادية» وليس الدعم العسكري فإن ذلك ينعكس في حسابات الصادرات الاسرائيلية الى اميركا. ففي السنة الماضية وحدها صدّرت اسرائيل الى السوق الاميركية منتجات ب 17 مليار دولار واستوردت منها بضائع ب 6 مليارات دولار فقط. الفائض، 11 مليار دولار، وهو مبلغ، وفق حسابات الاسرائيليين ساعد على سد العجز المالي لاسرائيل مع دول اخرى. والدعم المالي الاميركي لا يقتصر على مساعدة اسرائيل في سد عجزها لدى دول اخرى بل يشجع هذه الدول على توثيق علاقتها الاقتصادية مع اسرائيل بصفتها «الاخت الصغرى»، كما وصفها الخبير السياسي الاسرائيلي، شمعون شيفر، الذي حذر الاسرائيليين من خطر السقوط في وهم امكان اسرائيل العيش وحدها من دون اميركا ويقول: «عندما طرحت اسرائيل بضائعها ومساعداتها في مجالات عدة في افريقيا وشرقي آسيا، ادركت قيادة هذه الدول ان خلف الاسرائيليين تقف قوة عظمى ومراكز في الولاياتالمتحدة: البيت الابيض، الكونغرس والرأي العام. ومن المهم ان نتذكر نحن هنا في اسرائيل هذه الامور، قبل ان نكون واثقين من اننا يمكننا أن نعيش وحدنا. فأولئك الذين يقترحون عدم الخضوع للإملاء الاميركي حتى بثمن تقليص نفقاتنا والاكتفاء بالقليل قد يبدون جيدين، ولكن هذه الاقوال تقترب من انعدام المسؤولية». حرب تموز وفي نقاش الاسرائيليين حول مستقبل العلاقة مع الولاياتالمتحدة الاميركية في اعقاب ما يسمى «ازمة المشروع الاستيطاني - رمات شلومو» ارتفعت الاصوات الداعمة موقفَ شمعون شيفر بالحذر من خطر «العنجهية» والتظاهر بإمكان التخلي عن اميركا بدءاً من الدعم الذي حظيت به اسرائيل للحفاظ على سياستها الضبابية تجاه مفاعلها النووي في ديمونة مروراً بالحرب على العراق ووصولاً الى حرب لبنان الثانية. عام 2006 خرجت اسرائيل الى حرب صغيرة في لبنان لكنها اضطرت ان توقع اتفاق وقف اطلاق النار مع وزيرة الخارجية الاميركية السابقة، كوندوليزا رايس، التي مررت القرار في مجلس الأمن». هذه العلاقة، وفق الاسرائيليين، تسمى ب «الارتباط الاستراتيجي» الذي لا يمكن إسرائيل التخلي عنه فهو بالنسبة اليها الاحتياط الامني الأكبر والاهم وهو مبني على سلسلة طويلة جداً من التفاهمات والاتفاقات الامنية التي وقعت على مدى سنوات. وعلى رغم عدم وجود اتفاق رسمي بين الطرفين في شأن حلف دفاعي الا ان الواضح بأن قوة الردع الاسرائيلية وقدراتها العسكرية تعتمدان في شكل اساسي على هذه العلاقة. ويرى الاسرائيليون أن فقدان هذه العلاقة سيجعل اسرائيل اكثر هامشية في الشرق الاوسط، سواء في قدراتها ومكانتها وحتى في نفوذها الاقليمي. والاهم من هذا كله القدرات العسكرية التي تتباهى بها اسرائيل اليوم، خاصة سلاح الجو، الذي لا يمر اسبوعان او شهر حتى يخرج بحملة ترويج جديدة لزيادة قدراته العسكرية، فهذه القدرات ما كان يمكن سلاح الجو امتلاكها لولا المساعدة الاميركية. ويلفت مطلعون على هذا الجانب ان اسرائيل وان كانت تنتج طائرات من دون طيار وقنابل وحتى صواريخ لكن الاهم في قدراتها العسكرية هو امتلاكها الطائرات القتالية وطائرات النقل والمروحيات. فمن دون الاميركيين لا يمكن إسرائيل ان تحظى بهذه القدرة العسكرية ولا على قطع غيار للطائرات. وامام هذا الوضع فإن اي حديث عن ضربة عسكرية لايران بمبادرة ذاتية هو مجرد وهم. فإسرائيل لن تكون قادرة على ذلك من دون المظلة الدفاعية الاميركية ومن دون الاذن.