المهجّرة "أم فوزي" التي تقيم مع عائلة حماتها في منزل في شارع كليمنصو، احتلته في العام 1975 بعدما كانت هجّرت من منزلها، لم تكن تتوقع ان تقبض بدل اخلاء واحد قيمته خمسة الاف دولار للعائلتين هي وحماتها وهي التي عايشت الاخلاءات في وادي ابو جميل على مرمى حجر من منزلها قبل مدة وعرفت ان بدل اخلاء المنزل الواحد كان يفوق الخمسين ألف دولار. إذ كان محتلو كل مسكن يرسلون الى الصندوق عدداً من بطاقات الهوية زاعمين ان عائلات اصحابها يقيمون جميعاً في المنزل نفسه. وكان الصندوق حينها متساهلاً في دفع الاخلاءات على اعتبار ان ما يدفع "اموال شركة خاصة سوليدير". أما ادارة الصندوق الحالية فعمدت الى تغيير المقاييس التي اتبعتها الادارة السابقة لناحية دفع بدلات الاخلاء للمهجرين. وأصدرت قراراً بدفع بدل اخلاء واحد قيمته خمسة آلاف دولار لكل مسكن، سواء أكان فيه عائلة أم اكثر، وثمانية آلاف دولار لابناء الشريط المحتل. وطلبت من جميع الذين صدرت في حقهم قرارات اخلاء وتعهدوه، التقدم من الصندوق خلال اسبوع "والا اعتبر التعهد باطلاً مع استمرار تنفيذ الأخلاء في موعده، ويفقد الشاغل حقه في التعويض". السيدة "ام فوزي" قالت "جاءوا الينا، قبل نحو شهرين، وأجروا كشفاً وأفدناهم باننا عائلتان، وبعد مدة قليلة ارسلوا إلينا طلبي تعهد بالاخلاء: واحد باسمي والآخر باسم حماتي. وحين ذهبنا لتوقيع التعهد في سرية شؤون المهجرين رفض طلب حماتي واعتبرونا عائلة واحدة، وأبلغونا ان كل منزل يعتبر وحدة سكنية مهما بلغ عدد العائلات التي تقطنه". وسألت "ماذا يمكن الخمسة آلاف دولار أن تفعل لعائلة واحدة، وهل تكفي عائلتين؟". وتابعت "وقّعت التعهّد مضطرة لأننا غير مسيّسين ولا ظهر لنا في حين ان كثراً لم يوقّعوا لأنهم مدعومون". والمدعومون الذين تحدثت عنهم "أم فوزي" هم من اولئك الذين سبق ان انخرطوا في جداول الاحزاب، منها "حزب الله" وحركة "امل" و"القومي"، عندما شرعت هذه الاخيرة تقدم لوائح باسماء مناصريها من المهجّرين الذين لم تقبل بان يعوض عليهم بمبالغ لا يمكنهم شراء منازل بها ونجحت في ما سعت اليه في حينه. والأحزاب هذه راعها بيان الصندوق فاصدرت بيانات إدانة، واعلنت وقوفها الى جانب المهجرين الذين يبدو انهم لجأوا، كل الى قاعدته السياسية، ولا سيما منهم مهجّرو النبعة وتل الزعتر الذين لم تُعد اليهم منازلهم، اضافة الى ابناء الشريط المحتل، اذ لا تنسيق بين الصندوق والاحزاب. وهذا ما اكده ل"الحياة" عضو المكتب السياسي في "حزب الله" الحاج غالب ابو زينب إذ يقول "لا تنسيق فعلياً بين الصندوق والاحزاب، وان وجد فهو لا يتجاوز الكلام"، معتبراً ان "الضغوط لن تؤدي الى شيء، ولا احد يرمي المهجرين في الشارع لان القوى السياسية ستقف الى جانبهم". واعتبر ان الكلام الوارد في بيان الصندوق "اقل ما يقال فيه انه غير مسؤول"، سائلاً "من يعطي الصندوق الحق في الغاء بدلات التعويض التي اقرّها مجلس الوزراء؟ هل حل محل السلطة؟ وهل الدولة موافقة على ذلك؟". وقال "اذا كانت موافقة فذلك يعني انها لا تريد ان تحل هذه القضية التي تحتاج الى تضافر الجهود، ولا يمكن السكوت عن توجيه الانذارات واستفراد المهجرين والتعامل معهم كأفراد. لا يمكن احداً ان يُخلى بالقوة". اما حركة "امل" فعبّر النائب علي حسن خليل عن استغرابها لهذا الاسلوب، وقال ل"الحياة": "انه لا يخدم مشروع العودة. وثمة قواعد مقررة لانجاز الاخلاءات وهناك اصول للتعاطي مع هذا الملف تراعي الجوانب الاجتماعية". واوضح ان "هناك ملاحظات على التعاطي مع هذا الملف ابديناها لوزير شؤون المهجرين انور الخليل ووعد بدرسها ورفعها الى مجلس الوزراء وخصوصاً ما يتعلق بمهجري الشريط". واوضح ان "هناك نحو 800 عائلة، جزء كبير منها من الشريط ألزمت توقيع تعهد اخلاء". وزارت "الحياة" مبنى الصندوق لمعرفة احوال المهجرين الذين يأتون للمراجعة في شأن الاخلاءات، واثناء استماعها في مدخل المبنى، الى عجوز اقامت بعد اخلائها من منزلها الذي دُمر في طريق صيدا القديمة، مدة في مقبرة "روضة الشهيدين"، قبل ان يأتي "ابن حلال" وينقلها للاقامة في حي السلم، تدخّل موظف الاستعلامات في الصندوق مانعاً "الحياة" من التحدث الى المهجّرين الموجودين والاستماع الى شكواهم، مطبقاً امر رئيس الصندوق "منع دخول الصحافيين الى المبنى والتحدث مع المهجرين او على الرصيف المحاذي الا بإذنه". وبعد اخذ وردّ وتدخّل من عناصر قوى الامن ومصادرة البطاقة الصحافية نحو عشر دقائق في انتظار مراجعة رئيس الصندوق، جاء الرد ان "التحدث مع الناس امام مبنى الصندوق ليس ممنوعاً ولكن لا يتم الا في حضور الملحقة الاعلامية". وافاد بعض المهجرين ان "الذين يتقدمون الآن من الصندوق لقبض بدلات الاخلاء وتوقيع تعهدات، هم محتلون يجب ان يخلوا المنازل التي يشغلونها. اما المحتلون المهجرون الذين لم يعودوا الى قراهم ولم ترمم منازلهم او يعاد بناؤها فانهم لم ىأتوا الى الصندوق"، مشيرين الى"انهم لم يتقدموا من الصندوق لاسباب عدة منها بدء المدارس اذ يسجلون ابناءهم حيث يقيمون، وعدم تأمين مسكن بديل في وقت مبكر". وقالوا "يبدو ان هناك حلقة مفرغة، إذ يطالب بعض المحتلين المهجّرين، باستعادة منازلهم المحتلة من مهجّرين أيضاً. ولا يبدون اهتماماً بقبض الإخلاء الذي يعتبرون أنه لا يؤمّن لهم مسكناً، بمقدار ما يريدون استعادة منازلهم المحتلة للعودة اليها. والمحتلون من ناحيتهم يريدون اعادة بناء منازلهم او ترميمها في قراهم ليخلوا المنازل التي يشغلونها منذ سنوات، اضافة الى مهجّري الشريط المحتل"، مشيرين الى انهم يراجعون الصندوق "ولا نحصل على إجابات". وكانت "الحياة" اتصلت مرات عدة برئيس الصندوق المهندس شادي مسعد لاستيضاحه الاشكالات الحاصلة في تنفيذ قرارات الاخلاء، فاعتذر. وقالت الملحقة الاعلامية ريما فرح بايجاز "ان الصندوق ينفذ خطة الوزارة التي اقرت ويلتزمها". وعن قرارات الاخلاء التي اتخذت قالت "ان في محافظة جبل لبنان صدر سبعة آلاف قرار منها 5800 انجزت لناحية الاخلاء واجراء تعهدات به، وفي بيروت اتخذ 2500 قرار انجز منها 1600". واذ اعتبر القيّمون على الحكومة السابقة ان المهجّرين "يستحقون، أان عودتهم ليست عملية تقنية ولا وضع خطط تتحرك آلياً من دون التعاطي مع الاطراف السياسيين، ولأن القضية سياسية في كل ابعادها، ولا يمكن تجاهلها حرصاً على الاّ يؤدي الأمر الى شوائب وثغر في التطبيق، اضافة الى ان الاتصالات والحوار مع القوى السياسية تسهل عمليات الاخلاء والعودة وتثبت الخطوات التي تقوم بها الدولة من منطلق انساني واجتماعي على ألا ترمى عائلة في الشارع اياً تكن الظروف والمعطيات التي تحيط بها"، فإن مناطق "ساخنة"، وبخاصة في بيروت، لم ينفذ اخلاؤها مثل احياء سبيرز والخندق الغميق وبشارة الخوري وكليمنصو وبعض الابنية في الحمراء وغيرها. واذ لاقت تلك السياسة في حينه الكثير من الانتقاد، وخصوصاً لناحية حجم المبالغ التي صرفت على الإخلاءات واطلقت مواقف كثيرة، اعتبرت ان "هناك اهداراً"، فان سياسة الصندوق الحالية في شأن الاخلاءات القائمة على دفع بدل اخلاء واحد لكل مسكن سواء أكان فيه عائلة ام ثلاث، دفعت بعض الاحزاب ومنها "التقدمي الاشتراكي" و"حزب الله" و"الوطنيين الاحرار" الى اصدار بيانات تنتقد سياسة الصندوق وخطة الوزارة معتبرة انهما "يهددان المهجرين"، وخصوصاً بيان الصندوق الاخير الذي اكد اعتبار التعهد باطلاً اذا لم يتقدم المهجر من الصندوق، وتنفيذ الاخلاء في موعده وفقدان الشاغل حقه في التعويض. لكن الوزارة اكدت ان "مبدأ التعويض على اساس الوحدة السكنية لا على اساس قاطنيها لا يعني ان هذه العائلات مهددة بالتشرد بل تؤمن بالمبلغ المخصص لها انتقالاً سريعاً الى وضع سكني شرعي، وتالياً تعيد الدولة الاملاك الى اصحابها الشرعيين". واضافت ان "ما قامت به الوزارة السابقة كان سبباً اكيداً لانعدام الثقة بالعودة الحقيقية وفتح ابواب الاستنساب والتسييس والاهدار الذي تفاقم ما بين قرارات الوزارة وقرارات الصندوق". واذ يعتبر السجال بين "الاشتراكي" والوزارة سجالاً بين السلف والخلف في الرؤية والتنفيذ المتعلقين بالعودة، فأن احزاباً اخرى وسياسيين يتابعون قضية المهجرين، دخلوا في السجال معتبرين ان هذه القضية لا تعالج بالقوة وبخاصة في الاخلاءات اذ "ان القوة لم تنفع في هذا الاطار" على ما قال ل"الحياة" النائب انطوان اندراوس الذي كان رئيساً للصندوق. واضاف "نحن تعاطينا مع الموضوع بالتي هي احسن وبالتراضي، لان القوة تعرض السلم الأهلي للخطر". وقال "على رغم ان رئيس الصندوق يعمل بطريقة جيدة الى الآن، لا انصحه بمتابعة التهديد بالاخلاء بالقوة لان الصندوق مؤسسة مالية وليس لها ان تهدد. وعليه ان يترك الامر للسياسة"، داعياً الى "اجراء حوار مع الاحزاب والقوى السياسية ومفاوضتها لمعالجة الاخلاءات واذا لم تصل الى نتيجة فلتعالج في مجلس الوزراء، ولكن ليس بالقوة".