اتخذت التطورات في تيمور الشرقية منحى يذكر بالوضع في كوسوفو عشية تدخل حلف شمال الاطلسي لوقف اعمال التطهير العرقي الصربية ضد الاقلية الالبانية. لكن المسؤولين الاميركيين والاطلسيين نأووا بأنفسهم عن فكرة التدخل عسكرياً في الاقليم باعتبار ان الوقت ما زال مبكراً لذلك. وشدد أكثر من مسؤول اميركي على ان الولاياتالمتحدة تفضل اعتماد اسلوب العقوبات الاقتصادية على اندونيسيا في مرحلة أولى، وهذا ما لمح إليه أيضاً الرئيس الفرنسي جاك شيراك. راجع ص7 وردّ وزير الدفاع الاميركي وليام كوهين على اسئلة الصحافيين أمس، مشيراً إلى أن بلاده "لا تعتزم لعب دور شرطي العالم". واكد ان المجتمع الدولي يواصل النظر في مجموعة من وسائل الضغط الممكن اعتمادها، بما في ذلك عزل اندونيسيا اقتصادياً. وكان الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية جيمس روبن حذر من ان "تيمور الشرقية ليست كوسوفو". لكنه لمح الى احتمال اللجوء الى ضغوط اقتصادية على اندونيسيا، خصوصاً في ما يتعلق بتقديم قروض دولية، بدلاً من التهديدات العسكرية لإقناع جاكارتا بتنفيذ التزاماتها. وقال روبن إن "الجيش وقوات الأمن الاندونيسية شاركا في الانتهاكات" التي شهدتها تيمور الشرقية. وحض جاكارتا على "اتخاذ اجراء فعال لإعادة النظام"، مشيراً إلى أن الوقت لا يزال مبكراً لاستنتاج مدى فاعلية إعلان الرئىس يوسف حبيبي حال الطوارئ. لكنه أكد ايضاً أن المجتمع الدولي لن ينتظر الى الأبد لكي تهدأ الأوضاع في تيمور الشرقية. وأقر روبن باحتمال تشكيل قوة تدخل دولية، لكنه لفت الى ان مثل هذه العملية يقتضي الحصول على موافقة جاكارتا. واعطت تصريحاته الانطباع بأن الولاياتالمتحدة لا تنوي، حتى الآن على الأقل، القيام بأكثر من دور إسناد او دعم لوجستي او غير ذلك من الأدوار المساعدة في عملية كهذه. وأكد روبن ان الوضع في تيمور الشرقية لا يشبه ما جرى في كوسوفو، حيث قادت الولاياتالمتحدة تدخل الحلف الاطلسي. ولاحظ ان لواشنطن مصالح امنية في المنطقة، مثل تعاون اندونيسيا لإبقاء مضيق مولكا مفتوحاً امام النقل البحري، بالاضافة الى اهتمامها بأوضاع حقوق الانسان في تيمور الشرقية. ومع تهجير أكثر من ربع سكان تيمور الشرقية غداة تصويتهم لمصلحة الاستقلال عن اندونيسيا، وجهت اتهامات كثيرة إلى القيادة العسكرية الاندونيسية بشن "حملة تطهير عرقي" لتفريغ الاستفتاء الأخير حول تقرير المصير من مضمونه. وبدت الحكومة الاندونيسية في موقف حرج أمام مطالب أوروبية واقليمية بضرورة ارسال قوات حفظ سلام الى تيمور الشرقية، تساندها بذلك الصين التي تملك حق نقض قرارات مجلس الأمن الذي اجتمع أمس بشكل طارئ للبحث في الأزمة. واستعدت الاممالمتحدة، لسحب بعثتها من تيمور الشرقية اليوم بعدما تعرض اعضاؤها للتهديد بالسلاح من الميليشيات الموالية لأندونيسيا التي حرمتهم أمس من التزود بالمؤن. ولم تتدخل القوات النظامية الاندونيسية لحمايتهم. وبدا ان اعلان اندونيسيا حال الطوارئ في تيمور الشرقية، لم يؤد الا الى تصاعد الاضطرابات، إذ اقدمت الميليشيات المعارضة لاستقلال الاقليم الى ارتكاب مجزرة في كنيسة جنوب شرقي الاقليم، أسفرت حسب بعض المعلومات عن مقتل مئة شخص بينهم نساء واطفال. وتزامن ذلك مع هجوم على مقر آخر الاساقفة الكاثوليك في المنطقة الذي فر إلى الجبال بعد اصابته بجروح وكان معه كهنة ومواطنون. وأكد خبراء في الاستخبارات الغربية، حسبما نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية أمس، ان الجيش الاندونيسي كان وضع خطة في حال فوز مؤيدي الاستقلال في تيمور الشرقية، تهدف في المقام الاول الى تجزئة المستعمرة البرتغالية السابقة، وتصفية المقاومة في تيمور الشرقية واجراء عمليات ترحيل ضخمة للسكان. واطلق على العملية اسم "عملية تنظيف شامل"، وبدأ تنفيذها منذ آذار مارس الماضي، بإنشاء ميلشيا "ايتاراك" في ديلي. ووضعت قواعد التنسيق العسكري والاداري المناسبة لتنفيذها وكذلك الوسائل اللوجستية. وتستهدف تصفية قادة المقاومة وكوادرها في تيمور الشرقية، وكذلك النخبة المثقفة في الاقليم، واخضاع الكنيسة الكاثوليكية. ويبدو ان اهداف هذه الخطة اخذت تتحقق كما يتضح من بعض المعلومات الواردة من ديلي منذ رحيل غالبية المراقبين الأجانب تحت التهديد.