القوقازي قد يكون متهماً ومداناً لأن لون بشرته اسمر ولأن عدداً من ابناء جلدته حمل السلاح ضد روسيا. وأثر الانفجار الاخير وسط موسكو وجهت اصابع الاتهام الى القوقازيين بمن فيهم اولئك الذين يسكنون العاصمة الروسية منذ قرون. ويقدر عدد القوقازيين المقيمين في موسكو حالياً بأكثر من مليون نسمة اكثرهم عدداً ونفوذاً الاذريون ثم الجورجيون والأرمن، الا ان اهتمام الرأي العام، والشرطة، منصب على الشيشانيين والداغستانيين. وثمة 100 الف شيشاني في العاصمة وضواحيها تمارس غالبيتهم اعمالاً مشروعة في البناء وتصليح السيارات والتجارة، ويشكل ما يحولونه من مبالغ الى ذويهم جزءاً مهماً من عائدات الجمهورية الشيشانية التي لا يزيد عدد سكانها حالياً على 800 الف نسمة. وثمة وجوه شيشانية تنتسب الى النخبة، والأشهر على هذا الصعيد هو رسلان حسبولاتوف رئيس البرلمان الروسي سابقاً، واحمد حمزايف نقيب محامي روسيا سابقاً والراقص العالمي محمود عصامبايف. الا ان هناك "المافيا الشيشانية" التي تسيطر على عدد من الفنادق الكبرى وشركات النقل البري وبعض المصارف، وتفرض احياناً اتاوات على مجموعات اجرامية اخرى. ومعروف ان هذه "المافيا" كانت قادرة على "استنفار" حوالى 500 مسلح في غضون ساعتين. ولكن النفوذ الشيشاني انحسر في العاصمة منذ اندلاع الحرب قبل خمس سنوات، وجرت حملات ضد الفعاليات الشيشانية غير الشرعية لكنها طاولت الأبرياء ايضاً، واتهموا جميعاً بامداد "الانفصاليين" بالمال والمعلومات والمشاركة في تدبير اعمال ارهابية، على رغم ان احداً من الشيشانيين لم يحاكم امام القضاء. ونجا من مصير مماثل شعب الانغوش المرتبط بصلة قرابة مع الشيشانيين بفضل علاقة رئيسة الجنرال رسلان آوشيف مع اقطاب الحكم في موسكو. ومعروف ان زهاء 60 او 70 الف انغوشي يقيمون في العاصمة الروسية ويمدون 220 الف مواطن يشكلون سكان الجمهورية بالمال. ولعل الجالية الداغستانية من اقوى المجموعات القوقازية في موسكو وأبرز ممثليها الوزير رمضان عبداللطيفوف والشاعر رسول خمراتوف وعدد من كبار رجال الاعمال والمثقفين. ويرتبط الداغستانيون المنتمون الى مجموعات اثنية كثيرة بصلات عائلية وعشائرية وثيقة لكن غالبيتهم الساحقة ابدت ولاءً لروسيا اثناء الاحداث الاخيرة فتجنبت المشاكل في موسكو. وخلافاً للشعوب القوقازية الاخرى التي تعتنق الاسلام فان غالبية الاوسيتينيين تنتمي الى المسيحية ويعرف هذا الشعب بولائه التقليدي لروسيا، ولذا افرز عدداً من قادة الجيش السوفياتي وكبار موظفي الدولة. اما في "الظل" فالاوسيتنيون اشتهروا بانتاج وتسويق الفودكا المغشوشة او غير المرخص بها، وتجارة السلاح. وثمة قاسم مشترك يجمع بين القوقازيين يتمثل في حيويتهم وتكاتفهم ضمن مجموعاتهم الاثنية وشراستهم عند الصدام مع "الغرباء". وعلى رغم ان الروس في غالبيتهم يعتبرون نفسهم بعيدين عن العنصرية فان بعض سكان العاصمة يبدي انزعاجاً من "كثافة" الوجود القوقازي في موسكو. وثمة من يتهم التجار الاذريين والجورجيين، مثلاً، بالغطرسة وسوء معاملة موظفيهم وتجاوز الحدود في التحرش بالنساء، كما ان هناك نسبة عالية من الروس تعتقد ان كل قوقازي "عضو في المافيا". وفي المقابل تشكو الفعاليات القوقازية من تحيز رجال الشرطة تتشدد اجهزة الأمن من دون مبرر مع القوقازيين، على رغم ان ممثل وزارة الداخلية فلاديمير زوبكون ذكر ان الوافدين من القوقاز "يعاملون كالأنداد" وان معاملات التسجيل الالزامي للاقامة في موسكو قد الغيت. بيد ان هذا الالغاء كان شكلياً فقط وما برحت الشرطة تتحرى عمن "يقيم بصفة غير مشروعة" ولتجاوز هذه الاشكالات يعمد القوقازيون الى عقد زيجات صورية تمنحهم حقاً في شراء المساكن. وحذر عدد من السياسيين والكتاب الروس من اتخاذ اجراءات تعسفية ضد القوقازيين رداً على ما يجري في جنوبروسيا، ويبدو ان محافظ موسكو يوري لوجكوف اصبح اقرب الى مواقع هؤلاء بعدما غدا من اهم مؤسسي ائتلاف "الوطن كل روسيا" الذي يضم رؤساء جمهوريات اسلامية وقوقازية.