تزايدت الضغوطات على الجيش الباكستاني أخيراً ووجه بانتقادات داخلية وخارجية ووصل الأمر بالصحافة الغربية الى ان تصفه بجيش "الخمير الحمر" على خلفية ما قيل عن تورطه في المواجهة الاخيرة بين الهندوالباكستان. وحدا ذلك أيضاً بالولايات المتحدة الى ان تطالبه بعدم القيام بانقلاب عسكري ضد حكومة نواز شريف. وترافق ذلك مع شن رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بينظير بوتو حملة عنيفة على الجيش، متهمة إياه بالمشاركة في معارك كارغيل الأخيرة الى جانب المقاتلين في كشمير، الامر الذي كان يستحيل على سياسي باكستاني يحلم بالعودة الى السلطة ان يتهم الجيش به كونه أحد اللاعبين الأساسيين وأحد العناصر المهمة في المعادلة السياسية الباكستانية. تشير تصريحات وتطورات مهمة خلال الأسابيع القليلة الماضية في باكستان الى وجود مخطط ما ازاء الجيش الباكستاني، خصوصاً وان المؤسسات النقدية الدولية تشترط لتقديم القروض الى باكستان، ان تقلّص الاخيرة ميزانيتها الدفاعية الى 30 في المئة، بينما يلحظ الجميع زيادة ميزانية الدفاع الهندية. ويعتقد قاضي حسين أحمد زعيم الجماعة الاسلامية الباكستانية التي تقود حملة التظاهرات والاحتجاجات ضد حكومة شريف ان الاخير سعى الى اقناع قائد الجيش الجنرال برويز مشرف بالاستقالة من منصبه. الا ان مشرف رفض الاستجابة لذلك. ونقلت مصادر ديبلوماسية مطلعة عن مشرف قوله حين طالبه شريف بالاستقالة: "أنا لست مثل الجنرال كرامت حتى استقيل"، وذلك في اشارة الى جهانكن كرامت قائد الجيش الباكستاني السابق الذي أرغم على الاستقالة والتزم الصمت. وعزا الكثيرون في حينه، صمته الى المبالغ الضخمة التي كان يتقاضاها من شريف نفسه. وكان نياز نايك المبعوث الخاص لشريف الى نيودلهي، فجر العلاقة بين الحكومة والجيش، حين حمل الأخير مسؤولية نسف خطة سلام كان توصل اليها الجانبان الباكستانيوالهندي بشأن كشمير هذا العام. الا ان ازمة كارغيل نسفت هذه الخطة. ولا يزال الجنرال مشرف ينفي قصة ارغامه على الاستقالة. وأكد في مناسبة ديبلوماسية امس انه سيكمل دورته القانونية. لكن المراقبين يصرون على وجود خلافات ومطالبات من شريف بأن يستقيل من منصبه. ويعتقد بعض المحللين ان الاجندة الاميركية في جنوب آسيا تقتضي اضعاف الباكستان، ويستدعي ذلك في البداية، اضعاف الجيش الباكستاني على اساس انه الممثل والضامن الأول للوحدة الوطنية الباكستانية وحجر العثرة في وجه هذه المخططات. ولعل التحرك الاميركي لارغام باكستان على سحب المقاتلين الكشميريين من كارغيل، هدف في المرتبة الأولى الى اضعاف هيبة هذا الجيش وتقوية الهند التي تخطط لها الاستراتيجية الاميركية من اجل ان تكون القوة الكبرى في المنطقة لمواجهة الصين. ويرى رئيس الاستخبارات العسكرية الباكستانية الجنرال المتقاعد حميد جول، ان اميركا تسعى الى استخدام الباكستان ضد الحليفة التقليدية الصين وذلك لحرمان الاخيرة من الاتصال مع الخليج العربي. ومعلوم ان باكستان بتعدادها السكاني البالغ 140 مليون نسمة ومساحاتها الشاسعة وكونها نقطة التقاء لحضارات عالمية ثلاث الاسلامية والكونفوشوسية والهندوسية، اضافة الى امتلاكها القدرات النووية، تحولت مركز تجاذب عالمي علماً انها كانت على مدى التاريخ محل صدام او تحطم القوى الكبرى. ويلحظ المراقب علامات التبرم والغضب الباكستاني ازاء المواقف الاميركية تجاه باكستان والجيش والتراجع الاميركي بالاهتمام بها بعدما كانت حتى امس، الداعم الاساسي للاستراتيجية الاميركية في مناهضة الاتحاد السوفياتي في تأييد الجهاد الافغاني. وتعتقد الأوساط الاسلامية ان التصريحات الاميركية التي حذرت الجيش الباكستاني من القيام بعمل عسكري، انبعثت من المخاوف التي اشاعها شريف وجماعته ازاء وجود عناصر مؤيدة للاسلاميين والبديل الاسلامي في باكستان. لكن المراقبين والمحللين السياسيين يتوقعون ان تتواصل عملية التجاذب بين المؤسسة المدنية والعسكرية. وتتراوح التقديرات بين قائل ان شريف سيتمكن من طرد او تطويع قائد الجيش، وبين من يرى ان الاخير سيرغمه على الاستقالة، اما من خلال تصاعد وتيرة التظاهرات او من خلال حجب الثقة بإقناع اعضاء برلمان شريف بالتصويت ضده، وإسقاطه عبر الوسائل القانونية، خصوصاً وان بعض الاستطلاعات بدأت تشير الى ان 90 عضو برلمان من جماعته استعدوا للتصويت ضده وهو كفيل باسقاطه. وبدأ حتى بعض وزرائه بالحديث ضده مبدين تبرمهم من ان حصر القرارات المصيرية والمهمة ضمن حلقة ضيقة تضم شقيقة شهباز ورئيس لجنة المحاسبة سيف الرحمن.