كان عام 1999 زاخراً وحافلاً بالتطورات التي شهدتها الساحة القطرية للمرة الأولى منذ الاستقلال في العام 1971 وجاءت في الصدارة الانتخابات البلدية التي جرت في 8 آذار مارس 1999م واتيحت فيها للمرة الأولى فرصة الترشيح والاقتراع لتكوين المجلس البلدي المركزي وشكلت هذه التجربة بداية لانطلاقة اكبر أعلنها أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني عندما أصدر قراراً في 13 تموز يوليو بتشكيل لجنة لإعداد دستور دائم للبلاد تتكون من 32 عضواً ونص القرار على ان تنجز أعمالها خلال مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات. وبالفعل بدأت هذه اللجنة اعمالها برئاسة الدكتورعبدالله الخليفي مدير الجامعة وشكلت لجاناً فرعية وعقدت بعض الاجتماعات في الديوان الأميري الذي يوجد فيه مقرها الدائم ورافق هذه الخطوة اعلان الأمير عزمه على اجراء انتخابات لاختيار مجلس نيابي منتخب سيكون الأول من نوعه. ولم تكن هذه التطورات معزولة عن اجواء الانفتاح السياسي والاقتصادي الذي أصبح يشكل سمة من أبرز سمات المجتمع القطري في هذه المرحلة بل صاحبتها ممارسات جديدة على صعيد الاعلام القطري الذي استفاد من هذه الاجواء فارتفعت حرارة تناوله للاحداث وتزامن هذا مع اعداد مشروع قانون جديد للنشر والمطبوعات احالة مجلس الوزراء الى مجلس الشورى قبل أيام ويتوقع صدوره قريباً ليثبت الحرية الاعلامية ويعكس بوضوح معادلة الحقوق والواجبات. وشهد عام 1999 ترسيخاً لدور السلطة القضائية اذ شهدت مثلاً محاكمة متهمين في المحاولة الانقلابية الفاشلة التي كانت السلطات اعلنت عن احباطها في عام 1996 ممارسات قانونية وقضائية لم تشهد الساحة القطرية مثيل لها من قبل، اذ لعب المحامون دوراً بارزاً في التعبير عن أوضاع موكليهم، بل تم استجواب رئيس الوزراء ووزير الخارجية ومدير المخابرات وعدد كبير من ضباط الأمن بناء على طلب الدفاع والاتهام وكانت هذه تجربة غير مسبوقة في قطر والمنطقة وتؤشر الى حرص الدولة على العدل ودعم استقلال القضاء خصوصاً انه اتيحت للصحافيين فرص تغطية تفاعلات هذه القضية التي سيصدر الحكم النهائي في شأنها في فبراير المقبل. وكانت سلطة القضاء حاضرة ايضاً في قرار محكمة قطرية قضت باخلاء مبنى مكتب التمثيل التجاري الاسرائيلي السابق وتسليم مفاتيحة لصاحبه في حزيران يونيو الماضي وكان صاحب المبنى رفع دعوى طالب فيها بإخلاء مسكنه، ويذكر ان المحكمة كانت قررت إخلاء المبنى بالقوة الجبرية اذا لم ينفذ الاسرائيليون أمرها لكن تم تنفيذ القرار مما شكل انتصاراً للقضاء القطري واستقلاليته. وتعددت المشاهد والتطورات التي عبرت عن سمات مجتمع يتطلع للتفاعل الواثق مع الألفية الثالثة وكان الدور الذي قامت به الشيخة موزة زوجة امير قطر في دعم اعمال نسائية واجتماعية وخيرية من أبرز التطورات كما عكس التعاون والتفاهم بين المرأة القطرية والاماراتية اثناء زيارة كانت قامت بها الشيخة فاطمة بنت مبارك زوجة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الى الدوحة في كانون الثاني يناير الماضي بدعوة من الشيخة موزة المسند مؤشرات الى طبيعة التطلعات التي تسعى المرأة القطرية لتحقيقها في القرن الجديد. وعلى رغم كثافة الاحداث الداخلية التي شهدتها الدوحة في عام 1999 فإن الديبلوماسية القطرية حققت مكاسب وانجازات مهمة هذا العام، وهي تستعد حالياً لاستضافة مؤتمر القمة الاسلامية المقبل في نهاية عام 2000. لكن الحدث الأبرز في نهاية القرن العشرين تمثل في الزيارة التاريخية التي قام بها امير قطر الى البحرين واسفرت عن لجنة قطرية - بحرينية علىا لدعم العلاقات برئاسة وليي العهد في البلدين كما تم الاتفاق على اقامة جسر يربط البلدين وبحث قضية الخلاف الحدودي في هذه اللجنة المشتركة مع استمرار بقاء القضية معروضة في محكمة العدل الدولية وهذا معناه ان باب "الحل الودي الأخوي المتفق عليه" ما زال مفتوحاً. وكان نجاح الدوحة في عقد أول لقاء بين الرئيسين السوداني والاريتري عمر البشير واسياس افورقي في قطر في أيار مايو 1999 بعد طول قطيعة يشكل حدثاً كبيراً أدى لتحسين ملحوظ في علاقات البلدين الجارين ولعبت قطر دوراً مهماً ايضاً في دعم مسيرة العمل الخليجي المشترك. ويذكر ان أمير قطر نجح في إزالة "العتب" بين السعودية والامارات في 19 حزيران يونيو الماضي في شأن موضوع التقارب مع ايران وذلك من خلال زيارتين قام بهما الى أبو ظبي والرياض. كما لعبت الدوحة دوراً ريادياً في تقريب وجهات النظر الخليجية للتوصل الى تعرفة جمركية خليجية موحدة في قمة الرياض الخليجية الأخيرة، هذا اضافة الى التطور الملموس الذي شهدته العلاقات القطرية - الاماراتية حيث عقدت لجنة عليا مشتركة اجتماعات عدة وشكلت لجاناً لدعم التعاون في عدد من المجالات. وبوجه عام كان عام 1999 عاماً يمهد لخطوات ديموقراطية جديدة في الفترة المقبلة ولعلاقات أوثق مع دول الخليج والأمة العربية، وكانت زيارة الرئيس المصري الأخيرة لقطر في كانون الأول ديسمبر الماضي بعد فترة توتر دليلاً على نجاح الديبلوماسية القطرية في مد جسور التواصل مع دول العالم. ويتوقع ان تشهد الدوحة في عام 2000 خطوات لتعزيز الممارسة الديموقراطية وتشجيع مناخات تعطي الاجانب فرص تملك مشاريع في قطاعات معينة، كما يتوقع ان يتحسن الوضع الاقتصادي في ظل استقرار اسعار النفط.