احتفى القرن العشرون بغيابه مطالع عام 2000، والتهمت الألعاب النارية عتمة السماء الليلية. كان العالم كله يلهث وراء غابة الغياب تلك، وكأن السنوات تمحى، وكأن الأضواء التي تبعثرت فوق، سوف تؤكد على أن النهار قادم وأعني النهار بمعناه الرمزي، وبما يحمل من تفاحات الحب والخير والمحبة. لكن، وفي غيبة زمن كامل عمره مئة عام، اشتق حياته من أنفاس البشر ومعاناتهم وآلامهم وأفراحهم، كان زمن لم تحدد بعد معالم انفصاله عن الزمن الغائب، سوى بضع ساعات وثوان مجللة بالصخب وانتظار كارثة الألفية الرقمية والنووية، وآلام المعدة من تخمة مأكولات العيد، عيد رأس السنة، وغير ذلك من بهجة تعتق حمامها الوهمي في سماء فرح وهمية أيضاً. وفي كل هذا الغياب، وفي كل هذا الصخب، والانتظار المحموم لدقات الساعة الثانية عشرة لبداية عام جديد، وقرن أكثر حداثة وجدية، وألفية تحتمي بعمر مديد من اللهاث والحروب والخيبات والانكسارات، في كل هذا، كان البشر يصرخون بكامل جنونهم تحية للنسيان، وكانت اللحظة الحارقة التي انجذبت فيها الأسماع الى دقات الساعة الثانية عشرة، تومئ بالحقيقة، تلك التي ترى البشر وهم يرتعون في غابة نسياناتهم، غير آبهين بما مضى، لأن ما سيأتي قد يكون جميلاً كما توهموا. والانسان، سيد كبير في نسيانه، عظيم في غفوه وسهوه. البطل الوحيد في حياته، هو، ولا شيء آخر، لا الماضي ولا العبرة ولا الحكمة. دقت أجراس الساعة، وخفقت معها القلوب، وما من أحد في هذه اللحظة نظر بعينين عميقتين الى غابة الحياة، تلك التي تأخذ البشر الى متاهات، لا تحكمها قوانين الحب والخير والمحبة، بل تستند في وجودها الى إرضاخ البشر، ليصيروا عبيد نزعاتهم ونزاعاتهم وتهالكهم على الفراغ والمكوث في السديم، دون أن يجدوا ما يدفع بهم الى لحظة مضيئة، غير تلك التي أضاؤوها بألعابهم النارية.