} تحدث إلى "الحياة" اثنان من المفكرين الأقباط عن رؤيتهم لمستقبل العلاقة مع المسلمين، وتأثير الأحداث التي عصفت أخيراً بأهالي قرية الكشح، والأجراءات التي يجب أن تتخذ لثمان عدم تكرار الفتنة مستقبلاً. ولم يخل حديث كل من الدكتور رفيق حبيب والدكتور ميلاد حنا من انتقادات للحكومة غير أنهما رصدا تقصيراً من جانب النخب السياسية والثقافية بما فيها رموز الأقباط أيضاًَ. من المؤكد أن المصريين جميعاً يأملون بأن تكون المصادمات التي وقعت بين المسلمين والاقباط الاسبوع الماضي في قرية الكشح، والتي خلفت 20 قتيلاً منهم 19 قبطياً ومسلمٌ واحدٌ، آخر "الفتن الطائفية" في مصر، لكن تحقيق ذلك الهدف يحتاج الى اجراءات وسياسات وظروف يجب أن يتعاون في تحقيقها المسؤولون والمؤسسات الدينية لدى الطرفين والنخب السياسية والثقافية، ومؤسسات المجتمع المدني. ويبدو أن رموز الاقباط أرادوا تجاوز البحث عن لغز الفتنة في الكشح، ومَن كان صاحب الرصاصة الاولى التي انطلقت هناك. وكانت البداية التي توالت بعدها رصاصات اخرى حركتها حال غضب يبدو أنها ظلت كامنة لدى اهالي الكشح منذ الأحداث التي وقعت في القرية نفسها في 1998. ويرى هؤلاء ان اجهزة التحقيق من أمن ونيابة وقضاء عليها ان تحدد الفاعل، لكن فك معضلة الفتنة في الكشح يجب أن تكون مهمة الجميع. ولا يجد اتهام السلطات او اجهزة الامن بالتسبب في الأحداث او الوقوف وراءها، وهو الاتهام الذي اطلقه اسقف الكشح الانبا ويصا الذي حمّل مسؤول جهاز مباحث امن الدولة في محافظة سوهاج المسؤولية عن الصدامات، قناعة لديهم. بل ان الدكتور رفيق حبيب اعتبر ان مثل تلك التصريحات "تساهم في تأجيج الصراع، وتضع عقبات جديدة امام حل القضية". ولكن الدكتور ميلاد حنا تساءل عن الاسباب التي جعلت اجهزة الامن في سوهاج لا تقدر خطورة ما حدث عند بداية الاحداث، حينما وقعت المشاجرة بين اثنين من المواطنين الاقباط ومواطن مسلم. ورأى في ذلك "سوء تقدير وليس تقصيراً متعمداً كان وراء عدم اتخاذ الاجراءات التي لا تسمح ابداً لأهالي القرية بتطوير ما حدث من مجرد مشاجرة إلى حد الفتنة". ويسود اعتقاد بين الاقباط بأن الاحداث الاخيرة وقعت "لأن حلولاً لم تتخذ للقضاء على الفتنة عقب أحداث 1998". فحبيب تحدث عن "انفجار لغضب مكتوم لدى الطرفين ومناخ مشحون ظل يغلف العلاقة بينهما منذ سنة ونصف السنة"، في حين استغرب حنا "التباطؤ في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية في القرية لينشغل بها الناس هناك حتى لا يتفرغوا لإدارة الصراع بينهم". أما ما طرحه بعض وسائل الإعلام المصرية من احتمال تورط "أيادٍ أجنبية" أو "أطراف خارجية" في إشعال فتيل الفتنة في الكشح فلم تجد مجالاً للتصديق بين الاقباط المصريين. ولاحظ حنا أن أحداث الفتنة الطائفية "تقع عادة إما في مناطق الريف في الوجه البحري والصعيد أو مناطق الاسكان العشوائية الفقيرة حيث يعاني الأهالي هناك ظروفاً معيشية سيئة في الوقت الذي يتمتع المسلمون والاقباط الذين يعيشون في المدن والمناطق الحضرية"، بپ"أرضية مشتركة" تجمع بينهما. ويعتقد بأن "الخلل الثقافي في المناطق الفقيرة جعل الانتماء الى الدين مقدماً على الانتماء الى الوطن ما جعل شعار الدين لله والوطن للجميع هناك غير ذي جدوى"، لكن أحداًَ لا ينكر أن التفاعلات التي جرت عقب أحداث الكشح 1998 والنشاط الذي قام به بعض اقباط المهجر الى استعداء الدول الغربية على الحكومة المصرية والدعوة صراحة الى