اُرغم الاميركيون في نيسان ابريل من كل عام، على امتداد السنوات الست السابقة، على تذكر الاحداث المأسوية التي احاطت باقتحام قوى الامن معقل اتباع طائفة الداووديين بزعامة ديفيد كورش في واكو بولاية تكساس. وانتهت تلك العملية، التي أقرتها وزيرة العدل جانيت رينو واُستخدمت فيها دبابات مزودة معدات خاصة وحاملات جند مصفحة ومروحيات، بحريق إمتد بسرعة ليلتهم المجمع المبني من الخشب ويؤدي الى مقتل 80 شخصاً، من بينهم كورش و 25 طفلاً. ولم يبق على قيد الحياة سوى بضعة اشخاص. والآن، بعد تحقيق شامل اجرته وزارة العدل وسنوات من الجدل والمهاترات والاتهامات الى الاجهزة الامنية بانها تصرفت بتسرع لامسؤول وعنف، اعترف مكتب التحقيقات الفيديرالي إف بي أي اخيراً بما كان يقوله بعض الشهود وهو ان قنابل غاز مسيل للدموع من النوع المخصص لاغراض عسكرية ويُعرف بخطورته وقابليته للاحتراق، اُطلقت على المجمع. لكن "إف بي أي" اوضح انه لم تُطلق سوى قذيفتين من هذا النوع وانهما استهدفتا ملجأً محصناً تحت الارض مشيداً بالخرسانة، على مسافة بعيدة من المجمع المبني بالخشب. كما قال مكتب التحقيقات ان القذيفتين اُطلقتا قبل ساعات على اندلاع الحريق ولا يمكن ان تكونا سبباً في الطريقة التي انتهى بها حصار واكو. وكانت وزارة العدل توصلت بعد 12 شهرا على الحادث الى استنتاج مفاده ان كورش واتباع طائفته اشعلوا بصورة متعمدة النيران التي أتت على "ماونت كارمل"، الاسم الذي كان كورش اطلقه على المجمع. واستند هذا الاستنتاج الى تأكيد "إف بي أي" بشكل قاطع، ان كل انواع الذخيرة والغاز المسيل للدموع التي اُستخدمت في الحصار كانت "غير قابلة للاشتعال". كما كُشف اخيراً عن مشاركة عدد قليل من رجال الكوماندوس التابعين ل"دلتا فورس"، التي تُعتبر ابرز وحدات مكافحة الارهاب في الجيش الاميركي. واكتفى البنتاغون بالقول ان ثلاثة "مراقبين" من هذه الوحدة كانوا موجودين في واكو، مؤكداً انهم لم يشاركوا في الاعمال شبه العسكرية او الأمنية. وتحظر القوانين الاميركية بشكل خاص استخدام عسكريين في أي اجراء أمني لا علاقة له بمكافحة المخدرات. وكان السبب المباشر لمذكرة التوقيف الصادرة بحق ديفيد كورش وحصار المجمع في واكو واقتحامه، هو الاشتباه الذي تبيّن في وقت لاحق انه صحيح، في ان "ماونت كارمل" كان يحتوي كميات ضخمة من الاسلحة والمتفجرات التي تعتبر حيازتها غير مشروعة. ودفعت الاكتشافات الاخيرة المتعلقة بملابسات الحادث بوزيرة العدل ومدير "إف بي أي" لويس فري الى التفكير في تحقيق مستقل بشأن ما حصل في واكو، بعدما طالب كثيرون من اعضاء الكونغرس الجمهوريين وحتى بعض الديموقراطيين، بذلك لتقصي ما حدث والتأكد بشكل نهائي من عدم انتهاك اي قانون اميركي من قبل الاجهزة الحكومية التي شاركت في العملية.وانتقد بعضهم العملية بعنف واتهموا وزيرة العدل بحجب معلومات والكذب. وحض السناتور الديموقراطي تشارلس شومر، العضو البارز في اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ، رينو على تعيين هيئة مستقلة لاجراء التحقيق الجديد حتى لا يفقد الرأي العام الاميركي ثقته في السلطات. وتحدثت رينو، عندما اعلنت عن فتح تحقيق جديد في الحادث، بمرارة عن شعورها بالخيبة لانها لم تُبلّغ باستخدام قذائف الغاز المسيل للدموع. وقالت وذراعاها وكتفاها يرتجفان نتيجة اصابتها بمرض الشلل الرعاشي، ان التحقيق سيكون شاملاً. لكن تصريحاتها لم تعد تكفي لاقناع الكثيرين في الكونغرس وملايين الاميركيين. واصبح الموت الجماعي في واكو حدثاً يستقطب العنصريين البيض المتطرفين واتباع الفرق المسيحية والميليشيات المناهضة للحكومة. ويجمع هؤلاء الاعتقاد بوجود مؤامرة ضخمة تقف وراءها واشنطن لقتل كورش واتباعه ليصبحوا عبرة لكل من يتحدى سلطات الحكومة التي تتسع باستمرار.