هل الأسبقية للعمل السياسي الكردي هي مع المعارضة العراقية بهدف تحقيق الديموقراطية في بغداد أم أولا ترتيب البيت الكردي وتطوير التجربة في المناطق المحررة من كردستان العراق. هذه الأسئلة الملحة تجابه القيادة الكردية منذ بسط سيطرتها على المناطق المحمية في كردستان العراق وإقرار الفيديرالية من قبل البرلمان الكردستاني، خصوصاً بعد احتلال اربيل من قبل قوات صدام في آب اغسطس 1996 والضربة القاسية للمؤتمر الوطني العراقي الموحد حين تبين ان المعارضة العراقية كانت كرة بيد مختلف مراكز السلطة في واشنطن .... وهناك من قادة الأكراد من يدعي بأن الديموقراطية في بغداد هي المفتاح لحل مشاكل العراق ومنها المسألة الكردية .... ان هذه الأفكار في ظل الأوضاع الراهنة غير الطبيعية في كردستان، منطقة منقسمة الى قسمين تحت سيطرة قوتين احداهما قومية محافظة وأخرى مزيج من القومية المتفتحة واليسار الكردي التقليدي المتطور باتجاه الليبرالية والاشتراكية الديموقراطية. وما بين هاتين القوتين أفكار أخرى دينية محافظة وشيوعية ويسارية متطرفة. ان تجارب عدة في المنطقة والعالم تظهر بأن الديموقراطية وحدها ليست ضامنة لحل المشاكل المستعصية وخصوصاً القومية والدينية منها، فالنظام الديموقراطي في اسرائيل منذ تأسيسها لم يستطيع حل المسألة الفلسطينية. على العكس شن القادة الاسرائيليون أشرس حروب الاحتلال والاستيطان بحق الفلسطينيين والدول العربية بل ان إحدى الركائز الأساسية لقوة اسرائيل وسياستها التوسعة كان النظام الديموقراطي. ان الديموقراطية في تركيا تحت رحمة وشفقة الجيش بحجة حماية تركيا المعاصرة فشلت في حل المشاكل الاقتصادية، السياسية، القومية والاجتماعية. وقادة الأتراك المنتخبون شنوا أبشع حملات الإبادة الداخلية والخارجية لقمع الحركة الكردية وإخماد التطلعات القومية الكردية حتى في ما وراء حدود دولتهم. إن مشكلة ايرلندا في ظل حكم أقدم ديموقراطية في العالم لم ترَ بوادر الحل إلا بعد تطورات دولية. والأنظمة الانكليزية شنت حملات قمع ذهب ضحيتها الألوف. الأنظمة "الديموقراطية" في الهند وباكستان شنت ولا تزال الحروب ووصلت حد التهديد باستعمال الأسلحة النووية بينها مشاكل مجتمعاتهم العرقية، القومية والاقتصادية تزداد شدة وعمقاً. بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، والتوجه الديموقراطي الجديد لروسيا، لم يفلح في إخماد لهيب التطلعات الروسية القيصرية للسيطرة والتسلط ولا تزال تشن الحروب الشرسة بحق القوميات والحركات الدينية. ان النظام الديموقراطي وحده ليس المفتاح لحل المشاكل. الأهم من هذا هي العقلية وراء إدارة الديموقراطية والصراعات، والأرضية الاقتصادية والاجتماعية لتلك الأنظمة الديموقراطية. فكيف تكون الحال لو افترضنا ان المعارضة العراقية الحالية استولت على السلطة في بغداد؟ اعتقد ان القسم الكبير من الأركان الرئيسية للمعارضة نشأ في ظل حكم صدام وكانت له مسؤوليات كبيرة في اضطهاد الشعب العراقي وخصوصاً الشعب الكردي. وقسم آخر من المعارضين ترعرعوا في أجواء الغرب بعيداً عن الوطن ومعاناة الشعب. وقسم آخر دمى مصطنعة من قبل دول ذات طموحات اقليمية في العراق. يبقى قسم قليل من المعارضة والمتكون من أطراف رئيسية من الحركة الكردية وتنظيمات وأحزاب الشيعة وحركات يسارية تقليدية لهم جذور راسخة وعميقة في المجتمع العراقي. ان وضع المعارضة الحالية لا يحسد عليه ... فهي لم تعترف بعد اجماعاً بحق الأكراد في الفيديرالية، ولن تكون قادرة على حل مشاكلها ناهيك عن مشاكل العراق المستعصية والمعقدة. ان الربط الكامل للتجربة الكردية في كردستان العراق بمصير هذه المعارضة بأمل تحقيق الديموقراطية في العراق هو بمثابة "انتظار غودو". إن الديموقراطية الحقيقية هي نتاج عملية تاريخية، اجتماعية، أخلاقية وثمرة غالية للتطور الاقتصادي الحر. إن هذا لا يقلل من الأهمية القصوى لنظام ديموقراطي في بغداد بل يلقي الضوء على الواقع وما يمكن انجازه للأكراد والشعب العراقي في أعتاب العقد الأول من القرن الجاري. ان أكبر خدمة يمكن للقيادة الكردية تقديمها للشعب الكردي ومستقبل العراق هي انقاذ التجربة الكردية وتطويرها وبتعاون من القوى الحليفة في المعارضة العراقية وبدعم من الأصدقاء في الداخل والخارج. ان ترتيب أمور البيت الكردي أمر ملح وممكن قبل فوات الأوان. أولاً: التطبيع لإزالة آثار التقسيم السياسي والإداري والاقتصادي والعسكري. ثانياً: تنفيذ ورقة عمل واشنطن والعمل لتطوير هذا الاتفاق ليكون القاعدة الدولية والقانونية لتثبيت وتطوير التجربة الكردية نحو كيان كردي. ثالثاً: تشكيل حكومة موحدة لاقليم كردستان تأخذ على عاتقها إرساء أسس إدارة حضارية ديموقراطية، والمشاركة الفعلية في تثبيت الأمن والاستقرار في المنطقة، والتحضير لانتخابات جديدة للمجلس الوطني الكردستاني. رابعاً: العمل والمشاركة الفعلية مع القوى المعارضة العراقية الصديقة لإنجاح التجربة الكردية لتصبح قاعدة لانقاذ الشعب العراقي من معاناته. روتردام - جيا عباس نوري