تدخل اجنبي لحماية الاقباط المصريين ساهم بقدر كبير في اثارة غضب المسلمين في الكشح، وفي الوقت ذاته خلق شعوراً ب"التميز" لدى الاقباط هناك واعتقاداً كاذباً بأن العالم لن يقبل أن يُقتل قبطي في الكشح مهما فعل الاقباط الذين رأوا رد الفعل المعادي للنظام في مصر لمجرد أن قبطياً تعرض للتعذيب في أحد مقار الشرطة وهو ما جرى في 1998. ورأى حبيب أن "تدخل أي طرف خارجي يزيد من الفجوة في العلاقة بين المسلمين والاقباط"، لكنه يؤكد أن الأحداث الأخيرة في الكشح "جاءت لتؤكد تزايد التطرف والتعصب على المستوى الشعبي الى حد ينذر بالخطر"، وهو لا يرى أن بعض العمليات التي أقدم عليها اصوليون ضد الاقباط في الصعيد اثناء سنوات العنف الديني التي امتدت من 1992 إلى 1997 تصب في الاتجاه ذاته بل يعتقد بأنها "كانت أحد أسباب عدم وضوح صورة العنف الاجتماعي بعدما اعتقد بعض المسؤولين أن المسألة تتعلق بتنظيم متطرف يشن عمليات ضد الاقباط والمسلمين في آن واحد". ويشدد حبيب على أن ظاهرة العنف الاجتماعي "كانت نتيجة سلسلة من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي مرت بالبلاد وصار فيها خلل في تحقيق العدالة الاجتماعية وانهيار في القيم الاخلاقية وتزايد النزاعات المادية، مما أضعف الانتماءات العامة لدى الناس ودفعهم الى اللجوء الى الانتماءات الفرعية ليصبح التعصب سمة من سمات المجتمع، وهو في الحال المصرية تعصب ديني خصوصاً في ظل مناخ لا يصبح فيه ملاذ أمام المواطن سوى الدين". ويصف حنا تلك الحال بأنها تعبير عن وجود "ثقافة خاصة" لكل من المسلمين والاقباط، "الى درجة أن نجوم الثقافة في مصر صاروا الشيخ متولي الشعراوي والبابا شنودة وغيرهم من رجال الدين الاسلامي والمسيحي"، ويعتقد بأن "وجود وزارة للأديان في مصر صار امراً ضرورياً"، ويستغرب أن تظل العلاقة بين المؤسسات القبطية والدولة اثناء القضايا التي يكون الاقباط طرفاً فيها كما هو الحال في واقعة الكشح "تتم عن طريق جهاز الأمن". ودلل على كلامه قائلاً: "من الطبيعي في صلوات الاقباط الارثوذكس والكاثوليك والبروتستانت أن يحرص كل رئيس طائفة منهم أن يوجه الشكر الى الرئيس والمحافظ، لكن الغريب ما يحدث حالياً وهو أن يوجه الشكر الى رئيس جهاز أمن الدولة، ولعل ذلك يحدث لأن رؤساء الطوائف القبطية يعتبرون أن المسؤول الأمني هو رئيسهم الفعلي". المخرج من الأزمة الحالية، كما يراه حبيب لن يكون "إلا من خلال مشاريع حقيقية وجادة تتيح لأبناء الوطن من المسلمين والاقباط معاً النضال المشترك من أجل تحقيق التقدم في مختلف المجالات"، لافتاً الى أن "مصر تخرج دائماً من ازمات كبرى حينما يتحد المسلمون والاقباط لمواجهة تحد يكونون على قناعة تامة بأنه يهدد دولتهم". أما حنا فيرى ضرورة تشكيل "لجنة حكماء" يتولى رئيس الحكومة الدكتور عاطف عبيد رئاستها وتضم في عضويتها شخصيات مقبولة من المسلمين والأقباط مثل الدكتور اسامة الباز والدكتور مصطفى الفقي اضافة الى رموز المسلمين والاقباط لتضع حلولاً مقبولة من الطرفين، ويحذر حنا من أن تُترك الكنيسة لتولي معالجة قضايا الاقباط "إذ أن ذلك ليس دور الكنيسة". وقبل أن ينهي كلامه لفت الى أن رجل الدين "يكون له خطابان واحد في اللقاءات العامة يتحدث فيه عن الوحدة الوطنية والتسامح ومحبة الآخر حتى يضمن البقاء في موقعه وآخر في الغرف المغلقة بين أتباعه لا يخلو من التعصب والعنصرية اعتقاداً منه بأن شرعيته بينهم يكتسبها من مثل ذلك الحديث".