بانتظار الإعلان عن تطورات ايجابية وعدت القيادات الكردية في العراق بالإعلان عنها تقريباً، أجرى الاتحاد الوطني الكردستاني تغييرات مهمة في مواقفه من حزب العمال، ستكون لها انعكاسات ملموسة على خريطة التحالفات السياسية. وفي هذه الأثناء يشير الواقع السياسي والميداني إلى أن الأزمة الداخلية لحزب العمال الكردستاني في تركيا أخذت بالتصاعد خلال الأسابيع القليلة الماضية. وشكل تمرد قطاع تونجيلي وارضروم من حزب العمال، بداية الشهر الجاري، إشارة خطيرة إلى بلوغ الحزب، الذي اعتبر لسنوات طويلة أكبر الأحزاب الكردية تأثيراً، مرحلة الانحدار من القمة التي بلغها أواسط التسعينات. فللمرة الأولى تعمد اللجنة المركزية لحزب العمال إلى الإعلان عن انشقاق إحدى القيادات المناطقية التي يقودها هاملي يلدريم ورفضها قرار عبدالله أوجلان التخلي عن السلاح والانسحاب من كردستان تركيا. ويعد يلدريم، وهو أحد مؤسسي حزب العمال، من أبرز القادة الميدانيين، وتولى طوال السنوات الماضية قيادة العمل في قطاع يمتد من تونجيلي إلى ارضروم شرق تركيا. وفيما لجأت اللجنة المركزية في بيانها إلى تحذير السلطات التركية من احتمال ان يقدم يلدريم على شن حرب عصابات داخلية محدودة، ذكرت المصادر الأمنية التركية ان يلدريم يجول في المنطقة المليئة بالغابات الكثيفة، برفقة ما لا يقل عن 150 مقاتلاً. إلا أن مصادر قريبة من حزب العمال تعتبر أن نفوذه لا يتحدد بالضرورة بعدد المقاتلين وحده، بل بشبكة التنظيمات الداخلية في القطاع الذي يشرف عليه والتي تزيد على هذا الرقم أضعافاً. من جهة أخرى، تلقى الحزب ضربة سياسية وعسكرية أخرى عندما اندلع خلافه مع الاتحاد الوطني الكردستاني العراقي الذي اتهمته أنقرة على الدوام بمساعدة الجناح العسكري للحزب وايوائه. وانتقلت خلافات حزب العمال مع الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني إلى العلن في أعقاب اغلاق مقرات ومؤسسات تابعة للحزب في مدينة السليمانية أواخر تشرين الثاني نوفمبر الماضي. وكان الاتحاد الوطني أوقف صحيفة "ولات" ومستشفى وواجهات نقابية يديرها حزب العمال من مدينة السليمانية. ورد حزب العمال على تلك الاجراءات بشن حملة إعلامية دشنها بتصريحات لعثمان أوجلان في الفضائية الكردية التي تبث من بلجيكا اتهم فيها قيادة طالباني ب"معاداة حزب العمال لقاء 80 مليون دولار تلقاها من الحزب الديموقراطي الكردستاني"، وواصلتها واجهاته الإعلامية الأخرى. وهاجم طالباني بشدة مواقف "ناكري الجميل" و"غير المخلصين". وقال إن حزبه "تحمل معاناة شديدة من أجل حزب العمال، ولكنهم نكثوا بعهودهم وتعهداتهم ولم يطبقوا أو ينفذوا أي اتفاق من اتفاقاتنا معهم". وأضاف طالباني: "ان على حزب العمال ان يذهب إلى أرضه ويقاتل وان يصنع السلام هناك، لا ان يصنع سلاماً في كردستان تركيا وحرباً في كردستان العراق". وشدد طالباني على أن ل"كردستان العراق ظروفاً خاصة يجب أخذها في الاعتبار من جانب حزب العمال الذي عليه بالأحرى مساعدة شعب كردستان العراق". وللمرة الأولى منذ نحو سبع سنوات أكد علنياً أنه "لن يسمح لهم بتأسيس قاعدة عسكرية لهم في مناطق الاتحاد الوطني الكردستاني ولا بمهاجمة تركيا من داخل الأراضي العراقية". على صعيد آخر، جرى تطور جدي في سياسة طالباني تجاه المجموعات الإسلامية المتطرفة ذات العلاقات الوثيقة ب"الأفغانيين"، التي ارتكبت عمليات الاغتيال والتفجيرات التي استهدفت المثقفين والتجمعات النسوية ومنظمات الدفاع عن الحقوق المدنية، إضافة إلى استهدافها نشطاء يساريين في المعارضة الكردية الإيرانية التي تتخذ من كردستان ملجأ لها. وكانت محاولة اغتيال أحد الباحثين الجامعيين واصابته بجروح بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعيد في موقف طالباني منهم، إذ القى طالباني خطاباً شديد اللهجة في تجمع للمثقفين الأكراد أخيراً ندد فيه بمن وصفهم ب"الارهابيين، الذين يرتكبون أعمالهم تحت ستار الدين الإسلامي الحنيف، البعيد كل البعد عنهم". وشدد على "اجتثاث جذور الارهاب"، مؤكداً "اننا نعرفهم جيداً، وسنتصدى لهم ونلقي القبض عليهم ونحيلهم إلى القضاء وسنعرض محاكماتهم عبر شاشات التلفزيون". ودعا طالباني المثقفين الأكراد، الذين باتوا أكثر استهدافاً من جانب هذه الجماعات، إلى "الصمود والتحلي بالشجاعة والجرأة في تصديهم لتهديدات الارهابيين". ونشطت هذه الجماعات التي يعد "ملا كريكار الأفغاني" أبرز زعمائها وأكثرهم تشدداً، بكثافة خلال انشغال حزب طالباني في السنوات الماضية بالنزاع مع الحزب الديموقراطي الكردستاني. وكان كريكار قاتل في صفوف الأفغان بضع سنوات قبل التحاقه بالحركة الإسلامية الكردستانية بزعامة الملا محمد عبدالعزيز التي تحتفظ بنفوذ واسع في المناطق المحاذية للحدود مع إيران، خصوصاً منطقة حلبجة. ويربط مراقبون مطلعون على أوضاع المنطقة بين ملا كريكار وتنظيم إسلامي سري جديد يعرف باسم "منظمة حماس الكردية". غير أن معلومات قليلة للغاية تسربت عن هذه المنظمة، وما إذا كانت مجرد واجهة موقتة لتنظيمات أخرى، خصوصاً ان العمليات الارهابية لم تقتصر على مناطق السليمانية، بل ضربت مختلف مناطق كردستان العراق. وكان نشاط هذه المجموعات موضع قلق شعبي واسع في أوساط السليمانية والمناطق المحيطة بها. وبلغ القلق إلى حد تنظيم منظمات المجتمع المدني والمدافعين عن الديموقراطية تظاهرة في السليمانية احتجاجاً على الحملات التي تستخدم فيها المجموعات الارهابية منابر دينية للتحريض على العنف.