تعكس الجهود الحثيثة التي يبذلها المسؤولون المصريون لمعالجة الأوضاع في قرية الكشح رغبة في تلافي وقوع مصادمات بين المسلمين والأقباط فيها في المستقبل. وبدا الارتياح واضحاً على أهالي القرية التي حظيت بشهرة كبيرة وصار اسمها يتردد في كل مكان وهم يشهدون مواكب الوزراء وهي تجوب شوارعها سعياً نحو وضع خطط لتحويل الكشح "قرية نموذجية" وهو التعبير الذي أطلقه وزيرا التعمير الدكتور محمد ابراهيم سليمان والتنمية المحلية السيد مصطفى عبدالقادر أثناء زيارتهما للقرية أخيراً. لكن اللافت أن "حالة كراهية" شديدة تسود أهالي القرية ضد اسم "الكشح" بعدما صاروا يعتقدون أن مجرد اسم القرية يدعو الى التشاؤم ويثير الاستياء حتى أن بعضهم يرى أن الاسم "سبب المصائب" بعد أن ترسخ لدى أهالي القرية أن "الكشحيين" يكرهون بعضهم بعضاً. ولاحظ مسؤولون ووزراء ترددوا على القرية بعد المصادمات التي وقعت بداية الشهر الجاري هناك، أن الكشحيين يأملون في قرار إداري بتغيير اسم قريتهم، وربما كان ذلك وراء الحملة الإعلامية التي تسود مصر حالياً وتصب في ذلك الاتجاه. والمؤكد أن معالجة الظروف الاجتماعية أو الاقتصادية التي يعيشها أهالي القرية ووضع أسس لتعامل سليم بين ابنائها أهم من اتخاذ أقصى الإجراءات الأمنية التي قد تمنع وقوع حوادث عنف بين المسلمين والأقباط هناك. لكنها لن تمحو احقاد وضغائن وكراهية تراكمت بفعل مرور السنين دون أن تُنتزع من القلوب، إلا أن تياراً جارفاً يرى أن تغيير اسم القرية لاپبد أن يكون البداية الأولى نحو حل معضلة الفتنة خصوصاً بعدما سعى كثيرون منهم الى العثور على تفسير لكلمة "الكشح" فكانت النتيجة أن ازدادوا اصراراً على أن تغير الأسم أصبح ضرورياًَ. فأسقف محافظة سوهاج التي تتبعها القرية الانبا باخوم أكد أن "الكشح" تعني في اللغة العربية "العداوة" أو "البغضاء" أو "الكراهية"، ورأى أن تغيير اسم القرية "سيخلق مناخاً جديداً ويزيح من قلوب الأهالي وعقولهم شعورهم الدائم بأنهم أعداء لبعضهم البعض". لكن رئيس تحرير صحيفة "الوفد" السيد سعيد عبدالخالق الذي تبنى الدعوة نفسها ذهب الى تفسير آخر أكد أنه وصل إليه بعد أن سأل الكثيرين فتبين أن كلمة "الكشح" لا معنى لها ولا تمت بصلة لأي اسم فرعوني أو قبطي أو اسلامي، وأشار الى أن القرية "عاش فيها في زمن ما أناس بسطاء تعرضوا من وقت الى آخر لغارات وهجمات من "مطاريد الجبل"، الخارجين على القانون، ونتيجة لتكاتف أهل القرية وتمكنهم من طرد المعتدين أو كشحهم وفقاً للمعنى نفسه باللهجة المصرية، أخذت القرية اسمها". وليس سراً أن كثيراً من اسماء القرى المصرية لا يرتبط بأحداث أو اسماء أو أشخاص بعينهم، بل إن بعض اسماء القرى غريب ومثير للسخرية، الأمر الذي يجعل بعض ابناء تلك القرى يعمدون إلى تغيير اسمائها إذا ما وصل أحدهم الى مركز مرموق في الدولة. لكن المصريين ما زالوا يتذكرون كيف كان الرئيس الراحل أنور السادات يعتز كثيراً بقريته ميت أبو الكوم التي تقع في محافظة المنوفية، وحينما دخل في صدامات مع معارضيه، أطلق من هناك تعبير "أخلاق القرية" الذي رأى أن أي إجراءات يتخذها ضدهم تصب في اتجاه الزامهم أن تكون تصرفاتهم متوافقة معها. وكان رد فعل السادات عنيفاً ضد من سخروا من اسم قريته، فوقف في البرلمان وفتح أمام النواب نسخة من مجلة "الدعوة" التي كانت جماعة "الإخوان المسلمين" تصدرها وفيها موضوع بعنوان "قرية ميت أبو الكوم والهم بقى بالكوم"، وبعدما وصف ما نشر بأنه "رزالات"، أردف قائلاً "اديني قفلتها لهم علشان يبقى الهم عليهم بالكوم". ويُذكر المناخ الذي يسود فيه تيار المطالبة بتغيير اسم "الكشح"، بتلك الحالة التي عاشتها مصر عقب التوقيع على اتفاق السلام مع إسرائيل في اذار مارس 1979، إذ فرضت كلمة "السلام" نفسها على الجميع، وبإلحاح من الدولة والأجهزة الرسمية تحولت محلات ومدن وشوارع عن اسمائها الحقيقية وفضلت "السلام"، اسماء لها فصار هناك "مدارس السلام" و"سوبر ماركت السلام" و"فندق السلام" و"مدينة السلام" وكذلك "ترعة السلام" التي وضع مشروعها في عهد السادات وبدأ تنفيذه في عهد الرئيس حسني مبارك بالاسم نفسه. وفي حين يطالب البعض اختيار اسم "السلام" بديلاً عن "الكشح" إلا ان آخرين رفضوا تشبيه العلاقة بين المسلمين والأقباط في القرية بالعلاقة بين المصريين والإسرائيليين قبل اتفاق السلام، ويشير هؤلاء الى أن القرية تتبع ادارياً مدينة "دار السلام" ومع ذلك وقعت أحداث الفتنة فيها.