"وجوه لا تموت - في الثقافة العربية الحديثة" كتاب للناقد اللبناني محمد دكروب صدر حديثاً عن دار الفارابي في بيروت وقدّمه الروائي عبدالرحمن منيف. يتناول الناقد أسماء أدبية وثقافية عربية من خلال آثارها وأعمالها والأدوار التي أدتها ومنها: محمد مهدي الجواهري، عبدالله العلايلي، محمد عيتاني، يوسف إدريس، حسيب الكيالي، لطيفة الزيات، نجيب سرور، نزار مروّة، مهدي عامل، سعد الله ونّوس، أميل حبيبي. وممّا قال منيف: "من الكتاب الذي بين أيدينا الآن يأخذنا دكروب في رحلة لزيارة كتّاب واستعادة كتابات نعرفها ولا نعرفها. هذا النمط من الكتابة يصعب أن نعثر له على وصف جامع مانع، كما يقال في علم الكلام، لأنه لا يندرج فقط تحت عنوان النقد الأدبي. ولا يكفي أن يوصَف أنه جزء من التاريخ الأدبي لمرحلة أو لمبدعين. كما أن تصنيفه في خانة الذكريات، نظراً لتلك القرابة التي جمعته بالذين كتب عنهم، ولأنه رافق ولادة بعض ما كتبوه، ليس التصنيف الدقيق أو الكافي، لأن الذكريات لها أسلوب في التناول والكتابة يختلف عما نقرأه في هذا الكتاب. حتى الشهادة، لو أردنا التلخيص، لا تحدد هذه الكتابة، لأن فيها ما يتجاوز ذلك. أما لو قلنا انها توثيق لمرحلة، نظراً لاعتمادها على الوقائع والمعاينة المباشرة، ولاستناد جزء منها الى الرسائل، فإن ذلك لا يكفي لوصف هذا النمط من الكتابة. ما قدمه دكروب في هذه السلسلة، وفي "وجوه لا تموت" بصفة خاصة، يتضمن كل ما أشرنا اليه، ويفيض عن ذلك أيضاً. انه قراءة في الكتابة ومبدعيها ضمن سياق تاريخي، بحيث نصبح أكثر دراية، وبالتالي أكثر معرفة، بالأثر الأدبي، وما جعله يأخذ هذا الشكل، ووفق أية ظروف، ثم ما أحدثه من تأثير، والنتائج التي انتهى اليها. هذه الكتابة تصدر عن معرفة حية، تتجلّى بشكل أساسي باستعادة المناخ والإلمام بالتفاصيل وببعض الخفايا، ولذلك تعتبر أقرب الى البورتريه بالكلمة، خصوصاً وأن أجزاء غير قليلة من الملابسات والمعلومات التي أحاطت بالأثر الفنّي ليست مدوّنة، وبالتالي غير معروفة إلا في نطاق ضيق، ومؤقتاً، الأمر الذي يجعلها عرضة للزوال بمجرّد غياب الشهود. استعادة الكثير من التفاصيل في هذا الكتاب يُكسب الوقائع ألقاً إنسانياً، ويمكّننا من فهم ليس الأثر الفنّي وحده، بل وفهم المناخ العام الذي كان سائداً. نقول ذلك لأن قسماً كبيراً من ثقافتنا الراهنة لا يزال في مرحلة ما قبل التدوين، لأن عادة التدوين لم تصبح بعد جزءاً من التقاليد التي تحكم هذه الثقافة. فالأثر الفكري أو الفنّي يعزل عن كاتبه وعن ظروف كتابته، ما يجري تداوله شفوياً، وهو في الغالب جزئي وربما هامشي يشكّل الإطار الهشّ لما يراد أن يرى أو أن يُعرف، بحيث تتراكم مع مرور الوقت أنصاف الحقائق على كل ما عداها. ولأن في حياتنا الثقافية مقداراً غير قليل من الإجحاف، أقرب إلى الغبن، يلحق بأشخاص وظواهر، لأنه لم يتم لهؤلاء الأشخاص، ولم يتسنّ لهذه الظواهر الفرصة الكافية أو المؤاتية للتعبير وإثبات الجدارة، نظراً لاعتبارات عدة، من ضمنها غياب الذاكرة التاريخية، ولإنتفاء التدوين، لذلك يتعرّض قسم كبير من تراثنا للضياع إن لم نتداركه".